مؤتمر باريس . . . ما اشبه اليوم بالبارحة‎

مؤتمر باريس . . . ما اشبه اليوم بالبارحة‎
آخر تحديث:

 

  ادهم ابراهيم  

خلال يومي 28 و 29 من مايس ، عقد في باريس مؤتمرا للمعارضة العراقية ، بهدف تصحيح مسار العملية السياسية . . وبمعنى اخر اجراء تغيير جذري في اسلوب ونمط الحكم في العراق . وقد ذكرني هذا المؤتمر بمؤتمرات المعارضة التي عقدتها الاحزاب والتكتلات الاسلامية السياسية والاخوانية والكوردية برعاية الامريكان للاطاحة بنظام حكم صدام حسين . وبالرغم من ان العملية قد طالت في وقتها ولم يتسن تغيير الحكم الا باحتلال العراق ، وهذا يمثل نمطا جديدا لتغيير الحكم . فقد كان المتبع سابقا اسلوب الانقلابات العسكرية لتغيير الحكام ، ولكن المستر بوش قد حاول اجراء تغيير جذري بالقضاء على كل مفاصل الدولة خيرها وشرها ، وبناء دولة جديدة على انقاضها ، وعلى وفق مبدا الفوضى الخلاقة . . ويبدو ان حكام العراق الجدد الذين جاؤوا بالدبابة الامريكية قد ادركوا مبكرا ان سلطتهم مؤقتة ، وانها آيلة الى الزوال ، فقاموا باكبر عملية نهب في التاريخ وبشكل مبرمج . . وقد كنا نعجب من ذلك فكيف يدمر الحاكم سلطته ودولته اذا كان ينوي الديمومة والاستمرار بالحكم ، حتى عرفنا السبب . واذا عرف السبب بطل العجب .ويبدو ان الفوضى الخلاقة في العراق قد تحولت الى عصف الافكار . . افكار الامريكان طبعا ، وليس افكار الحكام عندنا ، فهؤلاء لاوقت لديهم لمثل هذه المحاولات الجادة وهم على عجلة من امرهم . ان الامريكان ومن خلال عصف الافكار هذه لديهم احتمالات كثيرة ، فكل شئ جائز وممكن التحقيق بعد ان تم تدمير كل البنى الاساسية للدولة وللشعب ايضا ، وحتى القيم الوطنية والنضالية قد اصبحت موضع شك بعدكل هذه الفوضى في السياسة والاقتصاد وآلة الحرب ، وبعد كل هذا التشويش الاعلامي والديني والطائفي . فاختلطت الاوراق و تقاطعت الخطوط . .

 

وهنا يثور سؤال . . هل سيبقى الوضع على ماهو عليه الان ؟ وما هو موقف الدول الاقليمية وخصوصا الجارة ايران من تحقيق البعد الستراتيجي لها الممتد من لبنان وسوريا ثم العراق . هذا البعد الستراتيجي غير المرحب به من قبل الدول الغربية وعلى راسها اميريكا . وشهر العسل الذي صاحب المفاوضات النووية الايرانية الغربية ،. هل اوشك على الانتهاء . الجواب. نعم . لان الغرب وامريكا بالذات لايقبلون باي حال من الاحوال ان يكون هناك امتداد جغرافي او اتحاد بين سوريا والعراق ، او بين دول المنطقة ككل ، ليس بسبب اسرائيل والحفاظ على امنها فقط ، رغم ان ذلك احد العوامل الاساسية ، ولكن ايضا لتفادي وجود اي قوة بشرية واقتصادية ومن ثم عسكرية على امتداد دولتين او اكثر من دول سايكس بيكو ، فهذه الاتفاقية التي اقرت في مؤتمر لوزان قد وضعت حدودا لايحق لاحد تجاوزها . . فتجربة الوحدة المصرية السورية عام 1958 لم تدم اكثر من ثلاث سنوات . وقد حاول النظام الملكي في العراق استيعاب المد الجماهيري في وقتها فاسس الاتحاد الهاشمي بين العراق والاردن . ورغم شكلية الاتحاد الا انه انهار ايضا بعد انقلاب ، او ثورة 14 تموز 1958 . وفي عام 1963 عندما سيطر حزب البعث في العراق وسوريا على مقاليد الحكم . قامت الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق ، التي لم تدم اكثر من ثلاثة اشهر . لاسباب ظاهرية شتى . ولكن السبب الحقيقي هو منع اي تجمع لدولتين او اكثر في المنطقة . .وفي عام 1979 جرت محاولات اخرى لتوحيد سوريا والعراق ، ذات الانظمة المتشابهة . وذلك من خلال ميثاق العمل المشترك ، والذي انهار بنفس السنة ، بعد استيلاء صدام حسين على السلطة . فتحققت رغبة الغرب ، خصوصا بعد ان اعقب ذلك اشتداد العداء بين نظامي الحكم في سوريا والعراق . وبعد هذا كله هل تغيرت السياسة الغربية تجاه المنطقة ، وهل تم استبدال ثوابتها . كلا . حيث لازالت المبررات قائمة ، كما اصبحت الدوافع اكثر شدة ، وان الاتجاه يميل الى تفتيت اكثر لهذه الدول ، ان كان ذلك ممكنا ، وبعكسه بقاء الوضع على ماهو عليه . والحلم الايراني بالتوسع غربا ، سيبقى مجرد حلم ، رغم مانشاهده من نفوذ واسع لايران في كل هذه المنطقة . .

 

ويظهر ذلك جليا من استعراضنا للتاريخ السياسي اعلاه وان ال game over _ اللعبة انتهت . نعود الى مؤتمر باريس . . فهل سيكون هذا المؤتمر تمهيدا جادا لتغيير نظام الحكم في العراق ؟ اكاد اجزم بذلك . لا حبا بالمعارضة الحالية ، ولكن لضمان المصالح الامريكية والغربية في قطع البعد الستراتيجي الذي تطمح اليه ايران للتمدد الى شواطئ البحر المتوسط اولا ثم لتحقيق استقرار هش في المنطقة ، يمكن السيطرة عليه في اي وقت . . وان بقاء الحروب على ماهي عليه الان سوف لن تفيد المصالح الامريكية والغربية ، ولابد من تهدئة اللعب لان النيران المشتعلة في المنطقة قد اوشكت على التهام حتى الدول البعيدة التي كانت تضن انها بمنئى عن هذه الحرائق . اننا نعتقد ان هذا المخطط قد وضع الان على طاولة الرئيس الامريكي الجديد ايا كان .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *