ماذا فعلتم بهذا البلد الأمين؟

ماذا فعلتم بهذا البلد الأمين؟
آخر تحديث:

 

  علي علي 

بين المصدق والمكذب.. والمنبهر والمتعجب، يتأرجح البلد بما آلت اليه أوضاعه السياسية والأمنية والاقتصادية بين أكف الضياع على شفا حفر كثيرة، وما المصدق والمتعجب إلا من يستطلع تاريخ هذا البلد العريق في صنع الحضارة، فهو بلد الشعر والنثر والخطابة والقصص والروايات، هو بلد ألف ليلة وليلة. لقد خضعت الثقافة عموما وثقافة التعبير عن الرأي على وجه الخصوص، الى قمع وكبت شديدين، طيلة عقود ثلاث مرت عجافا، جثم فيها حكم البعث -فيما جثم- على صدور الكتاب والشعراء والمثقفين، حيث كانت المفردة تمر -قبل خروجها من قلم الكاتب والشاعر او حنجرة الخطيب- بسلسلة من التمحيصات والقراءات غير الحيادية، من قبل لجنة من الجلادين والسجانين، ولطالما جرت قصيدة او قصة او حتى ومضة صاحبها الى دهاليز السجون وأقبية الموت والتغييب وظلمات الزنزانات الانفرادية، وقد تؤدي به في نهاية المطاف الى أحواض تذيب قصيدته وجسده وذكراه في آن واحد. فانكمش الحرف الحر -قسرا- وقُصت جناحاه وضاقت فضاءات التعبير لدى الشاعر والكاتب والمثققف العراقي، حتى صارت محصورة في شخص واحد وحزب واحد.

 

حتى حل عام 2003 فاشرقت شمس الحرية التي كنا نظن انها غير قابلة للكسوف، وبها انطلقت الحريات بجميع اشكالها، اولها التعبير عن الراي، وحرية النقد وغيرها من نعم الديمقراطية التي وصلتنا مدولبة في (سرفة) دبابة، او محمولة على طائرة، والاثنتان -قطعا- أمريكيتان. الأمر الذي أطلق العنان للسان الشعراء والكتاب والنقاد في البوح بما يختلج بخواطرهم من آمال وما يعتمل بنفوسهم من آلام، وكان لهم بذلك متنفس، وكوة من البوح بما يعانون منه. فمنهم من أعاد توثيق احداث كان يخشى ذكرها حتى في أحلامه، فأرخها كذكريات للتأريخ ولقرائه، ومنهم من وجد في الحرية ضالته بعد كبت خانق، ففتحت قريحته في البوح بمسميات جماليات الحياة ومايهوى وما يعشق. ومنهم من اتخذ لنفسه موضع الرقيب وموقع الناقد ومنصب المنبِّه والمحذِّر، فأصبح رقيبا على أفعال معيته وردودها، ممن عاشوا معه كسوف الشمس الطويل في تلك العقود، وناقدا لتصحيح وتقويم وتعديل من يتخبط في خطوه وسيره، بعد ان فكت الحرية كبوله وعتقته من أغلال الماضي. ومنبها من عاقبة اليأس والخذلان والخَوَر، والتقهقر الى الوراء. وقطعا فان أول غبطة شعر بها الكاتب، هي أنه استطاع قول مايريد من دون خشية رقيب (زيتوني) او رفيق (بعثي) يجبره على التملق والتحيز، فراح يصب جل اهتمامه في ذكر هذه السلبية والرذيلة.. وتلك الهفوة والزلة.. وذاك التقصير والتقاعس.. وهذا الإهمال والتسيب.. وذلك التواطؤ والتخاذل، فضلا عن الخيانات والفسادات بأنواعها، وساعده في هذا كثرتها -مجتمعة وفرادى- في سلوك الشخصيات التي تولت زمام القيادة في مفاصل البلد. فهل يعقل أن تشح الإيجابيات حد الفقدان في عراق مابعد 2003 وهل من المنطقي خلو بلد يمتد على أرض وادي الرافدين من جوانب مشرقة ومفرحة يبتهج بها قاطنوه؟.

 

هو في حقيقة الأمر نداء الى ساسة العراق واللاعبين على أوتار وجوده وحضوره بين الأمم، أن ارعووا واصحوا وأفيقوا وتنبهوا.. الى مافعلتم بهذا البلد الأمين.! أعيدوا حساباتكم في ما أوصلتموه اليه، فملايين العباد ماعادت تحتمل جموحكم في سرقاتكم، فالكاتب ضاقت به الصفحات في ذكر سلبياتكم، والشاعر ماعادت تكفيه بحور الشعر -على وسعها- في نقدكم ولومكم وتقريعكم، لاسيما وقد ضحكتم على الذقون أعواما طويلة أفقدتها صبرها، فاخشوا منها الانفجار واحذروا تمردها من أجل حقوقها في حاضرها ومستقبلها، بعد أن طالتها سرقاتكم فضلا عن ماضيها.

 

[email protected]

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *