محاكاة ساخرة لروايات التحري

محاكاة ساخرة لروايات التحري
آخر تحديث:

بغداد: شبكة اخبار العراق – غالبية المقالات التي تناولت الرواية الأخيرة لتشارلز بوكوفسكي حال صدورها هذا العام، عن دار الجمل، ترجمة ايمان عبد الله الحرز، غالبيتها أكدت أنها خروج واضح عن الأسلوب السردي لبقية رواياته.   بوكوفسكي  الشاعر والروائي وكاتب القصة الأميركي من أصل ألماني (1920 -1994)، أصدر منذ العام 1958 مجاميع شعرية وقصصية عديدة، وله في الرواية أيضا، نساء، مكتب البريد. الكتابة السيئة في مقدمة الرواية التي كتبتها الشاعرة والمترجمة الفلسطينية  ريم غنايم، تساؤلات عن مقاصد بوكوفسكي في هذا العمل، لافتة إلى إهدائه هذا العمل  إلى «الكتابة  السيئة» فتخوض في تعريف هذه الكتابة» أهي مديح في شعرية الرداءة، الرداءة والإخفاق في خوض نوع أدبي شائع ؟ أم انها رداءة متعمدة، تسعى إلى تقويض الشعبي والقائم والمستهلك» الرواية: 11، بعدها تخلص إلى أنه يسعى إلى وضع روايته في حيز جديد، تحدث فيه اختراقات واضحة في كتابة تقليدية لأحد أنواع الأدب الروائي، ألا وهو أدب التحري. محقق فاشل الرواية محاكاة ساخرة لهذا النوع من الأدب، لأن بوكوفسكي جعل من بطل روايته محققا أو رجل تحر خاص فاشلا، يدعى» بيلين» اسمه ايضا إشارة تهكمية إلى  كاتب روايات التحري، الأميركي ميكي  سمبيلين. يورط بوكوفسكي بطله في قضايا تحر عن رجال أو نساء، تهجس من خلال طبيعة تلك التكليفات أنها باهتة أو ليست بذات أهمية، ومن ثم تدرك صحة هواجسك عندما تتكشف نتائج التحريات، لتصل إلى نتيجة أن التحري سيلين، المفلس، الذي يشغل مكتبا لا يستطيع دفع إيجاره ومهد بإخلائه من قبل مالكه، يضع نفسه هو التحري في مآزق نصب واحتيال من قبل أناس هم وراء تكليفه بتلك القضايا. الحبكة تبدأ الرواية باتصال تليفوني من قبل السيدة موت مع المحقق بيلين، وهنا نلاحظ دلالة الاسم، تطلب منه التحقق من أن الكاتب الفرنسي فرديناند سيلين موجود في لوس انجلوس، أي أن هذا الكاتب الذي يأتي بعد مارسيل بروست في الأهمية، لم يمت في العالم 1961، كما هو موثق. شخص آخر هو جوناس باس يطلب منه التحقق في خيانة زوجته سيندي له. وآخر يدعى جروفرز وهو متعهد دفن الموتى، يطلب منه تخليصه من مضايقة مخلوقة فضائية تدعى جيني نيترو،  وهناك جون بارتون، الذي يكلفه بجلب العصفور الأحمر، وهو الفخ الكبير الذي وقع فيه بيلين، وكان مقتله أيضا. بارتون هو الذي  كان يرسل الأشخاص أصحاب القضايا الغريبة إلى التحري الفاشل، الذي يدعي بأنه أفضل محقق في أميركا. فحين  كشف شخصية سيلين، خلصته منه  السيدة موت بقتله، والشاب الذي وجد مع سيندي، هو مخلوق فضائي، تأمره تيني نيترو بالصعود إلى الفضاء، تيني  تختفي أيضا بعدما أسرت لبيلين، أنها ومجموعة قليلة من المخلوقات الفضائية موجودون في كوكب الأرض تمهيدا لاحتلاله من قبل قومها بجيش جرار، وطلبت منه المساعدة، فوافق شريطة أن تنهي مضايقتها لجروفرز. كان يقبض مبالغ أتعابه بعد حله للقضايا، ولكن بشق النفس، وكان ينفقها على القمار والخمر، وهناك من يترصد له واهما أنه أصبح ثريا بعد نجاحه في عمله، ومنهم جوني تمبل، الذي يتصل ليخبره بأنه عثر على العصفور الأحمر، لكنه لايسلمه إياه إلا مقابل مبلغ كبير لا يمتلكه بيلين، فعرض عليه إقراضه إياه مقابل فائدة شهرية وشيك مصرفي، يوافق بيلين ويكتشف غباءه لاحقا،  فهو لم يستلم دولارا واحدا من المبلغ، لأن  تمبل صاحب المبلغ المفروض الذي ينبغي أن يدفعه له بيلين، في الوقت ذاته هو المقرض. نهاية تراجيدية وعندما حانت ساعة الدفع، لم يكن بيلين، يتوقع أن تمبل يقتله، من أجل 600 دولار، مبلغ الفائدة، وهذا ما حصل حين اقتاده إلى منطقة منزوية عن الأنظار. حين حضرت السيدة موت، موقع الحادث، أنبته بأنه استدرج إلى لعبة سيئة جدا، وأنه ضحية محتالين، ظنا منهم أنه يمتلك ثروة جراء أعمال التحري التي أنجزها. النهاية غير المنطقية الثانية حين يحضر العصفور الأحمر، وكان توصيفه الفانتازي:»عملاق، براق جميل، ليس في ضخامته شيء، حقيقي للغاية، ليس في روعته شيء»:253. تترك السيدة موت، العصفور العملاق يبتلع بيلين. نهاية غير عقلانية لبطل غير عقلاني في جميع تصرفاته وحواراته، وعراكاته. ينقاد قارئ هذه الرواية الى التمتع بها، بسبب من مزايا عديدة تشكل البصمة الخاصة لكاتب عالمي مثل بوكوفسكي، الجمل القصيرة والحوارات المثيرة، التي تشكل غالبية صفحات الرواية، البالغة 255 من القطع الكبيرة، كما أن البطل هو الراوي بضمير المتكلم هو البطل نفسه، ما يوحي الانطباع أن الراوية سيرة ذاتية ليوميات بطل تحر خاص يسخر بلغة الشارع اليومية من  شخصيات غرائبية، مايضيف متعة أخرى إلى القارئ وقد وصلت له رسالة بوكوفسكي عن عالم روايات التحري أو الروايات البوليسية الخفيفة،  بأساليبها وعوالمها وشخصياتها.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *