محاكمة الاشباح: صدمة وإحباط وخيبة

محاكمة الاشباح: صدمة وإحباط وخيبة
آخر تحديث:

بقلم:علي الكاش

من المعروف ان المحكمة الجنائية الدولية بسبب الفيتو الروسي، لا يمكن ان تحكم على الدول والأحزاب، وانما على الأفراد او الجماعات فقط وبالإسم. لذلك أخرجت قيادة حزب الله من دائرة الإتهام. ويفترض على الحكومة اللبنانية أن تدرك هذا البند قبل ان توكل المهمة الى المحكمة الدولية، سيما ان الشبهات كانت تدور حول ضلوع طرفين في العمل الإرهابي وهما الحكومة السورية وحزب الله.
المتهم الأول في قضية الشهيد الحريري كان ( ابو عدس)، وهو شخصية فلسطينية عاش في لبنان، لا يعرف عنه أي ميول سياسية لا لحزب الله او غيره، رجل معتدل وغير متطرف بشهادة من يعرفه، ويبدو انه أختطف من قبل حزب الله واجبر على تسجيل شريط مفبرك يزعم فيه انه من قام بتنفيذ عملية اغتيال رفيق الحريري وفق معلومات مضللة يمكن أكتشافها من أول وهلة، وقدم الشريط الى غسان بن جدو من فضائية الجزيرة، وهذه الطريقة الشاذة تعني انه المسألة مخطط لها من قبل الحزب، فغسان بن جدو هو ثعبان حزب الله الذي ينفذ سموم الحزب الإعلامية على الناس ويخلط الأوراق، وقد فضح امره مرارا وتكرارا، فهو مدلس وسافل وعديم الشرف، وسبق له ان أخرج مسرحية جهاد النكاح ليقيم نوع من التوازن مع زواج المتعة، واتهم سيدات تونسيات عفيفات بترويج وممارسة هذا الجهاد وتبين انها اكذوبة، واتهم العريفي بأنه من أصدر فتوى جهاد النكاح، وتبين انه لا وجود لهذ الفتوى الرقيعة على موقع العريفي، وقد انكرها العريفي بشدة، فغسان جدو ملعون ابوه وجدو.
من البديهي انه من غير المعقول ان يقوم شخص مسالم لا ناقة له ولا جمل في مقتل الحريري بعملية كبيرة تحتاج الى إمكانات مادية واستخبارية ولوجستية واستعدادات كبيرة قبل وبعد العملية. مع هذا لنساير هذه الكذبه المفضوحة، فنقول انه ليس من المنطق أن يبقى (ابو عدس) على قيد الحياة وفق رواية ابن جدو، لأنه الخيط الوحيد في القضية، لذلك أختفى من المسرح بعد الشريط مباشرة وانتهى دوره بطريقة مثيرة للشكوك، بمعنى انه الحزب تخلص منه. الغريب في لعبة ابن جدو انه اراد استغفال عقول المشاهدين على اعتبار ان ابا عدس علق الشريط على شجرة واتصل به ليعلمه على مكانه، وهذا تصرف انسان جاهل وساذج، وغير مؤهل للقيام بتلك العملية الإرهابية الكبرى، وقد تمت بنجاح، حيث تبدو كل المؤشرات والطلاسم حولها والتي لم تتمكن المحكمة الدولية من حلٌها انها خططت من قبل جهاز مخابرات على مستوى الدولة او الدويلة، وليس من قبل رجل ساذج لا علاقة له بالإرهاب.
أما مسألة المتهم عياش فإنها مثيرة للسخرية أكثر منها للإستغراب، فهذه الشخصية أما وهمية أو ربما حقيقية لكنها هاشمية، فلم تستدعيه المحكمة الدولية للإستجواب، ولم ترغم حزب الله على إحضاره وتدوين أقواله، اي ان المحكمة وفق هذا الأمر حكمت على شبح، وأصدرت حكما دون الإستماع الى أقوال المتهمين حتى محامي المتهم الذي عينته المحكمة لم يلتقِ بعياش، فكيف كان يدافع عنه؟ وكيف حُكم عليه؟
أن إمتناع حزب الله عن تقديم العياش للمحكمة هو بحد ذاته يمثل إدانه لحزب الله، وإلا لو كان الحزب بريئا حقا من دم الشهيد الحريري، لقدم هذا الشخص بكل ترحاب للمحكمة ليبرء نفسه، ويكون في موقف الحزب المسؤول تجاه الشعب اللبناني ويحترمه على أقل تقدير. كما ان عدم معرفة قيادة حزب الله بالعملية نكتة سمجة، فقد صورت المحكمة ان خلافا شخصيا جرى بين الشهيد الحريري وخصمه العياش، كأنهما اختلفا على مقاولة مثلا، لذا كان حكم المحكمة ذي طابع سياسي وليس قانوني كما يفترض. وهذا الحكم من شأنه أن يشجع الاحزاب المتطرفة والارهابية في الاستمرار على نهجها بالإغتيالات وتصفية المعارضين طالما ان قرارات القضاء الوطني والدولي بهذا المستوى الرقيع.
ولو عدنا بالذاكرة الى الوراء، لوجدنا إن هذا الإنفجار كان بمثابة مرحلة إنتقال السلطة في لبنان من سوريا الأسد الى ايران الخامنئي عبر ذيلهم حسن نصر الله، وهو نقطة انطلاق المشروع الايراني في لبنان. من المعروف ان الرئيس الشهيد الحريري كان بحجم لبنان وحضارته واهميته وعظمته من خلال علاقاته الواسعة مع العرب والعالم الخارجي، وكان من ابطال مؤتمر الطائف، وحقق للبنان من الإنجازات ما لم يحققه أي رئيس لبناني. فقد تولى عملية إعمار لبنان ما بعد الحرب، ولمسات اصابعه ظاهرة على أهم المظاهر العمرانية في لبنان ما بعد الحرب. لقد عمر الأخيار ما دمره الأشرار، وبدلا من الشكر والعرفان، كان القتل والخسران، فقد خسرت لبنان واحد من أكبر مصليحها، إنها خسارة لا تقدر بثمن.
كان للشهيد الحريري ميزتين ربما توضحان لماذا جرى إستهدافه، ولمصلحة من؟ الميزتان هما: حب لبنان والعمل بجد على تعميره اولا، ورفض الطائفية وما يترتب عليها ثانيا، وكان ميشال عون الزعيم اللبناني الوحيد الذي رفض مقررات الطائف الرافضة للمحاصصة. بلا شك ان رفض الطائفية يُعتبر خطا أحمرا لنظام الملالي، لأنها تتعارض مع مشروع المقبور الخميني في لبنان خصوصا والمنطقة عموما، فتنمية النفس الطائفي في لبنان هو الركن الأساسي لتشكيل جيش موازي للحرس الثوري الايراني، وانطلاق المشروع الايراني، سيما انه تم تصفية رجل الدين المنافس الوحيد، حيث سبق ان قام النظام الايراني بالتخلص من الزعيم الشيعي موسى الصدر المعروف بموقفه المعارض للخميني، واختفى بطريقة غامضة ايضا.
لذا كان وجود الشهيد الحريري على رأس السلطة وبهذه القوة، والعلاقات المميزة مع العالم كله، ومحبة الشعب اللبناني له، وما يقوم به من انجازات لبلده لإعاد المجد والجمال الى الفاتنة الجميلة لبنان، ولقربه من المملكة العربية السعودية، هذه كلها معرقلات تقف ضد المشروع الايراني. بمعنى ان وجود الحريري على قيد الحياة يعطل او يؤخر على أقل تقدير المشروع الايراني، وهذا يتطلب موقفا جريئا، بمعنى لابد من التخلص منه، ورسمت الخطة في دهاليز المخابرات الايرانية واقزامها في حزب الله على ذلك النحو.
للك كان الموقف الرسمي الايراني الباهت من استشهاد الحريري، والتجاهل الاعلامي، والفرح المبطن يكشف ان النظام تخطى المرحلة الأصعب لتحقيق مشروعه في لبنان، وما تلى ذلك من احداث وتغول حزب الله هو الشاهد على كلامنا.
نقول أسفا على الملايين من الدولارات التي انفقتها الحكومة اللبنانية على المحكمة الدولية، واسفا على السنوات التسع التي استغرقتها المحكمة في التحقيقات غير المجدية، فالقرار الصادر كان صدمة، جعلتنا نقشعر عندما نسمع بالمحكمة الدولية، هذه الصدمة ستجعل الشعوب العربية الأخرى التي تعاني من الارهاب والظلم والفساد الحكومي كالعراق وسوريا وليبيا، تدير ظهرها للمحاكم الدولية، وتعيد النظر في حساباتها في التعامل معها، على ضوء الحكم الهزيل في قضية الشهيد الحريري، فقد تبين ان استقلال القضاء اكذوبه سواء كان داخل البلاد او خارجها، فالقضاء المحلي ونظيره الدولي يخضعان للسياسة شئنا أم أبينا، وعلى الشعوب المضطهدة ان تأخذ من قرار المحكمة الدولية الأخير درسا مهما، وتعيد النظر في موقفها من المحاكم الدولية. وتبقى المشكلة الرئيسة قائمة، ان كان القضاء الوطني مسيسا، والقضاء الدولي مسيسا، فكيف السبيل الى الحل؟
الحل هو الثورة على الحكام الظالمين، وتعديل المسار الوطني، وضبط البوصلة الحكومية مع آمال الشعب وعدم الانحراف عنها، وبدون الثورة على الأنظمة الفاسدة والظالمة لا يرتجى أي حلٌ آخر.
مع كل هذه الإخفاقات يبقى موقف الحكومة اللبنانية هو الفيصل الحاسم، والفصل الأخير من هذه المسرحية المملة، هل ستجرأ الحكومة الهزيلة على مطالبة حزب الله بتسليم الإرهابي عياش؟ سيما ان ملف القضية تحول الى مجلس الأمن الدولي لغرض دراسته وتنفيذه الحكم؟ كل المؤشرات تقول كلا! وسيجد حزب الله عشرات المبررات ومنها انه قتل في سوريا او العراق، وفي الحكومتين الآنفتين من يؤيد هذا الزعم الباطل، طالما ان الولي السفية يحكم اربع دول عربية، كما صرح مستشاره.
الكلمة الأخيرة للسيد سعد الحريري
كنا نعتقد انك الأمل الأخيرلتضميد جروح الفاتنة لبنان واعادو ملامحها الجميلة الى سابق عهدها، ولكن ضعفك واذعانك لحزب الله يثير الحيرة والشكوك، حتى في جريمة مقتل الشهيد الوالد، كان كلامك باهتا وغير مقنع، وانحرفت فيه الى موضوع آخر مع ان المجرم طرف واحد. ربما لك الحق أن تتنازل عن دم أبيك الشهيد، ولكن هل لك الحقل في مصادرة حقوق ذوي الشهداء الذين قتلوا مع الأب؟ هل خولك ذوو الشهداء التصرف ومصادرة دماء شهدائهم؟

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *