مراوغات ومناورات ومغالطات

مراوغات ومناورات ومغالطات
آخر تحديث:

بقلم:إبراهيم الزبيدي 

رئيس كردستان المنتهية رئاسته، مسعود البارزاني، خاطب المواطنين في الإقليم بحلول عيد الأضحى قائلا، إن “حرية شعب كردستان ومكتسباته ثمارُ دماءِ شهدائنا الخالدين. وأطمئنكم، إن دماء الشهداء لن تذهب سدى”، وإن “شعب كردستان سيُحقق الاستقلال بفضل دمائهم الطاهرة”. وكأن كردستان العراق ليست دولة مستقلة لها حكومتها وجيوشها وثرواتها، ولها أيضا رئيسها وبرلمانها وسفاراتها في دول العالم المختلفة، مع 17 بالمئة من موارد الشعب العراقي، ونفط يُهرب من أربيل وكركوك إلى تركيا، ومنها إلى إسرائيل، ولا يذوق الشعب الكردي سوى الفُتات. دولة مُسوَّرة بالحديد والنار لا يُسمح للعراقي، حاكما كان أو محكوما، بأن يعبر حدودها إلا سائحا أو هاربا بأموال عراقية مختلسة يريد تبييضها في أربيل، ولكن بضمانة كفيل محلي وإذن إقامة محددة.

وفي حديثه المحزن الأخير لصحيفة الشرق الأوسط يتهم البارزاني حلفاءه الإسلاميين بخيانة الملح والزاد فيقول، “إننا اتفقنا على تشكيل دولة مدنية ديمقراطية، ومن الواضح جدا أن الدولة، يوما بعد يوم، تتجه نحو أن تكون دولة دينية طائفية في بغداد”، وكأن الدولة لم تكن كذلك من أول أيام مجلس الحكم الذي كان هو، ومعه أخوه في الديمقراطية جلال الطالباني، قائدين مهمين من قادته السبعة الكبار.

ومن عرف مسعود البارزاني عن كثب من قبل غزو الكويت 1990، أيام لجنة العمل المشترك، وفي مؤتمر بيروت 1991 وبعده، وحضر مؤتمرات المعارضة العراقية السابقة، واستمع إلى خطاباته، وأدرك صلابة تمسكه بتحالفاته الساخنة مع مخابرات النظام الإيراني ونظام حافظ أسد، عبر الأحزاب الإسلامية العراقية المولدة في إيران، والبعثيين (العراقيين) المصنَّعين في مكاتب مخابرات القوة الجوية السورية، يدرك أن حديثه عن الدولة الديمقراطية المدنية حديث خرافة، ومغالطة من الوزن الثقيل.

وحين يعلل، ومعه رفاقه في القيادة السياسية الكردية، دوافعه لتبني مشروع فصل الشعب الكردي عن شقيقه العربي بأن حكومة المركز لم تكن منصفة ولم تحترم أصول الشراكة فهو إنما يجعل من الشعب العراقي، وليس حكومة المنطقة الخضراء، وازرة تزر وِزر أخرى، فليساوم شركاءه في بغداد، وليُزعج خصومه في السليمانية وأربيل ونينوى وكركوك يعاقب الشعبين العربي والكردي، معا، فوق ما عاقبهما به الزمن الرديء، خصوصا وأنه يعلم بأن الشعب العراقي، بعربه وكرده وتركمانه، بمسلميه ومسيحييه، لم تكن له ناقة ولا جمل في شراكته التي استمرت عشرات السنين مع نوري المالكي وإخوته المستأجَرين للعمل في خدمة النظام الإيراني في العراق والمنطقة، مثلما هو اليوم، لا ناقة له ولا جمل في خلافه الحالي مع حكومة المركز التي يعلم، ونحن نعلم، بأنها لم تكن منصفة لأحد من المواطنين العراقيين.

من قبل الغزو الأميركي للعراق كان هو، ومعه رفاقه القادة السياسيون الأكراد (العراقيون)، قد اختار اقتسام الفريسة مع الفريق الإيراني، ليس مناصفة، بل قسمة ضيزى. فلَهُ، وحده، النصف الكردي من الوطن.

أما النصف المتبقي من دولة العراق، فتم تقسيمُه مناصفة بينه، ومعه رفاقه في الجبهة الكردستانية، وبين إيران ووكلائها العراقيين، عملا بالدستور الأميركي السيستاني الذي فصَّلوه على مقاس أحزابهم وعوائلهم وقبائلهم، والذي اخترع نظام الحصص المنحوس، حتى صار لازما وواجبا، وفق أحكام المحاصصة، أن يكون لجماعة مسعود، ولجماعة جلال، نصف ما لأحزاب الدين السياسي في كل هيئة ومؤسسة وسفارة، بغض النظر عن الكفاءة والنزاهة.

وفي عدد من الحالات كان قادة الأحزاب الكردية، والبارزاني أولهُم، يصبون زيوتهم على نار المعارك المشتعلة بين حكومة حزب الدعوة وبين معارضيها الشيعة والسنة، ويسعون لجعل الوطن العراقي يحترق، وتُختلس أموال خزينته، ويتمزق، معتقدين، وهم واهمون، بأن ذلك سوف يُبعد الشر عن إقطاعياتهم الحزبية والأسرية والعشائرية في كردستان.

وهذه كانت، وستبقى، أكبر خطاياهم التي جرَّت وسوف تجر بلاوى كثيرة وحرائق قادمة، عليهم، أولا، وعلى شعب كردستان، وعلى جميع العراقيين، وعلى شعوب المنطقة.

يهدد البارزاني خصومه فيقول، “إذا اتفقت هذه الأطراف على إيذائنا أو على القضاء علينا، فبالتأكيد هم أيضا سيدفعون ثمنا باهظا”. فما الداعي، وما المصلحة في جر الشعب الكردي والعربي العراقي إلى حروب هما في غنى عنها، ولن ينجو أحد من أهوالها؟

ثم بأي قوة سيحمي البارزاني دولة كردستان القادمة من خناجر أشقائها وجيرانها المتربصين؟ تُرى أيُّ نوع من القادة هذا الذي لا يفهم أن عراقا موحدا وقويا وعزيزا ومُهابا ومزدهرا أضمن لكرسيه المذهب ولكرامة شعبه من رهن مصيره ومصالحه للمجهول؟ فلو عارض البارزاني ورفاقه السياسيون الأكراد، من أول الغزو الأميركي للعراق، تدفق السلاح والمقاتلين من إيران وسوريا، ولو جعلوا جيشهم (البيش مرقة) جزءا من جيش الوطن الموحد الكبير، ولو حرَّموا على شركائهم في المحاصصة إنشاءَ الميليشيات التي يعلمون بأنهم سيفتحون بها على الوطن وأهله أبواب جهنم جديدة لا تبقي ولا تذر، ولو رفضوا الديمقراطية المغشوشة، وأصروا على صياغة قانون انتخاب عادل وشريف ونزيه.

لو تمسكوا بضرورة فصل الدين عن الدولة ورفضوا تدخل السيستاني وغيره من رجال الدين ورؤساء العوائل والقبائل في السياسة وشؤون الحكم وكتابة الدستور، ولو تحالفوا مع القوى العراقية الديمقراطية اللبرالية واليسارية، فقويت بهم، وازداوا بها قوة، لكان العراق، اليوم، جنة الله على أرضه، ولما عاش المواطن العراقي إلى اليوم الذي يرى فيه حكم الجهلة والمتخلفين والمزورين والمختلسين، في هذا الزمن الرديء.

ثم لو أن البارزاني ورفاقه السياسيين الآخرين أخلصوا لكردستانهم وأقاموا فيها واحة للحرية والعدالة والنزاهة وسلطة العقل والقانون لكنا أول المصفقين، وأول المصدقين بسلامة نواياهم، وأول المساندين لهم في حروبهم، وأول المطالبين باستقلال كردستان، ولكن..ترى هل يقف أصحابُ العقول النيرة والضمائر النقية من أصدقائنا الأكراد في وجه المغامرين والمقامرين، قبل فوات الأوان؟.

 

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *