مردان:نقد شعر الجواهري متعب كنقد مؤلفات طه حسين

مردان:نقد شعر الجواهري متعب كنقد مؤلفات طه حسين
آخر تحديث:

 بغداد/شبكة اخبار العراق- يؤكد حسين مردان أنه الشاعر العراقي الوحيد الذي صمد أمام شخصية الجواهري، قاصداً بذلك وقفته إزاء قصيدة “اللاجئة في العيد”، التي استثارت غضب الشاعر لتأتي ردة فعله عبر قصيدة “الناقدون”، وكان يستهدف بها مردان حسب تأكيد الأخير. ويعترف هذا أنّ نقد شعر الجواهري متعب كنقد مؤلفات طه حسين، وهو راجع الى ما أسماه “الصيت” الذي يلتف حول اسميهما، حتى لكأنّ ما يكتبانه  بات يمتنع على النقد.ما الذي يحول دون نقد الجواهري؟الجواهري يعد كل محاولة نقدية لشعره هي ثلم لشخصيته، وفقاً لمردان، ما يشير إلى مأزق ثقافي، سارٍ حتى اليوم، وإلى تضعضع الاعتبارات النقدية وغياب الفهم المنفتح لمهمة النقد ودوره فـ “الناقد الحقيقي هو الذي يأخذ على عاتقه إعادة تصحيح الصورة العامة أو المفردة عند القراء، وعند المجتمع ككل، ولذلك فإنه يتحمل مسؤولية مزدوجة وهي مسؤولية أكبر من مسؤولية المنشئ نفسه: الأزهار تورق داخل الصاعقة”. وعلى الرغم من قسوة مردان كناقد غير أن نقده ومحاسبته ينصبان في ما هو إبداعي، موضوعي، وليس من أثر لضغينة شخصية في توجهه حتى وإن تهكّمَ، بل على العكس، فهو يسلّم بمواقف الجواهري الحميمة معه ومساندته له عند تقديمه للمحاكمة في قضية ديوانه “قصائد عارية”، كذلك بقية المنقودين، إذ يذكر في خاتمة كتابه مقالات في النقد الأدبي: “إن أكثر الذين تعرضت لنقدهم في كتابي هذا هم من أصدقائي ومن المقربين الى قلبي فإذا وجدوا في آرائي شيئاً من القسوة فذلك لأني أؤمن بما كتبته إيماناً عميقاً…”. وهو ما يؤكد رهافة الحس النقدي  لحسين مردان وتعففه عن ما هو نفعي، إذ لا يرى في نقده سوى النص، جيداً أم رديئاً، غير آبه بكاتبه مهما سمت العلاقة به، وهو شيء استثنائي في مجمله. واذا ما كان مردان قد بدا صارماً في محاسبته الجواهري عبر هذه القصيدة أو تلك، إلا أنه في الوقت ذاته لا يغمط منجز الشاعر، فيعبر عن حقيقة فهمه للجواهري ورأيه فيه: “انني أحب هذا الشاعر وأُعجب بنبوغه ولأنه أيضاً يمثّل لنا أرقى ما وصل اليه الشعر الكلاسيكي العربي من تطور وعظمة.مقال: ديوان الجواهري ـ الأعمال النثرية”. من بين الذين تعرض لهم الناقد حسين مردان الشاعر عبد الوهاب البياتي ولم يكن الأخير أفضل حالاً من سابقه الجواهري، نقداً وتقريعاً. وفي مقال عنوانه “الشعر العربي في خطر” يعرّض به ضمناً وهو يتحدث عن كتابين صادرَين آنذاك، لعبد الرزاق عبد الواحد وموسى النقدي، نازعاً عنهما صفة الحداثة، وحتى النضوج، موضحاً: “انّ معظم الشعراء الشباب الناشئين الذين يمارسون الشعر الحر وعلى رأسهم السيد عبد الوهاب البياتي لايجيدون تفريخ الكلمة وتوليدها واستخراج كل ما فيها من حركة ورنين: الأعمال النثرية”. داعياً في النهاية الى القضاء على هذا النوع من الشعراء الذين يستهينون بالقيم الفنية. طبعاً هو يعني بالقضاء عليهم التصدي لهم نقدياً، كما في دعوته النقاد الأذكياء إلى محاربة كل محاولة لإهانة الشعر العربي. وقد كان تناول من قبل تجربة البياتي في “أباريق مهشمة” 1954، بمقالين ليطرح سؤالاً عن مدى قدرة البياتي على تقديم قصيدة واحدة ذات هيكل كامل البناء؟ خالصاً الى الجواب بـ لا! ويعني بهيكل القصيدة، وحدة البناء الفني لها. مستطرداً، أن أكثر قصائد عبد الوهاب مهشَّمة الهيكل وأن السلك الخفي الذي يربط الصور ببعضها في قصائده لا يبدو إلا متقطعاً، معللاً هذا الإخفاق بقوله: ان ذلك يعود إلى اهتمام الشاعر بعواطفه أكثر من اهتمامه بالعمل الفني. واضعاً يده على ملمح بارز في تجربة البياتي ـ كما تجلى في أعمال لاحقة، أيضاً ـ  لاعتقاده “أن مجرد طرق المواضيع الإنسانية كـ “فيت مين” و “ماو ماو” و”السجين المجهول” تكفي لإثارة إعجاب القراء ثم وضعه بعد ذلك في قائمة شعراء الإنسانية. عادّاً أبرز عيوب البياتي هوعجزه عن اختيار الكلمة وإبراز حيويتها، آخذاً عليه في الوقت ذاته نثريته. أما بخصوص السياب يقول مردان: “قلت لبدر شاكر السياب مرة، انك تسيء الى الشعر الحديث لتعلقك بالشعر الملحمي، لأنني أؤمن أن روح العصر لا تنسجم، بل وترفض هذا النوع من القصائد الطويلة: الأزهار….”. وغير ذلك من آراء ورؤى نقدية لامعة، كتلك التي تتعلق بالمعري أو أدونيس أو القاص عبد الرزاق الشيخ علي وغيرهما لا يتسع المجال لسرده وقد أثبت الزمن صحة وريادية أحكامه النقدية المتقدمة.خلاصةاللافت في حسين مردان هو تعدد وتنوّع كتاباته النقدية وسعة اهتمامه ومتابعاته، فمن معالجة الفن التشكيلي إلى القصة والرواية إلى الفلسفة وعلم النفس، وقد صدر كتابه النقدي الأول”مقالات في النقد الأدبي” العام 1955، ولاحقاً كتابه الأكثر شهرة “الأزهار تورق داخل الصاعقة ـ 1972” الذي ضم العديد من المقالات النقدية المتنوعة، تنظيراً وتطبيقاً إلى جانب مقالات أخرى ونصوص أدبية خالصة. ان استحضار مثال حسين مردان، الناقد، واشاعته هو ما يلزم الحياة الأدبية والثقافية بشكل عام، كمثالٍ ضدٍ للكثير من النقد الملتاث بالمصلحة أو الضغينة أو الجهل المتفشي اليوم. وعلى الرغم من المؤاخذات التي قد تُسجّل على لغة مردان النقدية أو طريقته، غير أن ذلك ليس بذات أهمية طالما أن أحكامه النقدية قد أثبتت صوابيتها ودقتها علاوة على انطلاقها من ضمير ثقافي ناصع. وليس “الرطانة” من مستلزمات النقد الناجح بالضرورة. إن انشغال النقد الحديث بذاته، لغةً ومصطلحاتٍ جعله ينأى عن مهمته الأساس في استنطاق النص وسبره وهو انشغال أفقده صفته الإنسانية ما أدى به الى أن ينتهي الى نوع من العدمية، بتعبير بول ريكور، ولكأنّ مردان يجيب على هواجسنا المعروضة من خلال ريكور بتأكيده القول”…الناقد متبوع وليس بتابع. وهذا الموقف بالذات لا يفرض عليه التجرد أو النظافة فقط، بل وقابلية التغلغل داخل الأثر الأدبي والتجول في أعماقه مع لمس كلّ ذرة فيه”. 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *