مشاريع قطاع الإنتاج الصناعي والخصخصة الذكية (الجزء الثاني القسم الأول)

مشاريع قطاع الإنتاج الصناعي والخصخصة الذكية (الجزء الثاني القسم الأول)
آخر تحديث:

  محمد توفيق علاوي

البلد يمر بمرحلة صعبة جداً، وإنقاذ البلد وتنويع مصادر الدخل يتطلب وضع الخطط السليمة والمدروسة لإنشاء المشاريع الإنتاجية المختلفة ضمن فترة زمنية قصيرة وبكفائة عالية لإنقاذ البلد من إنهيار إقتصادي مؤكد، وذلك لا يتحقق إلا بألإستفادة من تجارب الدول الأخرى لإختصار الزمن وتحقيق موارد كبيرة للبلد وأستطيع أن أقول بكل ثقة أننا يمكن أن نحقق موارد للبلد يمكن أن تكون بديلاً عن النفط، فدول مثل اليابان والصين وماليزيا وكوريا الجنوبية والهند وتايوان وسنغافورة وهونكونغ وتركيا قد تطورت تطوراً عملاقاً إعتماداً على موارد محدودة ضمن فترات زمنية قصيرة، فكيف السبيل إلى ذلك؟ …… في هذا البحث سنتناول بشكل مختصر بعض المشاريع التي يمكن تحقيقها بكلف نسبياً غير عالية ولكن بدرجة عالية من الكفاءة والتخطيط والشفافية وألإقدام…..

سنتناول في هذا البحث ثلاث قطاعات وهي:

١. قطاع الإنتاج الصناعي

٢. قطاع الإنتاج الزراعي والحيواني

٣. القطاعات الإنتاجية ألأخرى

قطاع الإنتاج الصناعي:

– حيث يمكن التعاقد مع شركة إستشارية عالمية لوضع جدول بكافة المشاريع الصناعية التي يمكن إنشائها في العراق مع دراسات الجدوى بشأن سعة هذه المشاريع، مقدار إنتاجيتها، ومناطق إنشائها مع دراسات جدوى متكاملة،

– ويتم التفاوض مع شركات القطاع الخاص أما لإنشائها من قبلهم من دون الحاجة للمشاركة مع القطاع العام أويتم إنشائها بالمشاركة بين القطاعين،

– أو إذا كانت ضخمة وبكلف عالية فيتم إنشائها من قبل القطاع العام ويتم طرح بعض أسهمها على القطاع الخاص،

– و يتولى إدارتها أما القطاع الخاص أو الشركات الإستشارية في مجال الإدارة قبال نسبة من الأرباح.

أرغب بالتطرق هنا كمثل على صناعة السيارات، حيث يمكن الإستفادة من تجربة جنوب أفريقيا وأيران وماليزيا، حيث بدأت جنوب أفريقيا بتجميع السيارات على نطاق واسع نسبياً من ستينات القرن الماضي وإيران منذ سبعينات القرن الماضي، وماليزيا منذ ثمانينات القرن السابق، في جنوب أفريقيا اليوم تسعة مصانع عالمية لإنتاج السيارات وفي أيران ثلاثة عشر مصنع وفي ماليزيا أربعة عشر مصنع عالمي، العاملين في قطاع السيارات في كل دولة من الدول الثلاث على كافة المراحل يتراوح بين النصف مليون ومليون عامل وموظف ووكيل مبيعات وعمال تصليح وصيانة ومصدرين وغيرها. يمكن في العراق إنشاء بين (٥-١٠) مراكز تجميع السيارات خلال ثلاث سنوات، وفي كل سنة يقوم المصنع بتصنيع ١٠٪ من أجزاء السيارة داخل العراق بحيث يمكن لهذه المصانع أن تصنع السيارات ١٠٠٪ خلال فترة ١٠ سنوات ، هذا واحد من الأمثلة العالمية والتي يمكن للعراق بكل سهولة تحقيقه إذا كانت هناك نية صادقة وإقدام وإخلاص وشفافية، هذه الصناعة بمفردها يمكن أن تمتص الكثير من الأيادي العاملة وتنوع مصادر الدخل وتحفظ أحتياطي العملة الصعبة من الهدر وتنهض بالمجتمع وتوفر الرفاهية والتقدم والإزدهار. فسكان العراق ومستوى المتعلمين ومستوى الثقافة وعدد السكان يوفر الأرضية اللازمة لمثل هذه المشاريع المهمة لتطوير البلد وإقتصاده. ألمهم أن تكون هناك توصيات لإعادة هيكلة البنية الأقتصادية لتحقيق مثل هذه المشاريع الطموحة. كما إن المبالغ المطلوبة إبتداءً ليست كبيرة جداً، ويمكن توسعة المشروع من ألأرباح المتحققة، هذا أحد القطاعات وهناك العشرات من ألقطاعات الصناعية التي يمكن إنشائها كإحياء الصناعات الحربية حيث يتوفر الكادر والقدرات اللازمة ونحن بحاجة لهذه الصناعات لتجهيز المعدات العسكرية والعتاد للقوات العسكرية المدافعة عن البلد قبال إرهابيي داعش فضلاً عن إمكانية تصديرها إلى الكثير من الدول وتحقيق وارد كبير للبلد كما تفعل أيران حيث أصبحت من أكبر المجهزين للأسلحة للدول الأفريقية ودول أميركا الجنوبية ودول الشرق الأوسط بل حتى دول من ال (NATO)، حيث إن التقارير الدول تؤكد أن أيران تصدر أسلحة إلى اكثر من خمسين دولة في العالم توفر دخلاً يقارب الثمانين مليون دولار سنوياً، والعاملين في هذا القطاع يعدون بمئات الآلاف، لقد كان العراق أكثر تطوراً من إيران في صناعات الأسلحة في ثمانينات القرن السابق.

هناك عشرات القطاعات الصناعية التي يمكن إنشائها ولا مجال هنا للدخول في التفاصيل، ولكني أرغب بالتطرق إلى خطوتين ذكيتين إتخذتها كل من اليابان بعد حوالي العقدين من الحرب العالمية الثانية أي في ستينات القرن الماضي، وإتخذتها الصين في ثمانينات القرن الماضي، حيث أرادت كلا الدولتين اللحاق بالتقدم الصناعي الغربي في فترة قصيرة من الزمن، فقامت كلا الدولتين بإنشاء مراكز بحث وتطوير (ٍResearch & Development) (R&D) في الولايات المتحدة وكندا واوربا الغربية وبالذات المانيا وبريطانيا وفرنسا والسويد وأيطاليا وبلجيكا وهولندا وغيرها، لقد تجاوز عدد مراكز ال (R&D) اليابانية خارج اليابان اكثر من (٤٠٠) مركز تتابع التطورات الغربية في كافة المجالات الصناعية والإتصالات والطاقة والتعدين والمجالات الكيميائية والزراعية والطبية وغيرها، وكانت تقابل هذه المراكز خارج اليابان والصين مراكز داخل البلدين على تواصل كامل مع الخارج، إن حوالي ٨٠٪ من هذه المراكز لليابان أنشأت من قبل الشركات الخاصة، ولكن هناك حوالي ٢٠٪ أنشأت من قبل حكومة اليابان لمتابعة التطورات في الغرب، كابحاث المراكز العلمية والمؤسسات الأكاديمية وتفاصيل ألإختراعات الجديدة (Patent) ، ونتيجة لهذه السياسات تطورت كافة المجالات في هذين البلدين بخطوات سريعة جداً إلى ألأمام، بحيث إنقلبت الصورةبالنسبة لليابان والصين ففي فترة بين العقدين إلى ثلاثة عقود من الزمن بدأت الولايات المتحدة وأوربا بفتح مراكز (R&D) في كل من اليابان والصين للإستفادة من تطور هذين البلدين في هذه الجوانب.

يستطيع العراق بكلف بسيطة فتح مراكز بحث وتطوير في الغرب ليس بهذه الأعداد الكبيرة ولكن بحدود ثلاث مراكز في كل دولة من الدول المهمة كألولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا واليابان في المجالات الصناعية والطبية وتكنولوجيا المعلومات (IT), ومراكز في الإنتاج الزراعي والحيواني في كل من هولندا واستراليا، ومركزين في كل من الصين والهند وكوريا الجنوبية في المجالات الصناعية وتكنولوجيا المعلومات، على أن تقابل هذه المراكز في الخارج مراكز في الداخل، وفي الحقيقة توجد لدينا مراكز متعددة في الداخل يجب تفعيلها وإسنادها وتوفير الكادر اللازم لوضع خطة متكاملة لتطوير البلد في هذه المجالات وإرسال بعثات إلي الخارج بشكل مدروس ضمن تخصصات محددة وإنشاء صناعات متطورة وتطوير القطاعات الزراعية وقطاع الطاقة والقطاع الطبي وغيرها من القطاعات في الداخل، إن هذه المراكز في الداخل والخارج هي التي تعمل هذه الدراسات وهي التي تضع التوصيات لتنفيذها من قبل الجهات التنفيذية في البلد.

يجب تعيين الأشخاص الكفوئين والمؤهلين في هذه المراكز داخل وخارج العراق لوضع خطة متكاملة لتطوير البلد بشكل مدروس ضمن أقصر فترة زمنية وتنويع مصادر الدخل وأيجاد مصادر للدخل من غير قطاع النفط.

لقد قمت عام ٢٠١٢ عندما كنت وزيراً للإتصالات مع فريق فني متميز من وزارة الإتصالات (الشركة العامة للخدمات الدولية للمعلومات) بوضع نواة لمركزي إتصال في بريطانيا (Teleconference Centre)، أحدهما مركز طبي بالإتفاق مع مجموعة من الأطباء العراقيين في المستشفى التعليمي (North Middlesex) في لندن، والآخر مركز إتصال عام في السفارة العراقية في لندن، وتم إختيار القاعات المخصصة لهذا المشروع في بريطانيا، وتم إختيار مستشفى الكاظمية في العراق كمركز بحثي طبي مقابل، وتم إختيار قاعة في مبنى وزارة الإتصالات في المأمون كمركز في العراق قبال السفارة العراقية في لندن حيث يمكن من خلال التواصل نقل التكنولوجيا المتطورة ومناقشة الأبحاث الجديدة بين الباحثين في كلا البلدين سواء كانوا من العراقيين في بريطانيا او من الإنكليز، وخصصت موازنة لهذا المشروع المهم من قبل وزارة التخطيط، ودعي فريق من مجلس النواب العراقي للإطلاع على هذا المشروع المهم والطموح من لجنة الصحة ولجنة الخدمات في البرلمان العراقي، ولكن بمجرد تركي للوزارة قبل نهاية عام ٢٠١٢ تم إجهاض المشروع، وتم إرجاع الأموال إلى وزارة المالية من دون أي إنجاز.

توجد طاقات عراقية على درجة عالية من الكفائة داخل وخارج العراق، فقد تبنت مؤسسة ماركيز (Marquis) العالمية شخصيتين عراقيتين من داخل العراق ضمن إصدارهم السنوي   لعام ٢٠١٦(who’s Who) وهما العالم الدكتور حسام علي رئيس قسم هندسة النفط والعالم الدكتور حسين طوكان رئيس قسم هندسة الطب الحياتي وكلاهما من جامعة ذي قار وكلاهما نشرا الكثير من البحوث العلمية المتقدمة، الأول في مجال تكريرالنفط والصناعات النفطية والثاني في أبحاث تكنولوجيا النانو كما إن البروفسور الدكتور داخل حسن جريو رئيس الأكاديمية العراقية لديه ابحاث متميزة في مجال هندسة النظم والكومبيوتر وهناك العشرات من الشخصيات الأكاديمية والعلمية من العلماء العراقيين الذين يجب أن يلعبوا دوراً مفصلياً في توليهم لمراكز الأبحاث وتقديم دراسات تفصيلية ومتكاملة لتطوير العراق في المجالات المختلفة خلال أقصر فترة زمنية لإنقاذ البلد من المصير المخيف والخطير الذي أوصلتنا إليه الطبقة السياسية الفاسدة خلال الفترات السابقة بل حتى الحالية.

وهناك شخصيات علمية خارج العراق لعبت دوراً رائداً في المجال العلمي كألدكتور محمد الحسني الرائد في مجال الذكاء الإصطناعي  (Artificial Intelligence) حيث قامت وكالة الفضاء الأمريكية (NASA) بتبني برنامجه المتطور لإصلاح العطلات في ال(Space Shuttle) المركبة الفضائية

(Colombia) في ثمانينات القرن الماضي، والدكتور عبد المجيد سلماسي الطبيب الذي يصنف ضمن الفريق الأول في بريطانيا في أبحاث الأجهزة الطبية لفحص القلب (Doppler Ultrasound)، لديه أربعة كتب في أمراض القلب تدرس في أغلب الجامعات البريطانية وهو أستاذ محاضر في (Imperial College) في جامعة لندن، والبروفسور الدكتور حامد الرويشدي الأستاذ في جامعة برونيل (Brunel) البريطانية في مجال الإتصالات الذي   تخرج على يديه مئات الطلاب في اقسام الدراسات العليا في جامعة برونيل هذه ثلاثة نماذج من عشرات النماذج الكفوءة بدرجة عالية جداً خارج البلد، للأسف تبين أن أغلب من رجع إلى البلد من العراقيين هم من العاطلين عن العمل وللأسف الكثير منهم من الفاسدين ، وبقي الكثير من الكفوئين خارج العراق وقرروا عدم الرجوع للبلد بعد إكتشافهم للدرجة العالية من الفساد المستشري في البلد.

يمكن تحويل الأزمة القائمة في العراق إلى نواة لقيام بلد عظيم يعكس حقيقة أبنائه المتميزين والذين يتمتع الكثير منهم بقدرات ثقافية وعلمية وإدارية يندر أن يتمتع بها أي بلد من بلدان المنطقة، المطلوب هو وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وأن يتم إزاحة الكثير من السياسيين المفسدين وجلب أشخاص لا يحتاجوا أن تتوفر فيهم أكثر من ثلاث مواصفات، الأولى النزاهة والإخلاص والثانية الكفاءة والقدرة والثالثة الإقدام والمثابرة، وإني متفائل بإن هذا اليوم سيكون قريباً بمشيئة ألله.

(المقال أعلاه هو القسم الأول {قطاع الإنتاج الصناعي} من الجزء الثاني {المشاريع الإنتاجية} ضمن سياسة {الخصخصة الذكية} الحلقة السادسة من حلقات {إنقاذ العراق من الإنهيار ألإقتصادي})

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *