مصطلحات الحداثة وما بعد الحداثة

مصطلحات الحداثة وما بعد الحداثة
آخر تحديث:

ياسين النصير

من المحلية الى الكونية

اقبل الدخول لفهم أية ظاهرة، تعلمنا الفلسفة أن نقف أولا على مفاهيمها، اسمائها، تعاريفها، توجهاتها، الحقول التي تشتغل عليها، وهذه المعرفة من أوليات البحث، كمن يعشق أمرأة لابد من معرفة الأوليات عنها، لأن الدخول لحقل ما علينا أن نكون مسلحين بأدوات الحرث، وإلا سيكون الدخول نزهة بلا متعة. لمفاهيم والمصطلحات هي أدوات حراثة وبذر وانتظار المحصول، أدوات استشعار واستثمار خاصة إذا أرفقتها بمعلومات ما عنها أو ممارسات سابقة لها، وتعيننا الشبكة العنكبوتية اليوم في هذا المجال كثيرا لمجرد اننا نضع مفهوما حتى تنثال أمامنا عشرات التعريفات والممارسات عنه، هذه نقطة مهمة لأي طالب فلسفة أو نقد، لا شيء يتم دون ان تكون يداك مختبرتين بما تعمل. كل عملية فهم تتطلب أن تكون لدينا أدوات نفهم بها ما نريد، والمسالة هذه ليست هينّة، إنما تحتاج قبل ذلك إلى دربة وعناية ودقة في المسير، فقد تخطئ اقامنا وتلقي بنا على طريق آخر، بينما نحن نبغي طريقاً معيناً. 

نشأة أوروبا
نحاول هنا أن نضع بين يدي القارئ، تاريخ ومراحل نشوء الحداثة وما بعد الحداثة، ، والممهدات الاقتصادية والفلسفية والسياسية لها، ولماذا نشأت في اوروبا قبل أي مكان في العالم، ثم تشعباتها الكثيرة بحيث اصبح لكل بلد حداثته، والتي اعتمدت على الخطوط العامة للحداثة الكونية ثم طعمت بالقدرات المحلية كي تكتسب هوية وطنية كالحداثة الروسية، واليابانية، والصينية، والكندية المختلفة ببعض تفاصيلها عن الحداثة الأوروبية، وهي الشغل الشاغل اليوم لكل قارئ وناقد وكاتب ومفكر، بعد أن اصبحت هذه التيارات عامة وتتصل بحقول معرفية تمس حياتنا اليومية وتشغلنها جميعاً حتى في احلامنا. 
كل شيء ينظر إليه وفق سؤال مركزي في التفكير، هل هذا العصر الذي نعيشه حديث أم قديم؟ هل هذا الشيء الذي نتعامل معه متجدد أم ثابت؟،هل تبقى ثقافتنا تعيش على التأثير أم أننا بعد فهمنا لآليات المعرفة يمكننا أن نبدع وأن نفكر كمستقلين؟ سؤال المعرفة يرتبط بدور بقدرة الخيال كما يشير الدكتور محمد مفتاح للمفاهيم، الخيال الإنساني الذي من شأنه أن نقارن بوساطته بين الثقافات عبر مفاهيمها وحقول اشتغالها، لا شك أن هناك ثوابت مشتركة في الثقافة الإنسانية كلها ، وهذا يعيننا على اختزال الكثير، لأن الثقافة الإنسانية لها بعض الجذور المعرفية المتشابهة، خاصة في مجال الانثروبولوجيا، ولكن تنوع العمل وظهور المدينة والفلسفة والقوانين، غيّرت بعض الطرق للاستدلال على تلك الجذور المشتركة، كما أن الفلسفة والمعارف القديمة لم تبق ثابتة، بل واكبت تغيرات المراحل وتنوعت طروحاتها بتنوع الممارسة العقلية والعملية لها وارتبطت في مراحل النهضة والتنوير بتطور الآليات الاجتماعية ولااقتصادية والفلسفية والتعليمية، فمكنتها من ان تستوعب طروحات جديدة غيّرت الكثير من المفاهيم والمصطلحات، دون أن ننسى أن الحياة اليومية واشتغال الناس وتجدد تفكيرهم، وتنوع حقول اشتغالهم، اضافت مفاهيم جديدة، وصقلت مفاهيم قديمة. 

القارئ المستهلك والمنتج
كل هذه الحقول توّلد أسئلة نابعة من مخاطبة القارئ العادي لنفسه- كلنا قراء عاديون، حتى لوكان البعض منا متخصصا-، فالقارئ العادي كما تقول عنه فرجينيا وولف هو القارئ المستهلك/ المنتج. نضع المصطلحات والمفاهيم التي ميزت الحداثة عمّا بعد الحداثة، موضع تساؤل منهجي براجماتي وليس تساؤلاً عابراً، نحن نبحث عمّا وراء المعلومة، ما جدوى أن أتعرف على مفاهيم الحداثة وما بعد الحداثة في عالم اليوم الذي نجده مختلط المفاهيم والصور والاهتمامات، دون أن استثمر هذه المعرفة؟ انت وانا مجرد إنسانين نعيش في هذه البقعة من الأرض، ولكننا محكومون بسياقات بعضها، والقسم الأكبرهناك من يتحكم بنا، كالمال والتصدير والبضائع والمشكلات الجيوسياسية والنفط والاقتصاد والمعرفة والتعليم والعلاقات الدولية والعولمة والاتصالات، دون أن نبدي أي قلق معرفي عن اسباب هذا التحكم، هذا الانتقال من اقتصاد الريف والبادية والجبل، إلى اقتصاد المدينة، رافقته جملة مفردات وعوامل تصوغ هذه النقلة بما ينسجم وطبيعة المدينة وتغييرالكثير من عاداتنا القديمة حتى الأزياء بدات تتغيرلصالح سرعة العمل وتغيير ذائقة الناس، فكيف بالمعلومة والاخبار وحركة الأسواق والأحداث السياسية وما يجري محليا وعالميا؟، هذه كلها حقول فلسفية ترتبط بصياغة مجتمعات جديدة، والمفروض علينا – وليس لنا أي خيار آخر- أن نواكب هذه المستجدات، وان نكون فيها عاملين لا متفرجين، منتجين لا مستهلكين، فاعلين لا مفعول بمقدراتنا وهويتنا، وأن نحث الخطى للقفز وحرق المراحل مهما استطعنا إلى ذلك، إن معرفة أيَّة مفردات لأية قضية مهمة ابستمولوجية، لايمكن تجاهلها أو التنصل عنها لأنها ستقودنا إلى حقل جديد، وما دمنا نشتغل في حقل الثقافة والفكر، علينا أن نتعرف، ولو بحدود، الخطوات التي تنسجم وقدراتنا العقلية لقبول أو رفض مفاهيم هذه الحقول. بغية تبسيط الأمور للكثير منا، خاصة نحن الذين نجهل الكيفية التي صاغ بها الفلاسفة والمفكرون والنقاد هذه المفاهيم، التي جاءت حصيلة مختبرات ودراسات وحوارات شهدتها الجامعات الأوروبية ومراكز البحوث فيها، كي توصل لنا خلاصة ممنهجة ابتدأ بها الناقد  إيهاب حسن الذي يعد أحد أعمدة الحداثة وما بعد الحداثة، ونشرها ضمن دراسة له ظهرت في التسعينيات، وترجمت للعربية عام 1997 ونشرت في مجلة الكرمل الفلسطينية، ونحن كقراء نجد جدول ايهاب حسن من المصادر التي لا يمكن لأي بحث فلسفي أو نقدي في الحداثة وما بعد الحداثة إلا ويمر عليه.

ما الحداثة 
والسؤال الكبير الذي يواجهنا في اية قراءة، ماذا تعني الحداثة؟ وماذا تعني ما بعد الحداثة؟، إن معرفتنا المعلوماتية البسيطة لا تحدد كامل حقول الحداثة وما بعد الحداثة، أو ما يقال عنها وعن الكيفية التي تطورت بها مفاهيمها ومصطلحاتها في اميركا واوروبا ومن ثم في اسيا وامريكا اللاتينية. ويمكننا أن نستدل على حداثة النصوص من عدم حداثتها، من تفحصنا الدقيق لمفردات المفاهيم التي نقدمها. 
ويمكن للمؤلف أن يقف وبوضوح على الطريقة التي يؤلف بها نصه ايضاً، فالمفاهيم مفاتيح للرؤية، وفي فترة لاحقة،  سنعمد في مقالات عديدة مختصرة ومركزة، إلى شرح بعض هذه المفاهيم، خاصة ما يعنينا منها، وفق تصورات نقدية وفلسفية ومن الكتب النقدية الحديثة التي تناولتها، وهذه الخطوة الثانية هي من اجتهادي الخاص، الذي اتأمل أن يكون وافياً ودقيقاً لما ابتغيه من وراء نشر هذه المجموعة من المصطلحات والمفاهيم عن أهم مدرستين فلسفيتين التي عمت الكتابة الفلسفة و النقدية والتقنية، والعلوم، والعمارة، والفوتوغراف، والشعر والرواية والنص، وغيرها.في عصرنا هذا.هو أني دونت المفاهيم دون شرحها،لان قضية شرح أي مفهوم غيرمستقرفي تفاصيله، المستقر فيه هو توصيفه كمصطلح مسمى، اما استعماله فيخضع لعبارات اللغة والثقافة والمرجعيات والابتكارات، ولذلك تجد مفهوما معينا، مثل النص له عدة قراءات.النقطة التي علينا الانتباه لها، أن الحداثة أوروبية بامتياز، وان لها مدارسها وأفكارها، كذلك ما بعد الحداثة، وكلتاهما مسندة بنصوص وشواهد وأصول وفروع، تغتني بالثقافة الأوروبية وجذورها اليونانية، أما نحن فلدينا خطوة واحدة من هذا كله، وهي ان نصوصنا الابداعية الشعرية والتشكيلية وبعض الانجازات المعمارية والفوتوغرافية والنحتية والمؤسسات المدينية، فيها الكثير من عوامل تلك الحداثة، لذلك ستكون محاولتنا تنبيها للقراء أن ما سبق وأن قرئ من نصوص يمكن إعادة التفكير بها على اساس أنها نصوص حديثة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *