مقتدى الصدرِ .. بينَ زعامـــةِ التيارِ وتبعيـةِ الدولارِ‎

مقتدى الصدرِ .. بينَ زعامـــةِ التيارِ وتبعيـةِ الدولارِ‎
آخر تحديث:

  مهند جاسم الحسيني

إذا كانت السياسةُ سياسةُ مكرٍ ودجلٍ وخداعٍ ونفاقٍ, فلا صديقاً دائمٌ ولا عدواً دائمٌ, وما يُكتبُ لهُ الدوامُ والإستمرارُ هي المصالحُ الفرديةُ الشخصيةُ الحزبيةُ الضيقةُ, حيثُ تتبدلُ العلاقاتُ بإنحرافِ بوصلةِ المصالحِ والمنافعِ …إذن المعيارُ هي المصالحُ الخاصةُ بكافةِ مصاديقهَا, الحزبيةُ والقوميةُ والإثنيةُ والدينيةُ والمذهبيةُ والشخصيةُ الفرديةُ …

الكلامُ أعلاهُ يصحُ في سياسةِ حزبٍ وبرنامجِ شخصٍ منفردٍ في إتخاذِ القرارِ, بعيداً عن التأثيراتِ والضغوطاتِ الخارجيةِ, أما إذا كانتْ السياسةُ سياسةٌ مرسومةٌ ومُعدةٌ مُسبقاً, وما على الطرفِ الآخرِ إلا الطاعةُ والتنفيذُ بدونِ أي قيدٍ أو شرطٍ, فعندها يصبحُ الكلامُ أعلاهُ خاطئاً بنسبةِ مائةٍ في المائةِ …

وهذا الخطأ يتوكدُ ويتأكدُ على العملاءِ ومنتحلي الوطنيةِ والقوميةِ والدينيةِ والمذهبيةِ, بل أنَّ عرابَّ المشاريعِ الخارجيةِ لهو جزءٌ لتنفيذِ مخططٍ للدولِ الخارجيةِ العاملُ لحِسابِهَا, ومتلقي أجورهُ منها بِشَكْلٍ مُقَدَمٍ ووعودٍ مؤجلةٍ, والتي يستوفيها كاملةً في حالِ إتمامِ المَهمةِ, ومَن كانتْ هذهِ صِفَتُهُ وعَمَلُهُ, فليسَ لهُ حظٌ في صناعةِ القرارِ ولا صلاحيةٌ في مناقشةِ بنودهِ ولا الإجتهادُ قبالهُ, بل ليسَ لهُ أن يُعلنَ ساعةَ الصفرِ ولا نهايةَ الحربِ ولا دخلٌ لهُ في كيفيتِهَا وطريقتِهَا أبــــــــــداً …

وهنا أحبتي يجبُ الإلتفاتُ الى طريقةِ تكلمِ الناطقينَ الإعلاميينَ للأطرافِ المتصارعةِ في العراقِ اليوم, وعندها يُمكن أن نسجلَ عليهِ ألفَ إشكالٍ وردٍ ونقضٍ، عندما يتكلمُ بلغةِ السياسيينَ الأحرارِ المستقلينَ عن التأثيراتِ الخارجيةِ, بل يتكلمُ بلسانِ السياسيينَ الشرفاءِ المخلصينَ لبلدِهمِ وعِرضِهِم, بل يُمكننا أن ندينَ المقابلَ بكثرةِ تقلباتهِ وتصرفاتهِ وتضاربِ أفعالهِ وتروكاتهِ …وليسَ لهُ الحقُ بدعوى إنها سياسةٌ لا أمرَ ثابتٌ فيها, ولا ميزانَ معروفٌ لقياسِهَا, بل تتميزُ التحركاتُ السياسيةُ بتغيرِ المواقفِ تبعاً للمصلحةِ العامةِ -إذا كانوا ممن يتكلمونَ بإسم العامةِ طبعا كما نشاهدُ اليومَ-, لأننَا سَنقولُ : هذهِ السياسةُ لِمَن كانَ مستقلاً في إتخاذِ القرارِ, ولم يكن جزءاً مِن منظومةٍ مخابراتيةٍ يعملُ الى حِسابِهَا, وهي مَن ترسمُ له ما يجبُ أن يقومَ بفعلهِ أولاً, وما يجبُ أن يتخلى ويتنازلُ عنهُ ثانياً …

فعندها لا يكون خيارُ التقلبِ والتنافي والتضاربِ خياراً نابعاً من صميمِ السياسةِ المصلحةِ الشخصيةِ الفرديةِ الحزبيةِ بشكلٍ مستقلٍ وذاتي, بل يكون التقلبُ نتيجةً للسياسةِ المُحركةِ خارجياً ومن وراءِ الحدودِ !!!

وهنا تكمن خطورةُ المشهدِ العراقي الآن, فكلُّ الخلافاتِ والإختلافاتِ بينَ الفرقاءِ السياسينَ, سوء أكانتْ نابعةً من تحتِ قبةِ البرلمانِ العراقي أو خارجِ البرلمانِ العراقي, منهيةً الى أولئكَ الزعماءِ المتحكمينَ بالدمى البرلمانيةِ والسياسيةِ عبرَ خيوطها العلنيةِ المرأيةِ من قبلِ العامةِ والخاصةِ, كلُّهَا تنتهي في نهايةِ المطافِ الى خارجِ الحدودِ العراقيةِ شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً, وبالتالي أنَّ هذهِ الأطرافُ الخارجيةُ والمحوريةُ في إتخاذِ القرارِ لا تعرفُ الهزيمةَ من الجولةِ الأولى, بل ولا تنظرَ الى الشأنِ العراقي والشعبي مطلقاً, بل تنظرَ الى مصَالحِهَا في العراقِ وخارجِ العراقِ …

ومَن كانَ هذا حالهُ فلا يفرحَ أبداً بنتيجةِ إنتصارهِ المبدئيةِ أبداً, ولا يُكشرَ عن أنيابهِ ويحركَ كتفيهِ ضحكاً, لأنَ المقابلَ لديهِ بدلُ الورقةِ ألفَ ورقةٍ, وبدلُ الخيارِ ألفَ خيارٍ, وصولاً الى الخيارِ الأخيرِ هي سياسةُ‫#‏ما_لم_يَكنَ_ليَّ_فلا_أتركهُ_لعدوي, وهي سياسةُ الأرضِ المحروقةِ وإهلاكِ الحرثِ والنسلِ, وسياسةُ الضرباتِ الموجعةِ وتكبيدِ الخسائرِ في صفوفِ المقابلِ, قبلَ مرحلةِ الإنسحابِ والإستسلامِ …

وبالتالي ما يحصلُ الآن من إنتصارٍ لحسابِ جهةٍ على حسابِ أخرى, وإنتصارِ كُتلةٍ على غيرهَا, وحزبٍ على آخرٍ, كلُّهُ إنتصارٌ شَكلي وقتي آني, ولا يستمرُ أياماً ولا أسابيعاً ولا شهوراً أبداً …

وهكذا إنتصارٌ سيجعلُ من النفعيينَ والإنتهازيينَ المهزومينَ للبحثِ عن تحالفاتٍ أخرى, وتشكيلِ تكتلاتٍ جديدةٍ, ترتقي الى عمقِ الخلافِ الحاصلِ اليومَ, والمناسبِ مع القوةِ التي يمتلكُهَا الطرفِ الآخرِ, من تكتلاتٍ جماهيريةٍ وأطرافٍ خارجيةٍ داعمةً لهُ بالمالِ والإعلامِ على مدارِ الساعةِ …

‫#‏وهنا_يجبُ_الإلتفاتُ_الى_مسألةٍ_مُهمةٍ_جــــــــــداً …إنَّ تحركاتِ زعيمِ التيارِ الصدري ‫#‏مقتدى_الصدر جائتْ كالطعنةِ في الظهرِ الإيراني, بل تحركٌ لَم تحسبْ لهُ إيرانُ حساباً, وهذا الجهلُ والنقصُ بالحسابِ لهُ نابعُ مِن غبائهَا المطبقِ, بلمقابلِ يكاشفُ لنا مقدارَ الخِسَةِ والنذالةِ التي يتميزُ بهما ‫#‏زعيمُ_التيارِ_الصدري, وقدرتُهُ على تبديلِ الزبونِ الذي يدفعُ لهُ ويُريحَهُ أكثرَ …

فبعدَ أن بذلتْ إيرانُ ملايينَ الدولاراتِ جراءَ إحتضانهِ وإحتضانِ وتدريبِ أتباعهِ, بل وإعدادِهَا إياهم لمقاتلةِ الإحتلالِ الأميركي في الأراضي العراقيةِ لدفعِ خطرِ التمددِ الأميركي نحو الأراضي الإيرانيةِ في حالةِ إستقرارِ العراقِ أمنياً بأيديهَا وبأيدي عملائِهَا, مع توفيرِ الدعمِ المالي واللوجستي لضمانِ ولائِهِم لها …

ولكن لم يكن زعيمُ التيارِ الصدري عالماً بالسياسةِ الإيرانيةِ التي تتعاملُ بها مع عملائِهَا وأربابِ ميلشياتِهَا, حيثُ دأبتْ إيرانُ أن تصنعَ العديدَ من جبهاتِ الممانعةِ والمقاومةِ والميلشياتِ في الأرضِ الواحدةِ, بل وعدم سماحِهَا بنشوءِ ميلشيةٍ واحدةٍ فقط, لضمانِ ديمومةِ العملِ في حالِ تمردِ أحداهَا وخروجهَا عن الطاعةِ …

وهذهِ النقطةُ لم تكن مرغوبةً عندَ #مقتدى_الصدر مطلقاً, فلم يكن بحسبانهِ أن تكن تلكم الميلشياتُ الأخرى المدعومةِ من إيرانَ جزءاً من تيارهِ الذي‫#‏وَرِثَهُ_من_والدهِ_رحمهُ_اللهُ_تعالى, وهذا ما جعلهُ يتيقنُ أنَّ إستمرارَ إيرانَ بهذهِ السياسةِ ستؤدي بخطهِ المتزعمِ الضعفِ والإنهيارِ والإنتهاءِ, مع بزوغِ عشراتُ الميلشياتُ المنبثقةُ من تيارهِ, كالعصائبِ والنُجباءِ والأبدالِ وغيرِهَا الكثيرِ …

إذن أنَّ سرَ الإختلافِ الإيراني الصدري لم يكن خلافاً منهجياً فكرياً ستراتيجياً, بل كانَ الخلافُ والخِشيةُ من طرفِ مقتدى الصدرِ, أن يؤدي هذا التعاونُ الى إنهيارِ وتلاشي التيارِ بشكلٍ نهائي, بل ونفسُ الخلافِ بينَ مرجعيةِ الحائري, المرجعيةِ التي أمرَ والدهُ رحمهُ الله تعالى بإتباعِهَا في البدايةِ …

وبالتالي أنَّ زعيمَ التيارِ الصدري مستعدٌ للتعاونِ مع الشيطانِ شريطةَ أن يبقَ متزعماً لتيارهِ الواسعِ, والذي فيهِ سِرِ بقائهِ وديمومةِ مُلكهِ وسلطتهِ وسطوتهِ, ومِن هنا جائتْ العروضُ المملكةِ السعوديةِ العربيةِ ضامنةً لهُ البقاءَ والإبقاءَ على تيارهِ الشيعي الواسعِ, ومرحبةً لبقاءِ تيارهِ كتلةً واحدةً, بل والسعي الى زيادةِ عددهِ وعديدهِ, لأنَّ سرَ إنتصارِ هذا التيارِ والإستفادةُ منهم بدرجةٍ قِصوى هو كبرُ حجمهِ وسِعةُ إنتشارهِ في الوسطِ الجنوبِ …

وسِرُ إقبالِ المخابراتِ السعوديةِ بإتجاهِ التيارِ الصدري لم يكن وليدَ اليومِ, بل سعتْ المملكةُ الى تجنيدهِ لصالحِهَا منذُ سقوطِ العراقِ بيدِ الأميركانِ 2003 , ولكن حِسهُ المَذهبي العَالي ورغبتهُ في تنفيذِ وصيةَ والدهِ الصدرِ الثاني رحمهُ الله تعالى, هو ما جعلهُ ينكثُ بالإرتباطِ السعودي مع سرقتهِ كلَّ الإمتيازاتِ الممنوحةِ لهُ من قبلِهِم بذريعةِ إستنقاذِ حقِ الإمامِ المهدي عليهِ السلام !!!!!!!!!!!!!!!!

وبعدَ غيابِ هذينِ الوازعينِ ‫#‏حب_المذهبِ_وتنفيذِ_الوصيةِ, فلا داعي للبقاءِ مصطفاً بجانبِ الحكومةِ الإيرانيةِ, بل وسِرُ إقبالِ المخابراتِ السعوديةِ مرةً أخرى بعدَ خيانتهِ السابقةِ لهُم, هو محدوديةُ الخيارِ فيهِ لتنفيذِ أجندتِهَا في المنطقةِ الشيعيةِ, بعدَ غيابِ القدرةِ ‫#‏السنيةِ_الميلشياويةِ_والإرهابيةِ على التغييرِ خصوصاً بعدَ إنهزامِ تنظيمِ القاعدةِ والخوف من دعمِ تنظيم الدولةِ الإسلاميةِ -داعش-, بل وإنحسارُهُما بشكلٍ كبيرِ في العراقِ عموماً وضعفُ قدرتِهُمَا الإرهابيةِ على التغييرِ في الوسطِ الشيعي …

وبالتالي أصبحتْ العمليةُ السياسيةُ في العراقِ على مفترقِ طُرقٍ, فالطريقُ المؤدي لبسطِ النفوذِ السعودي طريقٌ مسدودٌ وغيرُ مقبولٍ إيرانياً, والطريقُ الآخرُ طريقاً لإبقاءِ سطوةِ وسلطةِ وتسلطِ الجانبِ الإيراني في العراقِ, وهذا طريقٌ متهالكٌ وآيلٌ الى الإنهيارِ والتحطمِ, نتيجةً لإنهياراتِ إيرانَ في المنطقةِ عموماً, وتضائلِ رقعةِ نفوذِهَا وسيطرتِهَا …

إذن فكما أصبحتْ الأراضي السوريةِ اليمنيةِ أراضٍ لإستعراضِ القوى وبسطِ النفوذِ, من قبلِ نفسِ الطرفينِ الإيراني السعودي, فكذلكَ الحالُ سَتصبحُ أرضُ العراقِ وسطُهَا وجنوبُهَا, لتكررِ نفسِ الأهدافِ والمصالحِ الإيرانيةِ السعوديةِ في أرضِ الرافدينِ …

فخيارُ الخسارةِ غيرُ مُعرفٍ في برامجياتِ الطرفينِ, وبالخصوصِ أنَّ سياسةَ الإستسلامِ يكون خياراً متاحاً مالو تضررتْ مصالحُ الدولةِ على أراضيهَا, أما في حالةِ إستغلالِ أراضي الغيرِ لتصفيةِ الخصومِ والحساباتِ سَيُفَعلُ خيارُ ديمومةِ المواجهةِ والتقاتلِ وحروبِ الإستنزافِ الإقتصادي, وهذا الخيارُ خياراً مؤلماً قاتلاً فتاكاً للشعبِ الذي سَيُجعلُ منهُ طرفا للخلافِ وأرضاً للحسمِ والتناطحِ والتقاتلِ, بينما ينعمُ شعبيهما بالراحةِ والإطمئنانيةِ والأمنِ والأمانِ …

وهنا تكمنُ خطورةُ الإختلافِ الأخيرِ, من حيثُ أنَّ طرفي الأختلافِ طرفينِ عميلينِ مرتزقينِ منفذينِ لإجندةِ الغيرِ, وبالمقابلِ فإنَّ الطرفينِ الخارجيينِ الداعمينِ والممولينِ سيستغلانِ كلَّ إمكانياتِهَنا الماديةِ والعسكريةِ لحسمِ هذا النزاعِ مستخدمينَ نفسَ طرفي الخالفِ السياسي في العراقِ …

خارجُ النصِ :,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, أتوقعُ جداً أن يُفتحَ ملفِ الفلوجةِ في الأيامِ المقبلةِ جداً, وتركها بيدِ الحشدِ الطائفي لغرضِ إنهاءِ التواجدِ تنظيمِ الدولةِ هناكَ …وإعازُ هذا الملفُ الى قياداتِ الميلشياتِ سيجعلُ من الفلوجةِ منطقةً منكوبةً أكثرَ مِن شارعِ وطبانِ والعوجةِ ومكيشيفةِ والزلايةِ في صلاحِ الدينِ …نعم, بالقدرِ الذي سيعانيهُ أهلُنَا وأحبتُنَا من ويلاتٍ لم يسمعوا بها قبلُ, ولم يقرأوها في أسودِ صفحاتِ الظالمينَ المُخلدِ في بطونِ التأريخِ, فإعذروهم رجاءاً ما لو سمعتم من المظلومينَ الصيحاتِ ‫#‏إلهي_ثأري_والنار …

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *