من يحمي الصناعة الثقافية؟

من يحمي الصناعة الثقافية؟
آخر تحديث:

علي حسن الفواز

صناعة الكتاب تحتاج الى صناعة السوق، وكلا الصناعتين تحتاجان الى بيئة يمكنها أنْ تستعمل الثقافة، وأنّ تتداولها، مثلما هي الحاجة الى الحماية القانونية، إذ أنّ مشروعية ونجاح أية صناعة تعتمد على وجود مَنْ يكفلها ومَنْ يعزز وجودها في سوق (بضايعي) ومعلوماتي يضجُّ بكل شيء..تجارب العالم المتمدن في النظر الى الصناعة الثقافية يعكس وعي هذا العالم لهويته الحضارية، ولحاجاته من القيم الثقافية، ولأهمية أن يكون الفعل الثقافي في جوهر البناء المجتمعي والتنموي، بوصفه شرطا للمدنية والحضارة، وعلامة على رُقيّ مجتمعاتها، وهو مايعني وجوده في جوهر النظام الاجتماعي والاقتصادي والاعلامي. ولكي يكتسب وجوده الواقعي فإنه يتطلب جملة من الاجراءات، والسياقات التي تتعلق بقوننة هذه الصناعة وحمايتها، وبوجود الارادة التي تحترم المشروع الثقافي وتروّج له عبر شرعنة نظام الحياة المدنية وعناوين ثقافاتها، وعبر تشجيع صناعاتها المتعددة بدءا من تأصيل قيم التعليم، وتوسيع مديات صناعة الافكار والفلسفات والفنون بتنوعها والمعارف وانتهاء بصناعة الكتاب..
في واقعنا العراقي تبدو هذه الصناعة غائمة، فلا وجود لدعم حقيقي لها، ولا حماية قانونية لها، ولعل مايشفع لها هو تاريخها المدني الذي يمشي بقوة، ويجعل من الممارسة الثقافية وكأنها حماية للذات العراقية، ودفاعا عن مشروعها الانساني والجمالي، فما نراه في شارع المتنبي هو صورة للروح المدنية الثقافية، فلا دخل للحكومة في تصميم المشهد، وفي تبني أي مشروع حقيقي، ولا حتى ستراتيجية واضحة تخص تطوير البنية الثقافية في هذا الشارع، وفي تطويره ليكون مدينة ثقافية، أو حتى ادخالها في مجال الاستثمار الثقافي مثلما يحدث في بلدان كثيرة..مسألة الحماية الثقافية ضرورة في حماية الذات العراقية التي تتعرض اليوم الى لعبة خطيرة في المحو، إذ وسط هذا الرعب والصراع، وصعود التيارات الأصولية والتكفيرية تتبدى الحاجة الى المشروع الثقافي، والى أهميته في المواجهة، وفي تحفيز قواه العميقة، وفي أنْ يكون تعبيرا عن وعي التحولات التي نعيشها، والتي نواجه الكثير من تحدياتها المرعبة، فالعالم الذي يحوطنا مسكون بوهم العودة المُضلِلة الى التاريخ، وهو مايعني النزوع الى تدمير وتخريب الكثير من قيم التواصل والحوار والجمال، بما فيها القيم العقلانية التي تزخر بها صفحات ساطعة من هذا التاريخ..
إنّ تحمّل المسؤولية هو الخيار الفاعل، وهو الوعي بالرهان على ربط المشروع الثقافي بالتنمية، وبوضع الفاعلية الثقافية في سياق اجرائي، وضمن شبكة من التحققات التي تكفل الحراك الثقافي، وتُسهِم في انضاجه وفي تحشيد الرأي العام، ليكون جزءا من المشروع الوطني، وجزءا من معطياته وأسئلته، وبإتجاه يمكن أن تتبناه الدولة ومؤسساتها، لأن مشروع الدولة المدنية مهددٌ أصلا، ولأنّ أخطار الارهاب والتكفير والعنف الأصولي بات من أكثر مظاهر الرعب الذي تصنعه الجماعات الارهابية، ليس لتهديد الدول فقط، وإنما لتخريب المجتمعات، وتدمير قيم التنوع والتعدد، وصولا الى تهديد قيم الديمقراطية والسلام الأهلي الذي يمثل الارضية التي يمكن أن تنمو فيه قيم الثقافة والحوار والمشاركة…

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *