نزاهة المثقَّفين

نزاهة المثقَّفين
آخر تحديث:

نامق عبد ذيب 
في كتابه ( المثقفون المزيفون ) للفرنسي باسكال بونيفاس، وفي الفصل الأول منه، يروي بأن الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران تلقى دعوة من مارغريت تاتشر لزيارة المملكة المتحدة فطلب ميتيران أن يلتقي بعدد من مثقفي البلد، ولكن موظفي 10) داونينغ ستريت(  أجابوه بأنهم ربما يجدون له كُتّاباً أو مؤرخين أو فلاسفة أو باحثين ، ولكن ليسوا مثقفين ! والكاتب في مقدمته هذه يحاول أن يحدد مفهوم المثقف حسب الرؤية الفرنسية فالمثقف ليس رجل معرفة وعلوم وحسب، بل هو رجل يسهم في قضايا الجدل الذي يخوضه المجتمع ، فـ ( فولتير ) ليس مثقفاً لأنه كتب كثيراً من المؤلفات بل لأنه وقف إلى جانب قضايا باسم الفكرة التي كونها عن العدالة، وكذلك ( فيكتور هوغو( بالتزامه السياسي، لقد حصل المثقفون الفرنسيون على اعتراف المواطنين لا لأنهم دافعوا عن مصالحهم الخاصة، بل لأنهم وضعوا شهرتهم في خدمة من لا شهرة له على حد وصف الكاتب . من هنا نستطيع أن نؤطّر الكثير من قضايا المثقفين التي تتفاعل ضمن مجتمعنا العراقي والعربي من خلال رؤيتهم وتفاعلهم معها أو بعدهم عنها فلا يمكن أن يظل الأكاديمي أو الأديب ساكتاً عما يمر بوطنه من أحداث بحجة أنه غير معني بها، فالمثقف العاطل عن هموم مجتمعه ليس مثقفاً حتى لو نال أعلى درجات المعرفة ، وإذا كانت نزاهة السياسي أو رجل الدولة تتحدد بكثير من المحددات المعروفة فإن نزاهة المثقف تحتم عليه أن لا يقف على الحياد ، المثقف المحايد غير نزيه، وكذلك المثقف المنحاز الذي لا يرى إلا ما يخصّه أو ينظر بعين واحدة للأحداث هو مثقف أعور، فلا طائفة للمثقف غير طائفة الشعب في صورته الواحدة , ولا كتلة سياسية غير كتلة الوطن، وهو إذ ينحاز برؤية منحرفة إلى هموم عشيرته أو طائفته أو حزبه السياسي متناسياً أو متجاهلاً قضايا وجوده كمواطن في وطن واحد وشعب واحد ولا يفتح فمه إلا إذا مُسّت حقوقه الخاصة إنما يعبر عن أبشع ما يمكن أن يكون عليه المثقف العاطل عن النزاهة. 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *