هل تعرف ماذا فعلت يا عصام؟ بقلم صلاح المختار

هل تعرف ماذا فعلت يا عصام؟ بقلم صلاح المختار
آخر تحديث:
عصام الراوي ليس شخصاً عادياً، عندما عرفته منذ زمن بعيد كان ما انطبع في ذهني عنه انه رجل مرح يجب النكتة في اشد الظروف صعوبة ويعبر عنها بأكثر الالفاظ اثارة للفرح! كان منكتاً فريداً يجبرك على سفح الدمع رغم انك تضحك! وكانت تلك الصفة تغيب فوراً عندما يبدأ الجد في عمله، فهو صارم حازم في عمله الاداري، رجل ادارة ناجح بكل المواصفات، وهذه صفة اخرى ايجابية له.
وبين صرامة وحزم العمل وقهقهات المتعة المشروعة كان عصام الراوي رجلاً لا ترى مثله الا ما ندر، فهو مهاب بقامته الطويلة ووجهه الذي لا يبتسم اثناء الجد رغم ان تقاطيعه باسمة حتى لو لم يشأ الابتسام، ولكن ما يطغى على هيبة قامته وعلى تقاطيعه الباسمة هو الشارب الفريد، فعندما تقول: عصام الراوي، سيسألك الناس أي عصام منهم فهم كثر الذين يحملون هذا الاسم؟ فيكون الرد عصام ابو شوارب.
 شوارب عصام هيبة رجل كشخصيته الفذة يقف دائما علي كل جانب منها صقر جاهز للقتال مستعد للانقضاض على فريسته ، يسير عصام بسرعة والصقران واقفان بثبات فوق شاربيه ! لم يتعب من رعاية شاربيه رغم انهما يغطيان نصف وجهه! كانتا سوداوان عندما عرفته لكنهما الان اصبحا ابيضان بعد ان اصبح جدا.
عندما ابيضت شواربه ورايته بعد انقطاع سنوات بعد الغزو لم يعد ذلك الذي لا يدعك وانت في ذورة الجد الا وتضحك بقوة تكاد تخنقك، اختفت روح النكتة لعلها نكبة الغزو. لم اره ضاحكاً، رأيته باسماً فرحاً بلقائنا الاول بعد الغزو، كان الصقران يتمايلان فوق شاربيه، لكنني لم اسمعه يقهقه، ولم يجعلنا كما كان قبل الغزو نقهقه حتى تدمع عيوننا عندما نراه ، كان صمت الحزن يكلل شاربيه قبل كل تقاسيم وجهه.
 وكان حزمه الاداري قد انقلب، بعد ان فقد وظيفته كملايين العراقيين الشرفاء، واصبح حزماً في التعامل مع من ترف عيونهم اذا نظروا الى الاحتلال بدون الاحتقار. الكل يهاب كلامه حينما تدلهم الخطوب حتى شيوخ العشائر الذين تحول بعضاً منهم الى اطفال لايعرفون ما يقولون امام مبادراته الذكية.
عصام الراوي الاداري الناجح والمناضل الجسور الان يقدم درسا اخرا جديدا لم يكن يخطر بباله انه سيقدمه، فهو لم يكن يوما كاتبا بل كان رجل عمل وادارة ونضال، لكنه عندما رأي اصحاب القلم يغطون في نوم اخفاء الوجه ويتعالى شخيرهم حتى يوقظ نساءهم، ثم يتجشأون ويقولون لانفسهم (عوافي) مع انه كانت هناك حاجة كبيرة لمبادراتهم الفكرية والاعلامية، ومنها تقديم اسلحة المنطق والحجة والوثيقة والحادثة الثابتة لمن يناقش دفاعا عن العراق والنظام الوطني في معركة يلعب فيها الاعلام دورا اخطر من الجيوش، عندما رأي عصام فشل هؤلاء في اهم دور مهني ووطني قرر ركل نومهم بقدميه وسكب (سطل) ماء بارد على وجوه سكارى الخوف الذين كسروا اقلامهم، التي كانت قبل الغزو تزغرد وتتعارك وتتزاحم بالمناكب مع بعضها للحصول على غنيمة ومكرمة!
قرر عصام هذه المرة ان يتحدي في مجال لم يكن مجاله وفي اختصاص لم يتوقع هو وليس رفاقه ان يدخل تحدياته، فاطلق شرطته الذكية وامرهم (ايها الشباب اجمعوا سكارى الحارات الفارين من الخدمة الاعلامية واجلبوهم لي).
شرطة عصام التي تطارد الهاربين من الخدمة الاعلامية من نوع خاص غير مألوف ، فهو لم يقل لاحد انك هارب ولم يوجه لاحد تهمة الانتهازية بل كل ما فعله هو انه احتل الموقع الذي كان يشغله المئات من الصحفيين والكتاب والاكاديميين واجلسهم امامه واجبرهم على النظر لما يفعل ، امسك بالقلم وبدأ بتحويله الى بندقية تطلق النار ، وغطس لعدة سنوات ولم يعد احد يرى ما يفعل لكن الجميع احس انه يقوم بعمل ما عمل كبير كانت اشعاعات حركته تؤكد انه يقوم به وبعد ان انتهى مما كان يعده سكب سطل الماء على وجوه النّوم ، ايقظهم ليروا ان عصام الراوي الف كتابا لم يؤلفه احدا منهم مع انه اختصاصهم !
خلال سنوات الغطس اخذ عصام يجمع المصادر والمعلومات والوثائق التي تثبت وليس الادعاءات بان النظام الوطني كان نظاما قدم للعراق والامة العربية ما لم يقدمه احد غيره من انجازات عظيمة ، وما احدثه في العراق من تحولات لصالح الانسان العراقي كان حالة نادرة في عصرنا، لم يطلب مساعدة الذين كسروا اقلامهم او اخفوها في جيوب بدلاتهم يفاخرون بما كانت تكتبه ايام العز الوطني لكنهم لا يستخدمونها لغير التفاخر والابهة.
 وبعد سنوات ولد مشروع عصام وتطاير عقل النيام صحوا ليجدوا كتابا قد صدر لعصام الذي لم تكن الكتابة يوما مهنته ولا هوايته، لكنه بحزم العراقي المناضل حول طاقاته الادارية وروحه المرحة وحوافزه النضالية وهي كلها طاقات جبارة الى عمل كتابي اعلامي توثيقي من طراز نادر كانت ثمرته ولادة (صدام حسين امة في رجل)، قدم لنا فيه صدام حسين الانسان والبطل والمهندس والباني والحازم على الضد من محاولات شيطنته وتشويه صورته . 
قدم لنا عصام الراوي كتابا يضم بين دفتيه كنوزا من المعلومات عن فترة الحكم الوطني فليس مجديا انكار الاكاذيب بل يجب دحرها بالادلة والوثائق لذلك تناول الكتاب كل اوجه الانجازات واشكالها من السياسة الى القانون الى الرفاه والى الاخلاق مرورا بما روج من اكاذيب الشيطنة وقدم وثائق وادلة تثبت انها اكاذيب . لم يفعل ذلك بالانكار الحاد بل بالوثيقة والمعلومة والحادثة المعروفة والموثقة.
كتاب عصام الراوي (صدام حسين امة في رجل) انجاز عظيم لرجل لم يكن كاتبا ولم يدعي انه كاتب ولم يتنافس من اجل التكريم قبل الغزو مع كتاب بل بادر هو ولم يقل له احد اكتب. كتب وابدع وقدم لنا سجلا عظيما وثمينا بانجازات العراق تحت الحكم الوطني الذي اسقطه الاحتلال ، فزود المقاتلين من الكتاب الذين لم يناموا ولم تسكرهم لذائذ الصمت والبحث عن السلامة بأي ثمن ، واشتبكوا مع الاحتلال منذ اول ايامه ولكنهم بغالبتهم كانوا بلا مراجع او وثائق او حكايات صحيحة تثبت طروحاتهم وتدعم دفاعهم عن الوطن ونظامه الوطني فقام بذلك من لم يتصور احد ان يقوم به وهو رجل ادارة صارم وناجح بهذا الدور الاعلامي الناجح وليس رجل اعلام معروف او مغمور .
أليس ذلك امراً عسكرياً صارماً للشرطة السرية التابعة لعصام الراوي، وهي اعماله الصالحة، كي تسلط الاضواء على الهاربين من (خدمة العلم)؟ أليس العلم العراقي الان هو الدفاع عن العراق ونظامه الوطني الذي لم يسقط بانقلاب بل بغزو استعماري عالمي اشتركت فيه كل قوى الشر في العالم؟
اذن شرطة عصام تهش النيام توقظهم تقول لهم: استيقظوا فالعراق اهم من السلامة هل بقيت لكم سلامة بدون العراق؟ هل سلم احدكم ولم يخسر حبيبا رغم انه نام وكسر قلمه او اخفاه تحت اكوام القش؟
هذه هي قصة كتاب اثبت بالادلة ان تجربة حكم البعث كانت ناجحة بكل المعايير . كتاب عصام الراوي يجب ان لا ينظر اليه من زاوية شكلية صرفة لانه تأليف رجل نضال وادارة اهتموا بما فيه من فوائد لا تعد ولاتحصى ، وكل كاتب وسياسي ومثقف يريد ان يقف على ارضية صلبة وهو يناقش ما حدث خلال 35 عاما من حكم البعث يحتاج لوضع هذا الكتاب تحت يديه كلما ناقش او جادل او قابل الاعلام . اقرأوا كتاب عصام ستعيدون كتابة ما كتبتم سابقا وتقتبسون من كتاب عصام المعلومات الثمينة والوثائق الحاسمة والاحداث الموثقة ، وبهذه الاسلحة تدحرون من يكذب ومن يلفق او من يجهل الحقيقة فتوفرون له فرصة التراجع .
صقرا عصام اليوم فرحان بعد حزن عشر سنوات ، قال لهما عصام حلقا ماشاء لكما التحليق، حلقا وهما يبتسمان فوق روابي العراق وكلما تعبا عادا وحطا فوق شاربيه يحرسان الوجه.
نعم هناك من ربى حيوانات طائرة واوقفها فوق شاربه المحلوق ولكن الطير الذي يحط على شارب محلوق هو النسر اكل الجيف اما الصقور فلا تأكل الا الطرائد الحية وتعاف الجيف، وهي لذلك لا تحط الا على شوارب عظيمة غير محلوقة تتحمل الضيم والموت والنزف، وطيرا عصام صقران عراقيان باسلان احتكرا مسكنا لهما فوق شاربيه.
تحية للرفيق العزيز عصام الراوي وتهنئة عطرة على انجازه الكبير والذي كنا نحتاج اليه وانا اول المحتاجين له .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *