تجديد ثورة أكتوبر يقرّب عودة العراق المخطوف

تجديد ثورة أكتوبر يقرّب عودة العراق المخطوف
آخر تحديث:

بقلم:د.ماجد السامرائي

اعتقدت الأحزاب الشيعية الحاكمة، التي توغلت في الفساد ونهب المال العام وإفقار شعب العراق، أن الحراك الشعبي غير التقليدي في أكتوبر 2019 في انتفاضة آلاف الشباب من وسط العراق وجنوبه ضد سلطة الحكم سيكون عرضياً، مطالباته خدمية تتعلق بالبطالة ونقص الخدمات، وأن رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي بما يمتلكه من خلفية قيادية في مجلس باقر الحكيم وادعاءاته الفكر السياسي الذي ورثه من ماضيه البعثي والماركسي قادر على إخماد هذا الحراك الجديد.

كان الغباء السياسي لتلك الأحزاب غير متوقع، فالأحداث اليومية المؤلمة في القمع المسلح خلال أكتوبر 2019 وما بعده خذلت عبدالمهدي وقادة الأحزاب. لم يتراجع الثوار وتحدّوا السلطات الحكومية والميليشياوية المسلحة في العاصمة بغداد ومدن الجنوب الكبرى كالناصرية والعمارة وكربلاء، اختار عبدالمهدي طريق المستبدين في القتل الوحشي للمسالمين، وبذلك نزع هو وأحزابه بطريقة هزيلة ومفضوحة جميع ادعاءات الدين والمذهب ونصرة الطائفة، وأعان جميع ثوار العراق على التضامن من أجل الخلاص.

بسبب انغمار قادة تلك الأحزاب في جبهة العداء للشعب وثواره لم يتمكنوا من تدبير أدنى مقومات الهدنة عن طريق المرونة أو المناورة في المطالب، بل ذهبوا إلى خيار الصدام الدموي المتواصل، إلى جانب تنظيم موجات الافتراءات والكذب وتشويه السمعة، وفق موروثات بائسة لا تنتمي حتى إلى عالم الحكومات المستبدة الحديثة. أساليب قائمة على تقديس الذات، وبأن هذه الأحزاب اللّاإسلامية تستمد قراراتها من موروثات وإيحاءات لا يتمكن الشباب الشيعي من مجابهتها والتعرّض لمقدساتها.

لم يتوقع مراقب منصف للثوار أن يحسم هؤلاء معركتهم لصالح الشعب ضد مجموعة الأحزاب القاتلة وميليشياتها ويسقطوا نظامها، رغم التغيير في أشكال المجابهة، ممن وضعتهم الطائفية الشيعية كخصوم وأعداء من العرب السنة الذين انتفضوا وثاروا وفق سياقاتهم الشعبية. شباب أكتوبر نزعوا تلك اللعبة المتخلفة من الأحزاب وميليشياتها.

كانت ثورة بمعنى ودلالات الكلمة، قدم خلالها شباب أكتوبر أكثر من 800 شهيد و25 ألف جريح، فهل من المتوقع لها أن تكون لعبة شباب مراهقين عابرة!

اعتقد الطغاة أنهم سحقوا الثورة ميدانياً، ما عليهم سوى الدخول في مشروع الإنهاء السياسي عبر لعبة استيعاب الشعارات المطلبية، لكن الثوار ضغطوا بمطالبهم المباشرة للتغيير في الحكومة والقبض على القتلة، وإجراء انتخابات مبكرة بحكومة جديدة بعد إسقاط حكومة عبدالمهدي. ولأن قادة الأحزاب الولائية لا يهمهم الأشخاص مقابل تثبيت مشروع الحكم، فقد تعاطوا نتيجة مشاورات خارج الحدود بلعبة التغيير الواهمة، واختراق جبهة الثوار بعد معرفة استخبارية لئيمة لمواقع الضعف لدى بعضهم، وهو أمر طبيعي في الظرف العراقي، كما لا توجد ثورة شعبية في التاريخ نقية من الوصوليين.

كان ضعف التنظيم الجماعي والقيادة العليا ومتانة الخطاب السياسي الذي يتقدم ويتراجع بلا خطوط مُنّظمة مؤثرة بالخصم، من أبرز معوقات حركة ثورة أكتوبر. والأكثر إيلاماً دخول مجاميع منهم إلى باحة الانتخابات المبكرة بعد الاختراقات اللئيمة بسبب إغراءات المال والسلطة والجاه وهي لعبة تقليدية.

لكن، المراهنة على الوقت لسحق الثورة وإنهائها لم تنجح، بل على العكس، خلال سنوات ألفين وعشرين وواحد عشرين وهذه السنة، تبلور ونضج خط الثورة الشعبية، رغم الضغوطات المادية والمعنوية الرهيبة.

دخلت المخاطر على سلامة الثورة وبنيتها الداخلية إلى ما يمكن تسميته تحدّي الرديف الثوري، المتمثل بقيادة مقتدى الصدر، رغم الاختلاف الفكري، فالشباب ليسوا “دينيين”. لقد رفع الصدر ذات الشعارات السياسية، لكنه يعتقد أنه ولي الثورة الشعبية العراقية. اصطدم أنصاره في الشارع بالثوار في غياب للرؤية السياسية، وكانت تلك واحدة من الأخطاء التاريخية للقيادة الصدرية التي استثمرها الحكام في تعميق الهوة بينهما.

صحيح أن وحدة الحركتين الصدرية والشبابية، المدعومة من جميع القوى الوطنية العراقية وشخصياتها في الداخل والخارج، كان من الممكن أن تعطي الحركتين دفعاً قوياً في المعركة يؤهلها للانتصار، لكن ذلك لم يلغ احتمالات تعطلها وسقوطها كثورة عراقية وطنية ليست مذهبية وسط الطريق.

التطور اللاحق في التصعيد الصدري لمواجهة سلطة الأحزاب الولائية لدرجة إعلان النفير العام للثورة واقتحام المنطقة الخضراء وبرلمانها لم يُفرح الثوار ولم يفقد بوصلة ثورتهم. بدت حساباتهم التنظيمية خلال عام 2022 أكثر وضوحاً وتنظيماً ودقة عن ذي قبل، فلم ينجرّوا بطريقة عشوائية للاجتياح الصدري. بدت توازنات العمل أكثر قرباً إلى التنظيم القريب من الدقة والتأثير، وبدا العامود الفقري للثورة أكثر سلامة وصلابة. لا بدّ أن هذه الفكرة ستبدو أكثر إقناعاً إذا ما سارت الأمور بسلاسة خلال مناسبة مرور ثلاث سنوات من عمر الثورة في أكتوبر. هذا لا يعني أن الثورة انتقلت إلى المرحلة الأخيرة من عملية التغيير الجذرية.

بدا البيان الذي أصدرته ما تسمى بتنسيقيات ثورة أكتوبر قبل أسبوع، تنويهاً لانطلاق التظاهرات المليونية الجديدة في أكتوبر أكثر وضوحاً وعمقاً ونضجاً سياسياً، من حيث الالتزام بمنطلقات الثورة الشعبية السياسية والالتزام بثوابتها وفي تحديد الأهداف الرئيسية والخصوم والأصدقاء وأولويات العمل الشعبي والسياسي والعلاقات العامة. هذا مؤشر مهم يمكن من خلاله تحديد الثورة وأولوياتها.

أول فقرة من البيان تؤكد منطلقات هوية ثورة أكتوبر وعراقيتها، و”عدم الاعتراف بالعملية السياسية بعد 2003 جملة وتفصيلاً، وبما أنتجته العملية الشريرة بما فيها الدستور الذي جاء بحقيبة بريمر وعدم دخول أطراف أكتوبر في هذه العملية ومن ضمنها البرلمان”.

وطنية الثورة واستقلاليتها تأكدت بعدم الاتصال والتواصل مع أيّ طرف خارجي دولي سواء كان حكومياً أو الأمم المتحدة أو الجامعة العربية. والأكثر وضوحاً هو البرنامج السياسي للثورة الشعبية بعد القضاء على سلطة الأحزاب الفاشية وعهدها، المتضمن رؤية عملية للتغيير بلا مبالغات سياسية ومن دون دوافع طائفية أو عرقية:

  • تجريم كل من يتكلم باسم أيّ مكوّن من مكونات الشعب العراقي سواء كان عرقيا أو دينيا.

  • هيكلة وإلغاء جميع الفصائل والميليشيات والمنظمات المسلحة تحت أيّ مسمى كان، ويعاقب بأقصى العقوبات من لا يلتزم بهذا النص.

  • إلغاء القوانين التعسفية الظالمة ومن ضمنها قانون المساءلة والعدالة حيث استهدف الملايين من العراقيين وحاربهم في أرزاقهم.

وأكثر ما يميّز البرنامج السياسي للتغيير الثوري وضوح فقراته وعدم إمكانية تنفيذه في ظل العهد الجديد، مثلما وضح في برنامج مقتدى الصدر الذي كان واضحاً في إمكانية تطبيقه مع بقاء النظام القائم.حين تتوافق المنطلقات مع البرامج والأهداف، عند ذاك يمكن الوثوق بسلامة الثورة الحقيقية في المراحل الأولى. هذا على المستوى النظري، عملياً ما هي برامج الثورة الشعبية المقبلة في أكتوبر؟ هل ستنحصر في تظاهرات مليونية قد تؤدي إلى صدام مسلح بالسلميين وسقوط ضحايا لا سمح الله. وبماذا ستتحضر لها الأحزاب وميليشياتها من أساليب مواجهة؟

بالتأكيد لن تكون دعوات عناق حمامات السلام والمحبة. والأكثر حساسية مواقف قيادة الصدر من التطورات المقبلة، وكيف ستتعامل معها؟

المؤشرات تؤكد احتمالات تصعيد شعبي واسع قد يرافقه عصيان مدني، وهذا سيعتمد على تداعيات الواقع المقبل. لكن من المهم تكثيف شعار نزع الشرعية الدولية عن هذا النظام العميل، لأن الشعب رفضه كلياً. ومن المفيد التنبيه إلى ضرورة عدم إشغال قيادات الثورة العليا والوسطية بمشكلات فرعية تنظيمية تتعلق بكيفية التظاهرات المليونية ومكانها وتوزيعها الجغرافي. ينبغي ومهم أن تكون جميع أراضي عرب العراق ميداناً للتظاهرات دون تخصيص طائفي لأن ذلك يتناقض مع منطلقات الثورة العراقية.

ملاحظة: قد يكون مهما للحفاظ على مسار آمن وصحي للثورة ابتعاد بعض الوطنيين العراقيين في الداخل أو الخارج ممن وضعوا أنفسهم كقادة وموجهين لثورة أكتوبر وهم ليسوا كذلك عن المماحكات الهامشية لما تسمى القيادات من خارج الساحات. هل يجوز لوطني جالس في لندن ادعاء تنصيب نفسه قائداً لهذه الثورة!

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *