موفق الربيعي الذي اشرف على عملية اعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين شنقا، اعترف ان الرئيس الراحل لم يتأثر بالمشهد المروع، ولا بالهتافات الطائفية من قبل بعض الحضور، واظهر شجاعة نادرة وكان يواجه الجلاد والمقصلة بتحد كبير، والتفت اليه، اي للربيعي، وقال له وهو يمسك بحبل المشنقة ‘ترى يا دكتور انها للرجال’.
شهادة الدكتور الربيعي هذه ادلى بها الى صحيفة ‘التلغراف’ البريطانية بمناسبة مرور الذكرى العاشرة على احتلال العراق، وهي شهادة تتناقض مع شهادة سابقة ادلى بها وفضحها شريط مصور بكاميرا هاتف نقال، ظهر فيها الرئيس الراحل في قمة الهدوء، متقدما الى حبل المشنقة ناطقا بالشهادتين وهاتفا بسقوط امريكا وإعلاء الأمة العربية وقضية فلسطين , بعد ايام معدودة من دخول القوات الامريكية الغازية لبغداد، استضافني مقدم البرامج اندرو نيل في برنامجه الشهير ‘هذا الاسبوع’ الذي يقدمه في قناة ‘بي.بي.سي’ مساء كل يوم خميس.
المستر نيل تحدث بغطرسة المنتصر وقال لي كسبنا الحرب في العراق، واتحداك انه بعد 18 شهرا ستكون هناك ديمقراطية نموذجية وازدهار وبلد نموذجي تحتذي به دول المنطقة , قلت للمستر نيل ان الحرب الحقيقية ستبدأ بعد الاحتلال، وان الشعب العراقي سيقاوم المحتلين ورجالهم بشجاعة وسيهزم امريكا، ولن يكون هناك عراق مستقر او ديمقراطي بعد 18 عاما من الآن، وتحديته ان يستضيفني بعد 18 شهرا في برنامجه، لنعرف من هو الصادق ومن هو الكاذب.
عشر سنوات وانا انتظر دعوة المستر نيل هذه، ولكنها لم تأت، ولا اعتقد انها ستأتي حتى بعد عشرين عاما اخرى، اذا كتبت لي وله الحياة، والاكثر من ذلك ان دعوة وجهت لي للمشاركة في البرنامج نفسه جرى الغاؤها في اللحظة الاخيرة دون إبداء الاسباب , في كانون الاول (ديسمبر) عام 2011 غادر آخر جندي امريكي الاراضي العراقية مهزوما على ايدي المقاومة العراقية الباسلة، ولكنه ترك خلفه دولة ممزقة، ومليون ارملة، واربعة ملايين طفل يتيم، ولم يتحول العراق الى نموذج في الديمقراطية والازدهار الاقتصادي، بل في الفساد والقتل والطائفية وانعدام شبه كامل للخدمات الاساسية.
هذا الغزو الامريكي الذي استهدف العراق تحت عنوان القضاء على الارهاب، كلف الرئيس جورج بوش الابن وبلاده اكثر من الفي مليار دولار وخمسة آلاف قتيل، وثلاثين الف جريح، الى جانب ما يقرب من مليون شهيد عراقي , الحرب قامت على اكذوبة اسلحة الدمار الشامل، وشاهدت بعيني صاحب هذه الاكذوبة رافد الجنابي، الذي قال للمخابرات الالمانية انه كان يعمل في معمل لانتاج اسلحة بيولوجية (انتراكس)، وانه شاهد معامل متحركة في شاحنات تدخل وتخرج من المعمل، هذا الجاسوس اكد امام كاميرا BBC، انه افبركب جميع هذه الاكاذيب، التي استخدمتها الادارة الامريكية لتبرير الحرب، وهي تعرف بعدم وجود هذه الاسلحة، وانهار باكيا عندما ذكّره المذيع بالقتل والدمار الذي تسببت به كذبته هذه .
الدكتور اياد علاوي اعترف ايضا انه قدم للمخابرات البريطانية ادلة كاذبة عن اسلحة الدمار الشامل عبر احد مساعديه استخدمها توني بلير لتبرير نيته بدخول الحرب الى جانب الامريكان , صدام حسين كان ديكتاتورا، لا جدال في ذلك، ولكنه كان يرأس دولة موحدة، ببنى تحتية جيدة، وخدمات عامة ممتازة لمواطنيها، وجيش قوي، والاهم من كل ذلك دولة ذات هيبة في محيطها، بينما العراق الديمقراطي الجديد بلا هوية وطنية جامعة، ولا هيبة، ولا وحدة وطنية او ترابية، وبدأنا نسمع اوصافا تؤكد ان السيد نوري المالكي رئيس الوزراء طوال السبع سنوات الماضية، اكثر ديكتاتورية من صدام.
العراقي كاظم الجبوري الذي حمل مطرقته وتوجه الى تمثال الرئيس صدام في ميدان الفردوس وبدأ في تحطيمه امام عدسات التلفزة العالمية، قال قبل عشرة ايام في حديث لصحيفة ‘الاوبزرفر’ التي التقته في محله في بغداد انه نادم على فعلته هذه، فعراق اليوم اكثر سوءا، والاوضاع فيه تتدهور الى الاسوأ. واضاف الجبوري الذي سجنه صدام 21 عاما ‘في الماضي كان لدينا ديكتاتور واحد، الآن مئة ديكتاتور’. واشار ‘صدام وفر لنا الامن والامان، مثلما وفر لنا الماء والكهرباء والغاز، الآن لدينا سرقات وقتل واغتصاب، وعنف طائفي’.
الجبوري الذي يعمل في تصليح الدراجات الهوائية، كان على درجة كبيرة من الشجاعة والرجولة، عندما عبر عن ندمه، ولم يتردد عن قول الحقيقة، لكن السؤال هو: هل يملك اناس مثل اياد علاوي، ونوري المالكي، واحمد الجلبي، والسيد بحر العلوم، وعدنان الباجه جي، والشريف الحسين بن علي (بالمناسبة اين هو الآن) وابراهيم الجعفري، هل يملكون الشجاعة ويعترفون مثله بالكارثة التي تسببوا بها للعراق عندما وفروا الغطاء الشرعي العراقي لغزو بلادهم؟
أندرو نيل لم يدعني لبرنامجه ثانية لانه لا يريد ان يعترف بالحقيقة، وكذلك ما ذكرت سابقا من اسماء، ولكن ما يجري حاليا على ارض العراق من مآس هو الرد المفحم , رافد الجنابي الذي فبرك اكذوبة اسلحة الدمار الشامل، يعمل حاليا في محل ‘بيرغر كنغ’ في احدى المدن الالمانية..هذه هي نهاية من يتآمر على بلاده وشعبه.