مثلما زعمت الولايات المتحدة الأميركية بأن غزوها واحتلالها للعراق كان بذريعة تهديده للأمن القومي الأميركي، وحيازته على أسلحة محرمة دوليا، فإن تداعيات هذا الاحتلال الذي جاء خارج سياقات المنظمة الدولية وتقاطعه مع شرعتها ما زال ينغص حياة العراقيين وتطلعاتهم بوطن آمن ومستقر و(ديمقراطي). كما زعم صقور الحرب على العراق، ناهيك عن أن أسباب ذلك الغزو كان كاذبا ولم يستند إلى أي مبررات بشهادة الصقور المحرضين على شن الحرب على العراق.لقد تسبب احتلال العراق وبعد مرور 19 عاما على حدوثه إلى تربع العراق على ذيل قائمة الدول الفاشلة أمواله منهوبة، وتسيد طبقة سياسية أدخلت العراق في الخانق الذي يتخبط به من دون أمل بتدخل دولي لوقف انهياره تماما. وهنا تكمن مسؤولية المجتمع الدولي في ولايته، لا سيما الدولة التي تسببت في الدمار والفشل الذي يعانيه العراق جراء غزو واحتلال غير شرعي لدولة ذات سيادة أسقطت نظامه الشرعي، وحوَّلته إلى حلبة لصراع قوى طامعة بأرضه وثروته ومياهه ومستقبله أمام أنظار العالم من دون أن يتحرك المجتمع الدولي لوقف هذا المسلسل الذي يتوالى فصولا خلال السنوات الماضية.
إن ما يجري في العراق يوصف بأنه كوميديا سوداء يتبارى فيها أركان الطبقة السياسية وأنيابها المسلحة الطائفية على المصالح والامتيازات، ناهيك عن فشلها في إدارة شؤون العراق، الأمر الذي يتطلب تدويل القضية العراقية لانتشال دولة كانت موحدة ومستقرة وقوية ومهابة لوضع الدولة التي غزت واحتلت العراق أمام مسؤوليتها القانونية والأخلاقية لتصحيح المسار، ووضع العراق على سكة الأمن والاستقرار لمنع استمرار دخوله في متاهات المجهول، وانتشاله من وضعه المزري الذي يوصف بالكارثي.واستنادا إلى هذه الأسباب وغيرها، نقول: هل الولايات المتحدة الأميركية الآن في وارد البحث عن حلول لواقع العراق ومنها التدويل للتكفير عن خطاياها؟
بصراحة إن التدويل يحتاج إلى إرادة ورغبة من الطرف الذي تسبب في كارثة العراق ومعه المجتمع الدولي.والسؤال الذي يشغل ويقلق المعنيين بمستقبل العراق رغم وجود اشتراطات التغيير والإصلاح، فإن أميركا ليست في وارد الذهاب إلى خيار التصحيح والمعالجة لعزوف إدارتها الديمقراطية عن التعاطي مع أزمات ومشاكل بعيدة عن الشأن العراقي، ناهيك عن معارضة متوقعة من دول كبرى وإقليمية ترى في خيار التدويل مقدمة لإعادة لهيمنة أميركية في المنطقة تتقاطع مع مصالح وأجندات الأطراف المعارضة لخيار التدخل ومنها التدويل.
إذًا ما هو الحل لإنقاذ العراق في ظل تقاطع المصالح والنفوذ وعزوف الدولة التي أدخلته في الخانق الذي يتخبط به منذ 19 عاما وإدارة ظهرها عما يجري في العراق؟وعلى الرغم من صعوبة الإجابة على هذه التساؤلات، إلا أن صحوة العراقيين وانتفاضاتهم الوطنية ورفضهم لأداء الطبقة السياسية وتمسكهم بخيار الحل الوطني العابر للطائفية وأنيابها المسلحة كفيل بإخراج العراق من مستنقعه، وهدم محددات النظام السياسي الحالي وقوانينه الاجتثاثية الذي استهلك وفقد الصلاحية وتحوَّل إلى عبء على العراقيين، وأصبح أسيرا داخل أسوار المنطقة الخضراء.