فيتو أميركي من أجل استمرار القتل

فيتو أميركي من أجل استمرار القتل
آخر تحديث:

بقلم: فاروق يوسف

أجهزت الولايات المتحدة بالفيتو على مشروع قرار قدمته الإمارات العربية المتحدة إلى مجلس الأمن من أجل إيقاف الحرب في غزة لأسباب إنسانية. كان أعضاء مجلس الأمن كلهم باستثناء بريطانيا والولايات المتحدة قد وافقوا على القرار فإذا بالأخيرة تكشف عن وجهها القبيح داخل المجلس وتفسد المحاولة التي كان من شأن نجاحها أن يوقف القتل في غزة ويمنع بنيامين نتنياهو من الذهاب بمشروعه الإجرامي إلى مديات أبعد. وهو ما يعني مرة أخرى أن المجتمع الدولي كله مشدود إلى قدمي جلاد، كان ولا يزال يبحث دائما عن ممثلين نموذجيين لتنفيذ جرائمه بالوكالة. ولهذا يمكن اعتبار ما يجري في غزة استلهاما من رؤية أميركية للحل الذي لم يقم وزنا لمليوني إنسان هم أهل غزة الذين كانوا قد خُيروا ما بين حصار مميت وبين موت عاجل.

لطالما توجهت أعين بعض العرب إلى الولايات المتحدة باعتبار أن الحل في الشرق الأوسط لن يكون إلا أميركيا. وفي الوضع المزري الذي انتهى إليه الاتحاد السوفييتي وكانت الصين يومها تحث الخطى لترتيب مستقبلها الاقتصادي غير عابئة بالسياسة انطلت الكذبة على الكثيرين. حتى إن قائدا بحجم جمال عبدالناصر كان قد وافق على مبادرة روجر الأميركية أملا في نهاية الصراع. ولكن مياه البحيرة الأميركية آسنة ولا تصلح للعوم. وهو ما ستظل عليه دائما ولم يكن العيب فيها، بل العيب في مَن حلم بعبورها آمنا. الممر الأميركي كان أسوأ بكثير من الممر الإسرائيلي الذي هو عبارة عن الجحيم مجسدا. ذلك ما عرفه الفلسطينيون من خلال سلطتهم التي بدلا من أن تكون نواة للدولة الفلسطينية الموعودة صارت لا تملك رأيا في القضية التي هي أمانتها الوحيدة في مواجهة التاريخ. ولكن الهاجس الأميركي كان مزعجا دائما.

تكره الولايات المتحدة الفلسطينيين. وهي لا ترى في قتلهم ما يخل بالسلام العالمي. كما لو أن مجلس الأمن قد أسس لضمان سلام إسرائيل. فنادرا ما تستعمل الدول الكبرى حقها في الفيتو. ولكن هل هناك مَن يملك القدرة على الحد من جنون الولايات المتحدة وهي التي سلمت العراق إلى إيران مدمرا بحيث لا يمكن إصلاح ما فعلته؟ وليس مبالغا فيه القول بأن الولايات المتحدة تطرب للنغمة التي تكشف عن كرهها ومعاداتها. فهي ليست صديقة لأحد باستثناء إسرائيل التي ترتبط بها بعلاقة غامضة، يشك الكثيرون من خلالها أن إسرائيل هي التي تدير السياسة الأميركية. ولكن المؤكد أن الإدارة الأميركية، ديمقراطية كانت أم جمهورية تضع مصالح إسرائيل فوق مصالحها.

بعد الفيتو الأميركي ليس أمام الفلسطينيين في غزة سوى مواجهة قدرهم. لقد عجز المجتمع الدولي بوجهه القانوني عن إنقاذهم. ليست الجريمة التي تُرتكب في حقهم مجرد رد فعل انتقامي إسرائيلي. هناك دولة عظمى كانت إلى وقت قريب جزءا من الوساطة التي أدت إلى هدنة مؤقتة من أجل تبادل الأسرى وإيصال المعونات الإنسانية. أفصحت تلك الدولة عن كونها شريكة في الجريمة. الولايات المتحدة لا ترى في إيقاف العدوان حلا، بل ترى الحل في استمراره. وهو ما يعني مزيدا من القتل والدمار إلى أن يشعر الوحش الإسرائيلي بالتعب والضجر.

صحيح أنها حرب مكلفة، بشريا وماديا بالنسبة إلى المعتدي الإسرائيلي، ولكن الصحيح على الطرف الآخر أن تلك الحرب اتخذت طابعا مصيريا بالنسبة إلى الفلسطينيين وغيرت الكثير من المفاهيم والرؤى بالنسبة إلى الكثير من العرب الذين حتى حرب غزة كانوا يأملون أن هناك درجة من التفاهم مع إسرائيل يمكن البناء عليها، ثقة منهم بأن الأطراف كلها ترغب في أن تعيش المنطقة حالة دائمة من السلام. جاء الفيتو الأميركي الذي هو تجسيد لموقف مصطف مع نهج الإبادة ليلقي بتلك الآمال في سلة المهملات.

لا ترغب إسرائيل في أن يعم السلام المنطقة. الأسوأ من ذلك أن الولايات المتحدة وهي الداعم الرئيس لإسرائيل هي الأخرى لا ترغب في أن تنهي إسرائيل مشكلاتها مع العرب. وهي مشكلات كلف العرب أنفسهم مشقة طي صفحة الكثير من الحقائق المصيرية من أجل تجاوزها. لذلك بغض النظر عن الموقف الرسمي العربي من حرب غزة الذي يبدو على درجة عالية من الغموض فإن أشياء كثيرة ستتغير وفي الأخص على المستوى الشعبي الذي سيكون نافرا من أي رغبة في العودة إلى فتح أبواب المنطقة لإسرائيل. أما الثقة بالولايات المتحدة فستصل إلى ما دون الصفر.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *