الثقافة والهويات الطبقية

الثقافة والهويات الطبقية
آخر تحديث:

  د. كريم شغيدل
إنَّ أهمية مفهوم الثقافة تأتي من كونه»يشير إلى أنَّ معتقدات الناس وقيمهم ترتبط بالجماعات التي ينتمون إليها، وأنها ليست شيئا يلمع ضوؤه في رؤوسهم على نحو مفاجئ وغير متوقع» كما يقول أيثر أيزابرجر، وللتوسع في مفهوم الثقافة يرى (ريتشارد هوغارت – مؤسس مركز برمنغهام) أنَّ»الثقافة تعني أسلوباً كلياً لحياة المجتمع، معتقداته، ومواقفه، ومزاجه، كما يظهر ذلك في أنواع شتى من البنى والطقوس
والأفعال .
وكذلك في الأشكال المتعارف عليها تقليديا من الفنون» ولم يقف الماركسيون عند النظرة التقليدية للتعريفات فقد كتب ريكورد إيدكلRicword Edgel)) سنة 1937م» ليست الثقافة جمعاً من الأعمال الفنية والأفكار الفلسفية والمفاهيم السياسية، تراكمت على قمة هرم اجتماعي ووضعها أفراد لهم موهبة خاصة انها الحلول المتوارثة لمشكلات بمنتهى الأهمية للمجتمع» ومثل هذه التعاريف قادت- كما يقول د. محسن الموسوي- إلى فهم الثقافة على أنها أنظمة خطابات يمكن أن تمثل أولاً مصالح
طبقية.
إنَّ استعمالاتنا الحالية لكلمة(ثقافة) ومفهومها أو فكرتها، تماثل ما ظهرت عليه في التفكير الإنجليزي إبّان الثورة الصناعية كما يشير رايموند وليامز الذي توصل إلى إن(كارل ماركس) قرأ الثقافة على أنها «بناء علوي شامل عن مشاعر وأوهام وعادات فكرية ومفاهيم للحياة متنوعة وتشكلت بطريقة غريبة، وتنتج الطبقة كلها وتشكل هذه الأمور بالاستناد إلى أساسها المادي وإلى ظروفها الاجتماعية المتوافقة مع هذا الأساس»  والثقافة لا تعني فقط ذلك الجزء الذي تثقف فينا أو تم تهذيبه، إنما ما يشكل فينا المادة الخام لذلك التهذيب كما يرى تيري إيغلتون.
 والثقافة عند(ستيوارت هال)»هي الممارسات المعيشية أو الأيديولوجيات العملية التي تمكن مجتمعاً أو جماعة أو طبقة من اختبار شروط وجودها، وتعريفها، وتأويلها وإضفاء معنىً عليها»، وإلى جانب التعريفات الكيانية والأنطلوجية والسوسيولوجية، يعرفها إيغلتون وظيفيا على أنها» كل ما يزيد عن المتطلبات المادية لمجتمع من المجتمعات» ولقد تحولت الثقافة من كونها جزءاً من حل إلى كونها جزءاً من مشكلة، فمنذ ستينيات القرن العشرين راحت كلمة ثقافة تعني نقيض ما أسلفنا الحديث عنه» فقد غدت الآن تأكيداً على هوية خصوصية- قومية، أو جنسية، أو إثنية أو مناطقية لا تعالياً على مثل هذه
الهوية.
 ولأن هذه الهويات جميعاً ترى إلى نفسها على أنها مكبوتة ومقموعة، فإنَّ ما كان يعد في السابق عالما من التوافق قد تحول الآن إلى عالم من الصراع» على حد تعبير إيغلتون نفسه، والثقافة بمعنى الهوية قد استخدمت أول مرة- كما يرى جيوفري هارنمان- على يد هيردر»بالمعنى الحديث الذي يشير إلى الثقافة الهوية، أي الثقافة بوصفها طريقة حياة ذات طابع اجتماعي أنيس، وشعبي، وتقليدي»، بينما ينظر(هومي. ك. بابا) إلى الثقافة على إنها ترجمية وعابرة للقوميات بوصفها استراتيجية بقاء.. وكلمة بقاء- في تقديرنا – شاملة للإنسان والوجود والحضارة والهوية، فالثقافة تحافظ على عناصر تشكلها وتصونها لأداء دور تكويني في الثقافة نفسها، وإذ لا يمكن تعريف الثقافة إلا بالوقوع في مأزقها، فإنَّ الغاية ليست التعريفات بحد ذاتها، ذلك أنَّنا لا نروم من وراء هذه الخريطة إحصاءً أو تبويباً لتعريفات الثقافة، إنما الغاية الأساسية هي مماحكة تضاريس المفهوم، تمهيداً لبحث مسألة الحداثة من داخل هذه المنظومة المفهومية التي سنواصل بحثها، فالثقافة اليوم لم تعد محمولاً إيجابياً للوجود الإنساني، وخبراته المكتسبة وموروثه ومنتوجه المعنوي والعملي فحسب، إنما راحت تسند إلى محمولات أوسع من أن يحاط بها، فهناك مثلاً، الثقافات الأصولية والبدائية، وهناك- على سبيل المثال- ثقافة التطرف والعنف والثقافات الدونية والاستهلاكية والثقافة النسوية وغير
ذلك.
    لم تكن الثقافة فكرة حديثة على الرغم من أنها ازدهرت في حقبة الحداثة، بل هي «فكرة ما قبل حديثة وما بعد حديثة» بحسب إيغلتون، فالحداثة من حيث هي نزعة عقلية أو منابع فلسفية أو ثورة تقنية أو تحولات سياسية، أم من حيث هي تمرد على الأشكال والبنى السائدة في الفن والأدب لم تبلور مفهوماً خاصاً بوعيها أو ناتجاً عن رؤيتها، إنما وجدت نفسها في ظل مفاهيم مبتورة مهّدت للحداثة أو تنبأت بها، بمعنى آخر إنَّ حداثة الغرب تخلّقت في بيئة مفهومية للثقافة، في حين تخلّقت حداثة الشرق في ظل بيئة حسّية للثقافة، وللحديث

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *