الخط العربي على جوامع بغداد

الخط العربي على جوامع بغداد
آخر تحديث:

محمد سلامة
كاتب مصري

استثمر الرحالة الإنجليزي جيمس سلك بكنجهام (J. S. Buckingham1786-1855) عمله في شركة الهند الشرقية الإنجليزية و ما يتجمع لدية من إجازات سنوية ليُنفقها في رحلة من رحلاته المحفوفة بالمخاطر والأهوال. إذ كان كثير التطواف والترحال، وكانت البلاد العربية قبلة أنظاره في رحلاته وأسفاره. وقد بدأ أولى رحلاته العربية بمصر عام 1812 فطاف بها من بورسعيد حتى جنوبي أسوان، ثم فلسطين، وشرقي الأردن، ليعبر إلى العراق عن طريق سوريا، في 27 مايو 1816، وبعد أن عبر نهر الفرات اتجه نحو أورفة داخل الحدود التركية حالياً، ثم سار منها إلى ماردين فديار بكر، ومنها كر راجعاً إلى ماردين فمدينة نصيبين، ومن هناك عبر الحدود العراقية متخذاً طريقه عبر سهل سنجار إلى الموصل، ثم دخل بغداد عن طريق الموصل، أربيل، كركوك. وقد أصدر مجلدين عن رحلته إلى العراق، بعنوان )رحلات في بلاد ما بين النهرين Travels in Mesopotania\لندن: 1827(، الجزء الأول عن ديار بكر وماردين، والثاني عن الموصل وكركوك وبغداد وبابل وبغداد. كما صدرت رحلته عن إيران في مجلدين أيضاً، بعنوان )رحلات في أشور وميديا وإيران Travels in Assyria،لندن: 1830( يصف فيها سفره من بغداد إلى إيران بطريق خانقين وقصر شيرين إلى أن وصل إلى أنقاض مدينة برسبوليس الإيرانية القديمة، ومن هناك غادر إيران إلى الهند ثم عاد من الهند بحراً ليستقر في مدينة البصرة، وبوصفها اختتم رحلته الثانية هذه.

الخط المسماري
يذكر بكنجهام الخط والكتابات في رحلته أولاً بالإشارة إلى أنه رأى كتابات بالخط المسماري في «تل المجبلي» الذي يصفه بأنه «أركام خرائب تكونت من تقوض الأبنية» يُرجح أنها ترجع إلى الفترة البابلية في العراق، حيث عثر «فيه على قطع من اللبن الصلب عليها كتابات بالخط المسماري أو البابلي».

الخط العربي
يشاهد بكنجهام على برجي سور بغداد الباقيين كتابة مستطيلة طويلة في أعالي هذين البرجين نقشت على نسق الخط العربي القديم، و»تحتل شريطاً عريضاً في الجزء الشمالي من هذين البرجين، وقد خطت بأحسن خط عربي قديم، ويظهر من صفة تلك الكتابة أنها ذات الكتابة التي استنسخها (نيبور) من أحد الأبراج، ويظهر من هذه الكتابة أن الخليفة الناصر هو الذي شيدها في سنة 618 للهجرة أو سنة 1221 للميلاد».
يذهب بكنجهام إلى أنه شاهد على عتبات حوانيت بغداد «خاصية لم ير مثلها في أي مكان آخر»، فيذكر أنه لاحظ في سوق بغداد «وجود شريط من كتابات عربية قديمة تعلو عتبة كل حانوت، وقد حفرت بحروف كبيرة، واعتني بها مثل أي من الكتابات الموجودة في المسجد. ولقد نقشت هذه الكتابات بنسق وانتظام إلى درجة تحمل المرء على الاعتقاد بأنها كانت معاصرة للسوق نفسه، وهو قديم جداً، ولكن هل هذه الكتابات تحمل أسماء الذين اشتغلوا بتلك الحوانيت عند افتتاحها، وهل تضم بعض العبارات المقدسة أو تشير إلى تأريخ تأسيسها؟ إن نظراتنا الخاطفة إليها لم تدعنا نتأكد من ذلك».
يلاحظ بكنجهام كتابات الخط العربي على جوامع بغداد، فيذكر أن مئذنة جامع سوق الغزل تختلف عن مآذن سوريا ومصر، «والسطح الخارجي لهذه المئذنة يحمل دلائل التصدع، لكن الجزء الباقي منه يشير إلى أن بعض أجزائه الأخرى، كانت مزينة بالنقوش العربية المدهشة، وأن إحدى الكتابات التي نقلها نيبور بمساعدة أحد الملالي العرب تبين أن المسجد قد شيد من قبل الخليفة المستنصر سنة 633 للهجرة الموافق لسنة 1235 الميلادية». أما جامع مرجان، الذي لا يبعد كثيراً عن جامع سوق الغزل، نراه يصفه بأنه «مسجد…، فيه آثار مساوية في القدم لآثار جامع الغزل، وواجهته غنية بالنقوش العربية…، وباب مدخله جميل جداً مؤلف من قوس عالٍ ينتهي كل جانب منه بسلسلة من أشرطة فخمة منحوتة نحتاً رائعاً…، وفي أعقاب آخر هذه الأشرطة قائمة كبيرة ذات قطر كاف يمكن اعتبارها عموداً…، وهذه القائمة مخططة بصفة لولبية على امتداد ارتفاعها، وتبدو على الأجزاء البارزة من هذه التخطيطات كتابات ونقوش دقيقة، بذل جهد كبير فيها، كتبت بنسق العصر الذي وجدت فيه. وهناك فيض من الكتابات التي يستطيع أي أمرئ نقلها إذا تهيأ له الوقت اللازم لهذا العمل الذي يتطلب عدة أسابيع على الأقل». و»جامع الرصافة الذي شيده الخليفة أبو جعفر المنصور سنة 143هـ/ 760م، ويعتبر أقدم جامع في جانب الرصافة من بغداد…، وكان يُعرف باسم جامع القصر، ثم أطلق عليه اسم جامع الخليفة فجامع الخلفاء، أما مئذنته الشهيرة التي لا تزال قائمة فقد شيدت سنة 678هـ/ 1279م»
يواصل بكنجهام حديثه في موضع آخر عن كتابات عربية بالخط العربي بحروف مستقيمة، وحروف فارسية متعرجة، بجامع الخاصكي ببغداد، فيقول إن «البناء الظاهر داخل المسجد يبدو أنه من تاريخ متأخر كثيراً عن أصل البناء، فهو لم يكن بسيطاً فحسب بل ضعيفاً، ولو أنه يضمّ بعض الكتابات العربية بحروف حسنة بارزة أحدها بالخط الفارسي المتقطع المائل». أما جامع الميدان ببغداد «الذي أضيفت إليه في الآونة الأخيرة زخارف كثيرة، والذي يحتفظ بقبة ومنارة جميلتين زخرفتا بالقاشي الملون والكتابات.»
يلتفت بكنجهام كذلك إلى الخط العربي المكتوب على قباب بغداد، فيشير إلى أن «قباب بغداد ذات مسحة فارسية، والفرق بينها وبين قباب تركيا وسوريا من حيث الهيئة والطراز كان أولى الصفات المميزة التي استرعت انتباهي عند دخولي المدينة. وهنالك قبتان أو ثلاث مسطحة وغير مزخرفة لا أهمية لها، ولكن القباب الرئيسة جميعها عالية وضيقة وارتفاعها يزيد على طول قطرها بنحو النصف، وهي غنية بالزخرفة بالكاشي المزجج والرسوم، أما الألوان السائدة فهي الأبيض والأخضر، وبعض الكتابات التي تطوق قاعدة القبة هي الأخرى مزخرفة على هذا النمط».
ينتبه بكنجهام إلى الخط العربي المكتوب على ما يشيع أنه مرقد السيدة زبيدة زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد. «هذا القبر الذي يقع وسط مقبرة واسعة من قاعدة مثمنة الزوايا ذات طنف تقوم في المقدمة…، ويكون الدخول من السقيفة الخارجية إلى الضريح ذاته، أو إلى القاعدة المثمنة الزوايا عبر ممشى يغطيه سقف معقود، وترى فوقه كتابات حديثة مؤرخة في سنة 1131 للهجرة. ولقد استنسخ نيبور تلك الكتابات، وذكر عنها أن في تلك السنة ذاتها دفن حسن باشا، إلى جانب زبيدة الشهيرة، زوجته المتوفاة عائشة وهي ابنة رجل يدعى مصطفى باشا، وأنه قام في هذه المناسبة بإصلاح البناء كما شيد إلى جانبه بعض المرافق للدراويش أو الجوالين الفقراء والمتمسكين بإيمانهم تمسكاً صحيحاً…، وتقوم قبالة باب المدخل كتابة عربية خطت في شكل نقوش على القاشي، وهذه الكتابة ليست كاملة بسبب اختفاء عدد من قطع القاشي التي دونت عليه».
يهدي أحد دراويش بغداد إلى بكنجهام نسخة من القرآن الكريم، والتي سرقها منه بعض المسافرين معه في القافلة التي كان يسافر برفقتها في البادية، فيذكر أن «هذا القرآن في أصغر حجم يمكن أن يكون فيه، ومع ذلك كانت قراءته ممكنة لأنه كتب بخط جيد».

 

 

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *