النصّ الإبداعي كينونة ذاتية

النصّ الإبداعي كينونة ذاتية
آخر تحديث:

د. رسول محمَّد رسول

 في الكتابة الإبداعية المتخيَّلة، لا تنتظر مجرَّد معنى يريد الكاتب إيصاله إليك، بوصفك القارئ لنصَّه صدفة، بل عليك أن تتبيَّن ما يضوع به نصه من أريج دلالي عاطر؛ فكل كتابة تضوع شذى هي كتابة تحمل شعريتها الإبداعية كمُرسَلٍ يتلألأ مجداً، شعريتها التي هي مصيرها ومآلها وخاصيَّة وجودها الأصيل ككتابة إبداعية إنسانية. هذا النَّمط من الكتابة الجمالية المتوثبة، غالباً ما يجتلب قارئاً لا يبحث فقط عن المعنى المعجمي للكلمات، فذلك دون شعرية القول السردي الإبداعي، ولا فقط عن المعاني المباشرة فيها، فذلك محض وجود غُفل، إنّما لا بد أن يبحث عن ظلال تلك المعاني وقد أقامت بين طبقات دلالاتها الإبداعية. يبحث القارئ الموعود عن ذلك في ما يريد قوله نص الكتابة والكاتب كما لو كان عطراً غير مرئي، لكنَه العطر المضاع الذي يمكن إدراكه وتفكُّره بذائقة جمالية، فضلاً عن الشعور العميق بجذوته في النَّفس حال ملاقاة القارئ له، وبالتالي تضاعيف ذلك في مخياله. إن الكتابة التي لا تجعلك تشعر بكل زهوها الدلالي الشعري، لا تجعلك كقارئ تشمُّ عطر كونها الجمالي، لا يمكن أن تؤتمن شعريتها الكتابية المأمولة، فكاتبها لا يعدو أن يكون منشئ نص معجمي، بل مجرَّد كاتب يرصف كلمات تحت خط الإبداع أو دون شعرية القول الجمالي.

 كل كتابة إبداعية، ومهما كانت تتمتع بالكفاءة والأصالة، تراها تُصمت في كينونتها بعض أفكار ودلالات ومعان، تواري بعض مسكوت عنه يفوت ذكره من دون حتى دراية الكاتب به، وتلك مراوغة العطاء الكتابي الإبداعي؛ ذلك أنَّ الكتابة الإبداعية هي دائماً كتابة نزقة، كتابة تلتذ بالإضمار والإسكات بقدر تمتُّعها بالإفصاح والبيان والرغبة في البوح والكلام والتشارك مع الغير. وكل ذلك يعني أن النَّص المقروء لا يعُطيك نفسه دفعة واحدة، وذلك مزاج الكاتب ولعبته في إنتاج الدلالة، بل يريد منك، وأنتَ القارئ المأمول له، أنْ تصول مع صولته التي له، أنْ تملأ فجواته، أنْ تكتب بياضاته، أنْ تُكمل نواقصه، أنْ تعيد له قوامه المنفلت عنه، أنْ تتحرّى المسكوت عنه فيه، أنْ تغوص إلى عمقه؛ إلى أعماقه التي هناك، أليسَ من «تأمَّل الأعمق، أحب الأكثر حيوية»، كما قال هولدرلن في أناشيده الشِّعرية؟ وبالتالي، أليست «اللآلئ توجد في الأعماق»، كما قال نيتشه؟ ففي الأعماق والأعمق توجد منابع رياض العطر وبؤر شذوات.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *