الواقع الذي يصنعه الأدب

الواقع الذي يصنعه الأدب
آخر تحديث:

 بغداد/شبكة أخبار العراق- ياسين طه حافظ ..ما دامت الحياة مستمرة، فثمة واقع متغير. وما دام هناك بشر بمستويات من الكمال البايولوجي ومستويات من الثقافة، إذن هناك تحسس وإدراك مختلفان. لكن ديمومة الحياة تقابلها محدودية الأعمار. هذا يعني انتقال التجارب هو البديل عن استمرارها. التراكم هنا خارج الذات. الانقطاعات دائما ما تحصل ونحن نتعامل أو نتعايش مع محصلة التجربة الفردية ومحصلة مجموع التجارب.هذا فن الحياة كلها، تصنيفا أو كتابة أو خبرات مع اليابسة والبحار.. ما يعنينا هنا هو فن الكتابة والتجارب المتتالية من ممارسة فن التعبير، التفنن في التعبير هو الذي تطور إلى فن الأدب، وهذا بدوره أفرز تجارب أدبية امتازت بالنضج في حينها وبالتقدم على الموروث والسائد ولولا امتيازها وتقدمها لما كانت ضرورية يُحتفى بها ولما برزت ووصلتنا. من هذه المحطات هي “الواقعية”. سأتوقف عندها لأنها أهم المحطات قبل الحداثوية، بما تضمنته من (واقعيات) أيضاً.. نحن حتى الآن نراها الأهم والأرسخ وحاجتنا إليها لا تزال قائمة.
اسم الواقعية هو الذي أربك فهمها. فارتباطها بالواقع يعني تصويره أو التعبير عنه أو من خلاله. لكننا هنا نواجه تضليلا كبيرا. فان أحدا يستحيل عليه، مهما تكامل وتمكن من أن يكشف الواقع. هو لا يحق له أن يقول باكتمال الرؤية أو حتى بصوابها. فبصره ليس بالقوة الكافية ولا سمعه ولا ذائقته ولا إدراكه. كل هذه مختلفة النسب بين كاتب وآخر، ما أراه أنا ليس تماما ما تراه أنت. وملمس هذه القطعة عندي غيره عندك ورؤيتي لما وراءها تقرره ثقافتي، التي هي دون أو فوق ثقافتك. هي إذن رؤى مختلفة. وبهذا يبقى الواقع واقعا وتبقى لنا صور بدرجات من التشويه عن الواقع.حتى الآن نحن محايدون وضمن النيات الطيبة. لم يتدخل الفن بعد. الكتابة لعب آخر في التقديم والتأخير، في الكشف والتعمية، وفي الإضافات التي يحتاج اليها فننا الشخصي، أسلوبنا والأفكار والسايكولوجيا. من هو الواقعي؟ لا أحد يعلم، لا من الناس العاديين ولا من الساردين ولا من الشعراء ولا ممن يرسم وينحت. كل ما ينجزه هؤلاء (الواقعيون) ليس واقعا. هم يعرضون درجات من الواقع، صورا منه رؤوها هم. كل رأى واقعا تمكن منه.بعد اكتمال العمل، يمكن أن نفرز واقع هذا وواقع هذا، ونحن ندرك ضمنا تدخل الحس الشخصي والفلسفة والاجتهادات الفنية. كلٌّ قدم حال الإنسان أو المدينة أو البحر أو الزمن في تلك الساعة وذلك اليوم، كما هو رآه.لكن في هذا تزويراً كثيراً. فيه تفاصيل أضافها الفن والانفعال. وفيه أحداث مصطنعة وفيه زخارف وإضافات. الواقع الذي أردنا التعبير عنه صار الواقع الذي أردناه نحن بحواسنا نحن واحتياجاتنا نحن وبفعلنا الشخصي واستجاباتنا.يبقى أن نسأل، هل كان الفن في السرد أو في الشعر والفنون، متفضلا كريماً، بأن صنع واقعاً آخر مختلفا، أو عدّل في واقعنا؟ هل كان هناك مسعى لتقديم واقع أفضل يريحنا من الواقع الصعب أو الخام؟ هل يصنع الأدب فسحة للراحة نحتاج اليها؟إذن، يكون الفن صانع حياة مختارة ضمن الحياة الكبيرة. ونحن كثيراً ما نهرب من حياتنا لنقرأ، أو لنرى، بل أن نعيش حياة أخرى!

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *