روسيا لن تنتظر الجهاديين في شوارع موسكو

روسيا لن تنتظر الجهاديين في شوارع موسكو
آخر تحديث:

 

  حسين الخزاعي 

عام 1979 اجتاحت جيوش الاتحاد السوفيتي افغانستان وفي نفس السنة فقدت الولايات المتحدة اكبر عمق استراتيجي لها في اواخر سنين الحرب الباردة حين انتصرت الثورة الاسلامية في ايران ، ولم تعد امريكا تستند على نظام الدعامتين ( ايران ، السعودية ) بل بقيت تتعكز على الدعامة المتبقية في المنطقة وهي نظام ال سعود .

 

عمدت الولايات المتحدة وقتذاك بصورة طارئة الى اجراءات اقرب ماتكون الى تصرفات رجل الغرب ( الكاوبوي ). فقد استبدل الرئيس العراقي احمد حسن البكر بشكل مفاجئ بصدام حسين ليخوض حربا ضروس على طول الحدود العراقية الايرانية استمرت لثمان سنوات دمر فيها الاقتصاد العراقي بشكل مؤثر ولم يجني منها العراق غير الويلات والاهات ومئات الالاف من الارامل والايتام ، كما قام صدام بضرب المعارضة العراقية الشيعية المؤيدة لثورة الامام الخميني ، والتي تمثلت بحزب الدعوة الاسلامية ، واعدم قائدها الامام محمد باقر الصدر ، كل ذلك ارضاءا لاهداف ورغبات الولايات المتحدة في استرجاع دعامتها المفقودة ( ايران ) التي كانت تمتد بعمقها الاستراتيجي من بحيرة ارمينيا شمالا الى مضيق هرمز جنوبا.

 

اما الاجراء الاخر الذي اتخذته الولايات المتحدة فهو الدفع بمشروع الجهاديين الى افغانستان لخوض المعركة ضد ماسمي ب( الغزو الروسي لبلاد الاسلام ) وذلك بمساعدة دعامتها المتبقية في الشرق الاوسط ( السعودية ) وبمعونة المخابرات الباكستانية .

 

افضت هذه الخطوة الامريكية الى ولادة التنظيمات الجهادية المعروفة كطالبان وتنظيم القاعدة والذي ولد من رحمه باقي الحركات الجهادية المتطرفة وبضمنها تنظيم داعش حاليا .

 

ان عالمية الجهاد الذي يتبناه تنظيم القاعدة في افغانستان جعلها تؤسس لمجاميع جهادية تتجاوز الحدود لمحاربة (العدو البعيد) المتمثل بما يسمى الانظمة الصليبية التي تحارب الاسلام كامريكا وروسيا واسرائيل وبريطانية ..وغيرها.

 

لم ينجو الروس من استهداف الجهاديين لهم حتى بعد انسحابهم من افغانستان عام 1989 ، فقد كانوا ضمن قائمة العدو البعيد في حسابات القاعدة ، وقد قامت القاعدة بدفع جهادييها من القفقاز واسيا الوسطى لانشاء بؤر وخلايا جهادية هناك خصوصا في داغستان والشيشان وجبال اوزبكستان ، وخاضت هذه المجاميع الكثير من المعارك ونفذت عدة عمليات اقلقت الدب الروسي آنذاك .

 

لقد عرف عن الشيشانيين في تنظيم القاعدة الشراسة الشديدة في القتال وخصوصا في التضاريس الصعبة ، ولقد تطور عمل تلك المجاميع الجهادية الى حد تنفيذ عدة عمليات ارهابية داخل موسكو كان من اشهرها عملية الرهائن في مسرح (بلشوي) .

 

لقد عالجت القوات الامنية الروسية بخبرتها المعهودة ودهائها موضوع تنظيم القاعدة في اراضيها بعدة فعاليات كان اهمها هو تصفية القيادات الجهادية والمعارضة اما بقصف صاروخي دقيق او بالقتل بالسم او بوسائل اغتيال اخرى وقد شملت المع قيادات التنظيمات الجهادية والمعارضيين امثال خطاب الذي اغتيل بالسم عام 2002 ، واصلان مسخادوف عام 2005 ، وشامل باسييف عام 2006 ، ولم يسلم من الاغتيال حتى الرئيس الاسبق للشيشان سليم خان ياندربييف ، والذي اغتيل في دولة قطر عام 2004.

 

أحسب ان روسيا لاتستطيع ان تخفي قلقها اكثر من ذلك خوفا من تكرار التجربة المرة في تسعيينيات القرن الماضي وبداية الالفية الثانية ، حينما ذهب الشيشانيون والجهاديون من اسيا الوسطى والمتكلمين باللغة الروسية الى افغانستان ليتعلموا فنون القتال والتمرس على عمليات التفخيخ والتفجير والانتحار ، ليعودوا باحزمتهم الناسفة ، وليقودودوا العمليات الارهابية ضد الجيش والشعب الروسي ، فالمعلومات تفيد بأن الجهاديين الشيشان والروس الان في سوريا والعراق قد تجاوز ال3 الاف مقاتل ، وان اغلب قياداتهم قد خدم في الجيش الروسي بصفة

 

ضابط او رقيب كابي عمر الشيشاني القائد الميداني المعروف في داعش والموجود حاليا في سوريا .

 

ان استذكار شريط الاحداث منذ عام 1989 ولحد الان ينبئنا بأن اللعبة في احداث افغانستان هي ذات اللعبة في احداث سوريا والعراق حاليا مع اختلاف طفيف في اللاعبين ، فدور السعودية وقطر واضح جدا في دعم المقاتليين الجهاديين وغيرهم فكريا وماديا ودفعهم الى سوريا والعراق ، ودرو تركيا هو دور المعونة الحدودية الذي كانت تلعبه باكستان ايام الجهاد الافغاني ضد الروس ، ولاتزال امريكا تلعب دور المشرف العام والحامي لهذا المشروع الذي يبدو ظاهره تغير بشار الاسد ونشر الديمقراطية في سوريا وباطنه تقزيم دور ايران وروسيا الاستراتيجي والجيوبولتيكي في تلك البقعة الجغرافية من العالم ، وحماية اسرائيل من خلال تنفيذ مخططها المعروف ب ( النطاق النظيف ) والذي يقضي بالقضاء على اقوى ثلاث جيوش في المنطقة وهي العراق وسوريا ومصر .

 

يتبين مما سبق ان روسيا ستلعب دورا كبيرا في مكافحة الارهاب وحماية حكومة بشار الاسد واستعادة قوة الجيش السوري المنهك ، كما ان مشاركتها بقصف اهداف داعش وخصوصا تجمعات المقاتلين الروس والشيشان ستكون مؤثرة جدا ، وسوف لن تنتظر الجهاديين حتى يدخلوا شوارع موسكو ليمارسوا عمليات الاثخان والدموية ، كما ان موسكو ستشن حربا سياسية معلنة ضد دول الخليج بخاصة السعودية وقطر التي تعتبرها داعمة للارهاب تمويلا وفكرا ، خاصة ان هذه البلدان تنشط فيها مدارس التكفير والسلفية الجهادية .

 

على العراق ان يستثمر وبقوة القرار الروسي في مجال المشاركة الفاعلة في مكافحة الارهاب ، وعليه ان يضع استراتيجية واضحة للتعامل مع روسيا وايران وسوريا ( دول الممانعة ) في هذا المجال وخصوصا في مجال تبادل المعلومات حول الارهابيين الاجانب ( اسماء ، صور ، ومناصب ) وفي مجال تقديم احداثيات الاهداف الحيوية كمقرات القيادة والسيطرة والمواقع الحيوية ومراكز الاتصال لداعش ، ليقوم الجانب الاخر بقصفها وتدميرها .

 

كما يجب على العراق ان يستثمر هذا الانفتاح لعقد صفقات التسليح مع الروس وخصوصا في مجال الطائرات الحربية ، والذخيرة ، والصواريخ الخارقة

 

للدروع وادوات كشف الالغام والمواقع المفخخة وباقي لوازم المعركة ضد داعش.

 

ان تمدد داعش وانتشار خطره عالميا جعل من التعاون الدولي في مجال مكافحة الارهاب ضرورة ملحة جدا ، كما ان العالم اخذ يدرك جليا بأن العراق يمثل الجبهة الاولى والمصد الاول للمعركة ضد هذا التنظيم السرطاني الخطير ، ولذلك اخذ يستجيب لاي طلب صدر من العراق في هذا الصدد.

 

ان من مصلحة موسكو الان ان تقاتل ابنائها المتمردين على ارض ثالثة ولاتنتظرهم في شوارع موسكو ، وهذا سيدفعهم بقوة الى التعاون في مجال تسليح القوات العراقية ، وخصوصا ان المضلة الدولية مستجيبة للتعاون في مجال مكافحة الارهاب .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *