سيرة عنتر بن شداد في سردية التشكيل العربي

سيرة عنتر بن شداد في سردية التشكيل العربي
آخر تحديث:

حميدة الطيلوش
كاتب تونسي
لعل سيرة عنترة هي الأكثر شهرة ومكانة والتي أضفي عليها الخيال الشعبي الكثير من التغيير والتبديل والمبالغة موليا بذلك أهمية للمغزى في تلك السيرة أو غيرها أكثر من الحقيقة التاريخية بحرفيتها. إن تلك السيرة التي صوّرت الأبطال وشجاعتهم قد ألهبت خيال الرسام الشعبي بنفس الدرجة التي أثرت فيه على ما كان يستمع إليها أو يقرؤها لهذا فقد جاءت لوحات هؤلاء الرسامين استجابة لهذا الحماس الشعبي.
فانفعل الرسام الشعبي بتلك السير وتأثر بأبطالها الذين يشكلون نموذجا يتحدا من حيث الشجاعة والمروءة والأخلاق.وثمة إجماع في المخيال العربي على عنترة البطل الملحمي الجاهلي، الذي بالرغم من أنه لم يكن يدافع لا عن الأمة ولا عن الدين، بل عن قبيلته وحقه في التقدير، وطلب الاعتراف بالذات والجدارة والكينونة وتحقيق الذات، فإنه مثّل في الوجدان الجمعي مثال الحرية والفروسية والبطولة والشهامة والكرامة، والنبل الإنساني، فيما يتعدى اللون والجنس والأصل والفصل، والحسب والنسب.
فتناول الرسام الشعبي «أبو صبحي التيناوي» و «رفيق شرف»، سيرة عنترة باعتبارها رمزًا للبطولة والفروسية والإخلاص في الحب، ورفض العبودية والعنصرية والسعي وراء العدالة الاجتماعية والمساواة وتحقيق الذات.
يظهر عنترة في أعمال أبو الصبحي التيناوي فارس أسود اللون يركب دائماً جواده الأبجر بالزي الميداني والشارب الطويل. و معه الرماح و النبال والخناجر يضرب بسيفه عدوه عبد زنجير، وأحيانًا وهو يصارع ملك الجان، أو يقطع برمحه رأس الثعبان (رمز الشر). إلى جانب هذه الرسوم يسجل الرسام ألقاب عنترة وأسماء مرافقيه «عنترة أبو الفوارس، عبلة، شيبوب..إلخ»، وتُزين اللوحة بشيء من شعره (من الرجال سلاسل وقيود وكذا النساء خلاخل وعقود).
و تبدو عبلة، في هذه الرسوم امرأة جميلة، مزدانة بالحلي والعقود، متألقة بالزي البدوي، تارة تظهر على حصان، وتارة على جمل داخل هودجها. وتظهر في بعض الرسوم كأنها رمز الأنوثة حاملة بيدها تفاحة حواء، وفي البعض الآخر رمز للمحبة والصداقة تقدم لزبيدة زوجة هارون الرشيد (…) باقة من الزهور، إلى جانبها يُكتب «عبلة ابنة مالك» وأسماء الصحابة والمرافقين.
أما عنترة وعبلة في رسم واحد، فيظهران وكأنهما في عرس، هو على الحصان وهي في الهودج، ومعهما مرافقون وخلفهما رموز شعبية «أفعى، نخيل، كف، أسد، طيور، زهور…».. إلخ.
ولعل الفنان الشعبي «أبو صبحي التيناوي» أسس لنفسه مدرسة فنية بحسه الفطري والعفوي كانت إلهاما لغيره من الفنانين جعل من الكتابة التوضيحية لشرح أسماء أبطاله وشخوصه بجانب الشخصية وربما مع بعض الأخطاء الإملائية كل ذلك كان احد سمات تلك المدرسة الفنية التي تحمل بصمات أبو صبحي التيناوي.
اما الفنان اللبناني «رفيق شرف» فقد اقام ثلاثة معارض أقامها بعد عام 1967. ففي عودة «رفيق شرف» إلى الرسوم الشعبية، عودة إلى الذاكرة التشكيلية الشعبية العربية بروحية البحث عن قيم جديدة للوحة العربية المعاصرة، حتى إنه في لوحات الأيقونة البيزنطية أو غير البيزنطية كان ينطلق من إشارات عرفها في طفولته محاولا مد اللوحة العربية بعناصر وروح جديدة. فاتخذ سيرة «عنترة» موضوعا لأعماله التشكيلية المتنوعة، برؤية حداثوية جديدة. تعالج في لوحات زيتية رائعة، وكانت مرحلة من أهم المحطات الفنية التي مر بها، وهذه المرحلة الفنية عرفت بمرحلة «عنترة وعبلة»، أو مرحلة الفن الشعبي عند شرف. وقد حافظ الفنان في هذه التجربة على بعض الخصائص التي إمتاز بها التصوير الشعبي، فأهمل المنظور والتشريح، وضخّم من طول الشنب، وأبقى على حاجبي الوجه يتصل كل منهما بالآخر وكبّر العينين، وأبرز العناصر الرئيسية في اللوحة، إلا أنه ألغى المصطلحات الطبيعية والزخرفية والكتابة على خلفية العمل.
أعماله في هذا المجال، كانت رمزية تعبيرية، فيها تقنية عالية، ومعالجة لونية حديثة. لقد نقل الفنان شرف الموضوع التراثي «سيرة عنترة» إلى مستوى العمل الفني التشكيلي الحديث العالمي. و يقول شرف: «استلهمت من التراث ما يفيد تشكيليًا، هادفًا في الوقت نفسه إلى إحياء روح الكرامة والبطولة في الإنسان العربي المهزوم بعد حرب يونيو عام 1967… أنا ملتزم في إطار استلهام التراث حتى الآن. إلتزام بمعنى الشعور بأهمية تراثنا والبحث التشكيلي فيه، وهو من جانب آخر التزام بأصالة الروح وتاريخها وحضارتها، إنه بالنسبة إلي التزام ذاتي».
فرسم «رفيق شرف» «عنترة»، رمز للبطولة، والشجاعة، والإخلاص، والحب، والصدق، والشهامة، بصحبة «عبلة» امرأة جميلة، مزدانة بالحلي والعقود، متألقة بالزى البدوي ، أما عنترة فيظهر في هذه الرسوم فارسا يمتطي دائما ظهر جواده «الأبجر»، ويظهر بالزي الميداني، والشارب الطويل، مجهزا بالنبال والرماح والخناجر، حاملاً بيده رمحه، ومنطلقًا نحو الهدف.
ولا ننسى الحصان فهو حاضر باعتباره عنصرا تشكيليا أولا و جزءا من حركية المشهد في السيرة ثانيا، و يعتبر الحصان رمزا هاما في الفكر الأسطوري، فليس من الاعتباط أن يوظفه «رفيق شرف».

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *