عندما توقف الزمن

عندما توقف الزمن
آخر تحديث:

أمجد ياسين

يصعب في كثير من الأحيان إعطاء تصور واضح عن حال الثقافة في العراق، رغم تسارع رتمها وتشعب طرقها وقلة صناعها. واذا ما اعتبرنا الزمن باعثا للحركة وانتقال الأشياء من حال لآخر، فإن زمننا هذا على مايبدو قد توقف عند حدود الضجيج الذي علا صوته منذ ثمانينيات القرن الماضي وازداد حد الصمم بعد التغيير في العام 2003، فانقطعت صلة المثقف الذي يستمد طاقته من تفاعل الأشياء المحيطة به والزمن من أهمها. صورة واقعنا هذه تثير الفضول والحسرة في آن معا، الفضول في معرفة أين ستصل بنا هذه الموجة المرتفعة عن تقديرات وطموحات اكبر المتشائمين، والحسرة على ما ستؤول اليه الامور اذا ما استمر الحال على ما هو عليه اليوم.. هذه الصورة المحملة بفائض من اشارات اليأس، تنعكس بالتأكيد على المثقف، الذي لايمتلك في ظل هذه الظروف مشروعا أدبيا واضحا، فتراه يقفز من جنس أدبي لآخر، او يجير مقالاته في كثير من الأحيان لذكر تجربته عادا اياها فلترا ومقياسا للاخرين، فضلا عن ان هذه الصورة لا تحمل لنا اية قصة واعية تحيط بظروفها، يكتبها المثقف بروح الناقد الهادف وليس بروح السخرية من كل شيء، جميل ان نسخر من واقعنا ولكن علينا ان نقدم ملامح حل على الاقل. لقد اصبح مثقفنا وقد أدمن هذا الغذاء المجتمعي المركب من خسارات وانهزامات داخلية تبعث على الخدر غير قادر على خلق زمنه الخاص. بالتأكيد لانعدم بعض الأسماء الثقافية التي تعي فخ المشكلة.  ان الكاتب وكما يقول رولان بارت «فريسة وحيه الداخلي الذي يتحدث في كل الاوقات دون ان يهتم». ان صور الانفجارات والقلق المجتمعي و اضطراب الحكومة سياسيا وامنيا وشيوع الفساد وتفشي المحاصصة وتنازل الكثير من اقلام الثقافة عن ممارسة دورها الحقيقي، بعد ان نالت الحاجة والخوف والتراجع الى صالح المجاملة واليأس من تصحيح ما حوله فضلا عن غياب صورة واضحة تعمل عليها المؤسسات او الدولة.. كل هذه الصور الشاخصة امام المثقف وابشع منها في مخيلته التي تسعى للهروب من واقعها نحو خلاصها، في تطهير لذاتها عن كل ما يحيط بها من لوثات ثقافية ومجتمعية وسياسية، هي من تحدد شكل وقيمة ما يكتبه. فالضجيج الذي يحيطنا انسحب على ثقافتنا وسلوكنا، ولعلنا نلمس الكثير من الصخب في الغناء مثلا، فبات مطربونا يبدؤون أغانيهم بصوت عال (الجواب) بدلا من الاستهلال الهادئ كما هو الحال في طبيعة الأغنية العراقية. الحال لا يختلف عند التشكيل الذي مال الى التجريد والتجريد المفرط احيانا، فانتفت ملامح الواقعية فيه لتحل محلها ملامح شبه مشوهة، هي بالنهاية فيض من سديم محمل بغبار وغازات ودخان الحروب. في القصة والرواية لا يختلف الحال كثيرا فقد شكلت حرب الثمانينيات الكثير من مضمونها وطاقتها الخلاقة.. وازدادت كتب السير ذاتية. حتى جائزتنا «فرنكشتاين في بغداد» كان فرنكشتاين، وحشنا، صورتنا، التي  جابت شوارع بغداد، هي هاجس وحركة بدأت عندما توقف الزمن.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *