كل عام والعراق في انتظار

كل عام والعراق في انتظار
آخر تحديث:

بقلم:ابراهيم الزبيدي

ينصحنا الخيرون أصحابُ النوايا الحسنة، دائما، بالنظر إلى نصف الكأس المتليء لا إلى نصفه الفارغ. بمعنى أن نتفاءل بالخير عسى أن نجده.ولكن ما العمل إذا كان الواقع المفروض بقوة السلاح والمال والعمالة للأجنبي لا يسمح بهذا التفاؤل للمواطن الذي خلقه الله في العراق في هذا الزمن الرديء، وجَعَل كل من يُحسن الظن بالقشرة السياسية الطفيلية الحاكمة ساذجاً وغافلا وفيه مسٌ من جنون؟.

فلم يعد أمام العراقي، اليوم، في أعقاب انتفاضة تشرين وشهدائها وجرحاها ومُغيَّبيها، سوى أن يختار السيء أو الأسوأ، فقط لا غير.والآن ندخل إلى مسألة مقتدى بنسخته الجديدة، ونتأمل ونتعمق لنقرر ونختار.إن سجله في (الجهاد) المليشياوي طويل وعريق في المشاركة الفاعلة، على مدى ثماني عشرة سنة، في جميع الحكومات والتكتلات والائتلافات الطائفية الانتهازية الابتزازية التي صنعت هذا الواقع المر.  وعليه فإن من الصعب الثقة في وعوده، والأصعب هو الاقتناع بأنه قادر على تنفيذها قبل أن يغامر ويغادر الخيمة الإيرانية الحاكمة، ثم يخوض معها حروب تقطيع أذرعها في العراق، وتكون هي مرغمة، وقابلة ببدء رحيلها عن العراق على يديه.

ولأن مقتدى عوّدنا على تقلباته وتراجعاته المفاجئة فإن من العجلة، وفي العجلة الندامة، أن نُسلّم بأنه رجل المرحلة الصادق القادر على تحرير الملاييين العراقية من ظلم المليشيات وفسادها وتعدياتها التي لا تنتهي.ومن الفطنة والحكمة والشطارة أن يظن العراقيون، وليس في هذا الظن إثم، أن يكون مقتدى شريكا في لعبة إيرانية جديدة تستوجب تغيير قشور اللعبة السياسية، من باب الاحتياط، وبحكم الضرورة.

فهي تعلم جيداً بأن أية انتفاضة شعبية وطنية عراقية جديدة، هذه المرة، لابد أن تكون أعظم وأوسع وأعمق وأقدر على إرباك حساباتها، وإلحاق أضرار كبيرة وعميقة بوجودها، حتى لو تمكنت من قمعها بنار الحرس الثوي وحديد المليشيات.

ولهذا، والحالة هذه، فإنها لم تعد ترى مانعاً في تقليم أظافر مليشياتها، وتسهيل صعود مقتدى إلى سدة رئاسة البيت السياسي الشيعي، من باب التقية، ولمعاقبة جماعات الإطار التنسيقي التي ألحقت بها أضرارا خطيرة لا تتحمل أوزارها، ومنها انتفاضة تشرين التي تجرأت فأحرقت قنصلياتها، ومزقت صور إمامها الخميني ووليِّها الفقيه وقاسم سليماني، وصاحت بصوت واحد (إيران بره بره).

وفي هذه المرحلة من حرصها على عدم خسارة العراق ليس أمامها أقدر من مقتدى على تبريد قلوب العراقيين الغاضبين، أربع سنوات قادمة، بوعود ستسمح له بالوفاء ببعضها، فيعاقب بعض صغار الفاسدين، ويسحب بعض سلاح الفصائل (الوقحة)، ويغربل أوضاع الحشد الشعبي، ويعيد ربطه بالقائد العام للقوات المسلحة الذي لن يكون إلا صدريا، أو ملحقا بالتيار الصدري، الأمر الذي سيُبقي الخيوط كلها تحت تصرف قادئد فيلق القدس المكلف بالملف العراقي، اسماعيل قاءاني نفسه، بلا حروب، ولا انتفاضات، ولا هزائم في قادم الانتخابات.

فبدون أي شك، لن تكون الحكومة القادمة، في أفضل حالاتها، إلا حكومة محاصصة من نوع مُحسَّن ينال فيها (الإطاريون) حصصهم المقررة، بمشاركة الائتلافيْن السنييْن الباقييْن في نفس مقعديهما تحت خيمة الولي الفقيه، دون تغيير ولا تبديل. والحال ذاتُه، مع الحزبين الكرديين، المتخادمَيْن مع النظام الإيراني من قَبلِ الغزو الأمريكي للعراق بسنين طويلة، ومن أيام المعارضة السابقة.

وقد ذكّرَنا بهذه الحقيقة المدعو نوري المالكي، أخيرا، حين تحدث عن تحالف مسعود البارزاني مع حزب الدعوة وباقي التنظيمات المسلحة العراقية التي أنشأتها إيران منذ أوائل الثمانينيات. فقد علق على زيارته الأخيرة لأربيل، فقال، “علاقتي بالحزب الديمقراطي الكردستاني والأخ مسعود بارزاني علاقة قديمة تعود للثمانينات، عندما كنا مجاهدين معاً في الجبال والكهوف. علاقتي قديمة بهم، ومن الطبيعي جداً أن أزوره”.

إذن، فحكومة الأغلبية الوطنية التي أرادها مقتدى (لا شرقية ولا غربية) لن تكون إلا حكومة شراكة بين التيار الصدري وأحدِ الائتلافين السنييْن، والحزبين الكرديين. وسوف تكتمل الطبخة بالموافقة على تنصيب هوشيار زيباري، أو فؤاد حسين، رئيسا الجمهورية، ليصبح مسعود البارزاني،  الرئاستين.

بمعنى آخر، سيبقى الوضع العراقي رهين البيوت الطائفية والعنصرية الثلاثة، كما زرعها الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، بيت شيعي، وبيت سني، وبيت كردي، ولكن بقيادة صدرية جديدة لا تمس المقدس الذي لا يمسّه حتى المُطهَّرون.

وعليه، فمن الآن وحتى العام 2025، لن تكون هناك انتفاضة، ما دام العهد الجديد هو عهد التحرر من الاحتلال، ومحاربة الفساد، ولجم سلاح الفصائل، وتحقيق العدالة والبناء والرخاء، ولكن بالمماطلة والتسويف، على طريقة المتنبي الذي قال، (أنا الغنيُّ وأموالي المواعيدُ).

فلن يعود المهجَّرون، ولا المغيَّبون، ولن يطلق سراح  نزلاء السجون السرية، ولن يحاكم المسؤول الأول عن مجزرة سبايكر، واحتلال الموصل، وهروب الجيش من المواجهة مع داعش، وعن بعثرته المال العام، مزاجيا وبحسابات شخصية خالصة، واحتفاظه بملفات خيانة وفساد حقيقية أو ملفقة، وعدم تسليمها للقضاء واستخدامها فقط لتسقيط خصومه السياسيين، وعن رعايته للآلاف من أصحاب الشهادات المزورة، ثم رفضه استرجاع الأموال المختلسة التي حصلوا عليها بتلك الشهادات، وعن جعله العراق حديقةً خلفية لإيران تتصرف بها كما تشاء فتنشيء الميليشيات وتسلح العصابات وتفتعل الحرائق وتفجر المراقد الشيعية والسنية لإحداث الفتنة وتعميق العداوات بين مكونات الشعب العراقي، وعن مارسة عصاباته شتى أنواع الانتهاكات الفظيعة على الهوية في سجونه ومعتقلاته، ثم عن قيام  وزارة (عدله)، باعتراف وزيرها نفسه، بتهريب أعداد من عُتاة قادة القاعدة وداعش من سجن أبي غريب، وتسهيل عبورهم إلى سوريا، وعن عشراتٍ غيرِها من جرائم لن يكون وطنيا ولا شريفا من سيملك القدرة على محاكمته، غداً، ولا يفعل.أما الذي لديه رأي آخر مخالف فلليقُلْه وليُذكرْنا، فإن الذكرى تنفع العراقيين

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *