لوحات سنان حسين أنموذجا لمدونات روحية

لوحات سنان حسين أنموذجا لمدونات روحية
آخر تحديث:

 بغداد/شبكة اخبار العراق- يسعى الفنان العراقي  سنان حسين المقيم في أميركا إلى تجديد خطاب العمل الفني ضمن فضاء خيالي يجمع فيه وحداته البصرية، وخاصة الكائنات الآدمية والحيوانية بصيغ متعالية ومستندة لنزعة ذاتية، ليترشح عن كل ذلك  خطاب العمل التشكيلي الجديد الداعي للأخذ  بثمار فكرة معينة مفادها عدم الاستقرار عند الإنسان أولا وثانيا خلق نوع من التحاور الغيبي الداعي لمكاشفات معنى الروح، وبالتأكيد ليست هذه بفكرة مثالية بقدر ما هي هاجس يحدد لنا مسار الوجهة التي يريدها سنان في تلك الأعمال.

ومن يتأمل لوحاته يجد أنها تظهر تكافؤا في مقولة الموقف الغيبي وكسر رتابة العقل الجامد لتذهب لمخاطبات الهدف الصوفي في إعلاء مرتبة الإنسان، ولكن ليس من مثالية الجسد وانسجامه مع الروح، وإنما نتج عن تلك الإشارات مخاض الهروب من الأرض، وهذا ما جعل لنا حركة الوحدات الصورية غير مستقرة الأقدام فضلا عن  معالم ارتفاعها بعيدا عن حيز مكاني معين مع اتضاح مساحة التخاطب بين الروح والجسد، وهذه البنائية لا تذكرنا بشواخص التعبيرية الاحتفائية، بل تذهب لإغواء التعبير المشكل لمدلول الفن التجريدي الذي يستعين بالغموض في اتضاح محمولات تلك الإشارات الدالة في اللوحة، وهي مناورة شكلية تعمق سير رؤيته الفكرية. وحسنا صنع سنان حسين بتقديم أدلته التشخيصية التي تبتعد عن التزيين اللوني، فهو لا يكرر مظاهر الرسم التي تشبه أساطيرنا الشعبية، وإنما قدم أنموذجا لمدونات روحية بألم إنساني، ومكن لنا معرفة كيف يكون اللااستقرار عند الإنسان وعليه الالتفات لطلاقة الروح والانشداد إليها.. أعماله الأخيرة حملت لونا تزيينينا يؤطر محيط اللوحة بزخارف أقرب إلى الفن الإسلامي، وهو بهذا يجمع بين متناقضين التعبيرية والتجريد الفني، ولكن تبقى خيارات السطوح التصويرية عنده قابلة للإمساك بالفكرة من حيث مبدأ التخاطب مع الروح وليس الجسد، وبما أن  مؤشرات الساق والقدم والالتفاف مع متشابهاتها قائمة في اللوحة، فهي دلالة تثير نزعة عدم الاستقرار النفسي وهذا التسقيط سيتبنى بمرور الزمن محددا ثابتا هو من دعائم  فكرة سنان الداعية لصياغة خطاب مشترك بين تماثل الجسد الآدمي ومسخ فكرة الصورة الذهنية لتكوين مسبق، بمعنى أنه يود التأكيد على كيان الإنسان قبل تكوينه، وغالبا ما يعيده لارتقاء غريزي بشكل حيواني، ولعل صياغة مثل هكذا رؤية لا بد من انسجام بنياتها التصويرية وترابط خطابها، ولهذا يستدعي هذا الفنان المنطق الإشاري بحيث تغدو دلالة الأشكال نصا خياليا يستقطب عقيدته الصوفية المتواجدة في ميراثه الصوري. أقول ميراثه لأن لوحاته وبنائيتها وتماسك خطابها أدت وظائفها بالشكل المثير، وإذا دل هذا التصور فهو يشير الى عمق فلسفي في خطاب لوحاته، وسبق أن أرانا هذا الفنان كيف عمد في معرض اسطنبول الى استعارات شكلية أدهشت كل من رآها، وهاهو الان يزاوج  بمرونة عالية بين منجز شكلي يثير سماته الروحية وتحول تختلط فيه مقومات دلائل ذلك الشكل مع مدلوله وهذا ما يروق للمتلقي أن يجده في أية أعمال  فنية أخيرة، وكأنه يريد بنا أن نعقد صلة ارتباط بين مظاهر تكويناته ونتاجاتها المعرفية وكل ذلك يعود لطاقة التطهير الجسدي وانعكاسه أخلاقيا فهو درس لم يكن مشفرا بل اعتقاد وقيمة معرفية تجول في ذهنية سنان حسين. 
 ومع كل هذا ثمة تحول في بنائية الأشكال من حيث هيمنة دلالة العمل، فتكريس فكرة معينة لخطاب بصري يجمع المتناقضات وبقدرة عالية ليس مرده التلاعب بالأشكال وتنوع في تعالقها العلاماتي انما هو تمثيل ومرجعية حسية تسربت وفقا لمقاربة بين الواقعي والغيبي وما تثيره الصورة وملحقاتها السيميائية تقترح لمتلقيها معرفة نتائجها سواء كانت مبسطة أو قابلة للتأويل، المهم ان اعمال الفنان الأخيرة تحمل سماتها التعبيرية مع رؤية تبتعد عن الواقعية لتعلي من شأن الروحانيات وما رمزية المحتوى الصوري إلا خلاصة ومكاشفة تبين كيف تعامل هذا الفنان مع خصائص الشكل ضمن فهم ميثولوجي وثقافة لن تساند الماديات.  

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *