مجاميع الظل الحاكمة بالعراق

مجاميع الظل الحاكمة بالعراق
آخر تحديث:

بقلم:زكي رضا

الديمقراطية في المجتمعات غير الواعية وبغياب القوانين التي توفّر بيئة مناسبة لإجراء انتخابات حقيقية، تؤدّي إلى هيمنة قوى سياسيّة مافيوية على السلطة. وغالبا ما تكون لهذه القوى عالما مظلما تعمل من خلاله على توطيد دعائمها في الحياة السياسية والاقتصادية في تلك البلدان. والعراق اليوم فيه بيئة أكثر من مناسبة لهيمنة المافيا على جميع مفاصل الحياة بالبلاد. فالأحزاب السياسية التي تتقاسم السلطة منذ الاحتلال لليوم، جعلت من الفساد والاستبداد السياسي شريان حياة أحزابها، ليقابلها موت يومي لوطن يتهاوى بفعل الفساد وشعب يعيش في منطقة اللاوعي بعد أن يئس من التفات أحد إلى معاناته.

لا توجد دولة في العالم تشرعن الفساد بصورة علنية من خلال قوانين نافذة، بل على العكس فإنّ الدول عادة ما تسنّ قوانين تحدّ من الفساد وتحاربه بيد من حديد مثلما يقال. فما هو الطريق إذن للإثراء على حساب المال العام؟ إنّه الفساد، وهو بوابّة النهب المنظّم لثروات الناس. في البلدان التي يهيمن الفساد فيها يكون الفاسدون، وهم على الأغلب من عصابات جريمة منظمّة، في حاجة إلى غطاء رسمي لممارسة فسادهم وسرقاتهم وابتزازهم وتحكمّهم بمفاصل الاقتصاد والمال. لذا ترى زعماء هذه العصابات يدخلون الحقل السياسي من الباب الخلفي بدعمهم لشخصيات سياسيّة “مستقلّة” وحتّى أحزاب سياسيّة ليصلوا إلى قبّة برلمانات تلك البلدان ولتكن لهم عندها الحصانة التي تمنحهم حريّة الحركة وعقد الاتفاقات الاقتصادية مع الشركات الوطنية والأجنبية مقابل عمولات ضخمة، أو أن ترسي عقود المشاريع برمّتها على زعماء الأحزاب السياسيّة ورجالاتها الذين يحصلون على هذه الامتيازات مقابل ولاء أعضاء البرلمان والحكومة الذين وصلوا إلى السلطة بمساعدة هؤلاء الساسة، بمعنى آخر فإنّهم كمجاميع ظلوا يتحكمون بالشأن السياسي والاقتصادي للبلاد.

المافيا اليوم ليست عصابات تهريب مخدرّات وفرض إتاوات والتجارة بالجنس والأعضاء وغيرها من الجرائم فقط، كما وليست قاصرة على عوائل معيّنة كما بدأت في صقليّة بإيطاليا لتتوسع إلى بلدان كثيرة بالعالم، إنّما المافيا اليوم نظم سياسيّة لها علاقات دولية ووزارات تحكم من خلالها شعوبا عديدة وتنهب كل ما يقع تحت أيديها دون خوف من ملاحقة القضاء، بعد أن يكون القضاة أنفسهم رهن إشارة السلطة التي تعيّنهم. ولو أخذنا العراق كمثال لأحد أكبر الدول الفاسدة في العالم، فسنرى أنفسنا في حالة غريبة ومختلفة عن كل العصابات المافيوية المعروفة وعوائلها!المافيا في العراق ليست في حاجة إلى دعم أحزاب سياسية أو ساسة مستقّلين ليصلوا إلى البرلمان، ليقوموا بعدها بمساعدة زعماء المافيا في سرقاتهم ونهبهم للمال العام عن طريق التجاوز على القوانين، وإبرام عقود وهمية بالملايين من الدولارات والحصول على عمولات بأرقام فلكية من خلال عقود بشروط مجحفة بحق ثروات وطننا. عوائل وعصابات المافيا عندنا محصّنون من المساءلة القانونية، والقضاة يجدون لهم دوما مخارج “قانونية” في الأمور السياسية كما في تفسيرهم للكتلة الأكبر بعد كل انتخابات، أو التجاوز على القانون من خلال عدم محاسبة الرؤوس الكبيرة من الفاسدين. والمشكلة ونقولها للأسف الشديد تكمن في العديد من المناحي منها عدم وجود قاض عراقي جريء يقف في وجه المافيا العائلية والسياسية التي تقود البلاد إلى الهاوية، كما القاضيين الإيطاليين جيوفاني فالكون وباولو بورسيلينو، اللذين تمّ اغتيالهما من قبل المافيا. وإن كان القضاء قد واجه الفساد بشرف في إيطاليا لينتصر أخيرا، فإنّ القضاء العراقي وهو يحمي الفاسدين الذين يدمرّون العراق وشعبه لا شرف له مطلقا.العراق حالة غريبة وشاذّة، فتجربة مجاميع الظل الحاكمة في البلدان الأخرى لا مكان لها في العراق، كون “مجاميع الظل” هي من تشكلّ الحكومة من خلال البرلمان الذي تهيمن عليه، وهي من تشتري شرف القضاة والإعلام، وهي من تمتلك الجيش والعصابات المسلحة. مجاميع الظل لا تحكم البلاد من خلال عالم مظلم كما بقية دول العالم، بل إنها تمتاز بجرأة كبيرة لتعلن عن نفسها علنا وتقود الفساد والجريمة بالبلاد. وحكومة محمد شياع السوداني اليوم هي امتداد لنهج مافيوي مدمّر يتحكم بمصير البلاد من خلال مجاميع ظل علنية.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *