مذكَّرات الأدباء

مذكَّرات الأدباء
آخر تحديث:

 بغداد/شبكة أخبار العراق- عالية طالب..يقال ان اكثر الكتب رواجا، هي تلك التي تحفل بالأسرار والدخول إلى عوالم  خفيَّة وغامضة داخل أسوار البيوت المغلقة وما مرَّ بها من أحداث ومواقف وأشخاص ومرويَّات تصلح لأن تكون  وثيقة  ساندة لكتابة التاريخ في زمن  ومكان معين. ولعل “ميخائيل نعيمة ” كان أبدع من وصف كتابته لسيرته الذاتية في كتابه (سبعون) الصادر بثلاثة أجزاء، واصفا شعوره باللذَّة ” إذا هو تعرى أمام إخوانه الناس من جميع أسراره وأوزاره. فبات وكأنّه بيت من الزجاج كلّ ما فيه مكشوف للعيان، إلَّا ما كان منه أبعد، أو أعمق، من متناول أبصار الناس وأفكارهم”.  وقد ارتبطت ذهنياً وأنا في مرحلة المتوسطة بكتاب (الايام) لطه حسين، الذي كان مقررا علينا في درس المطالعة  لفصل دراسي في ثلاثة أجزاء, بعنوان (الأيام)، لكنني قرأت كل جزء في يوم واحد ودخلت في “نائب في الأرياف” وطفت في سياحة خاصة مع مبدع  سحبني الى لذَّة فعلية في قراءة أغلب السير الشخصية،  وأنا اكتشف  مع كل قراءة ما أشار اليه أرسطو  في كتابه (البلاغة)، وأفلاطون  في (حواراته). ومن هما ذهبت الى  أسامة بن منقذ, الذي ألف كتاب (الاعتبار)، وجوفاني بوكاتشو الذي كتب في القرون الوسطى (سيرة دانتي) . واكتشفت بعدها ان هناك من عالج سيرته الذاتية فنيَّاً ضمن روايات انتجها، وهو ما فعله تشارلز ديكنز, إذ كتبها على شكل رواية بعنوان (ديفيد كوبرفيلد)،وكذلك فعل تولستوي فكتب “الطفولة، والمراهقة، والشباب”.هذه الإشارة استوجبها كتاب ( شاهد رأى كل شيء) للأستاذ الدكتور ( صادق الموسوي) الذي أهداني إيَّاه مؤخرا  مشفوعا بعبارة تشدد بطلب قراءته، وهو لا يدري شغفي الخاص بهذا النوع من المؤلفات، الكتاب هو سيرة شخصية لرحلة شاقة ومليئة بالأشواك والمنغصات، عاشها الموسوي ليخرج منها  رجلا عصاميا استطاع أن يطوع الظروف ليستكمل رحلة عراقية ابتدأت منذ أربعينيات القرن الماضي وصولا إلى حاضرنا اليوم. الكتاب حافل بالأسماء والمراكز التي عمل فيها والشخصيات العراقية  والعالمية التي عاصرها وعمل معها مترجما ومرافقا إعلاميا في المؤتمرات والمحافل الدولية التي اشترك فيها، كل تلك الأحداث ربطها المؤلف بالواقع العراقي  ومتغيراته السياسية والاجتماعية، التي تركت بصماتها الخاصة في وقتنا المعاصر بطريقة أو بأخرى. هل يمكن أن تقرأ السير الشخصية على أنها تجارب خاصة فقط، أم انها نماذج تحتاجها الأجيال الشابة لتعرف كيف  عاش العراق بعقوده المختلفة.. اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وعمرانيا وسياسيا.. وكيف يمكن لتلك السير الذاتية أن تصبح وثيقة تاريخية مضافة لسجلات الأحداث لتكمل صورا أخرى يحتاجها الباحث والدارس في أكثر من جانب وقضية، كل هذا يوثقه الموسوي في كل ما “رآه ” بطريقة الحكاية الشفافة التي تدلق علينا سرمديتها بليونة ودعة وسلاسة بغدادية لقادم من محافظات العراق ليعيش في بغداد الحضارة والفكر والتنوع، حكاية لا تتركنا إلَّا ونحن نقطف ثمرات تجربة ثرَّة مكتنزة بالعطاء والتميُّز تليق بمبدع عراقي أصيل.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *