الحصان الخشبي!

الحصان الخشبي!
آخر تحديث:

بقلم:محمد زكي ابراهيم

لم تنتصر اسبرطة على غريمتها طروادة في حرب استمرت عشرة أعوام كاملة، إلا بخديعة ماكرة، وتخطيط متقن. ولم تكسب النزال إلا بعد أن استعانت بحصان خشبي هائل الحجم، تركته على أبواب المدينة المحاصرة. وأوهمت أهلها الذين برموا بطول الحرب أنه عربون محبة وصلح، ومقدمة لإنهاء الحصار. وحينما جن الليل خرج منه عدد من الجنود الإسبرطيين وفتحوا الأبواب لرفاقهم المختبئين في الجوار. وكان الطرواديون جذلين بسبب بشائر السلام، مما سهل مهمة الجنود الأسبرطيين، في الهزيع الأخير من الليل.

لقد ذهبت هذه الواقعة مثلاً على أسهل الطرق للإيقاع بالخصم، وأكثرها فاعلية، وأشدها إيلاماً. وزاد في الطين بلة جهل الأخير بما وراءها من تدبير. لكن زمن الأحصنة البشرية الصماء انتهى، ولم يعد هناك من تنطلي عليه مثل هذه الحيلة. وجاء الدور على “أحصنة” بشرية تؤدي ذات الغرض، وتضطلع بنفس المهمة. وتستغل من جانب الخصم، استغلالاً بشعاً. مثل هذه الأحصنة كثيرة. وبعضها من علية القوم. ولا تختلف عن الدمى الخشبية التي لا تعقل، إلا بوعيها بما يدور حولهم من نزاع.

ربما يبدو هذا التشبيه معقداً نوعاً ما. لكن الواقع أن مثل هذه العملية تتكرر على الدوام. ولا يكاد يمر عصر دون أن تقع فيه. فهي لازمة من لوازم الصراعات العالمية، القديمة منها والجديدة.

في العراق كما في غيره من البلدان، ظهر الكثير من الأشخاص الذين استخدموا للعبور. وكانوا أداة لإنزال الأذى بشعوبهم، واستغلوا في منافسات سياسية وحزبية. وكاد أحدهم ذات مرة أن يقلب الطاولة على مجموعته، لولا أن تدارك خصمه الأمر قبل فوات الأوان. وكان الذين احتضنوه يظنون أنه الأداة المثلى لقهر الطرف الآخر، بعد أن يضعوه على كرسي الحكم. ويديرون الأمور من وراء ظهره.

في هذا العصر تقف النخبة أحياناً الموقف ذاته، فتقدم للأجنبي كل ما يحتاجه للتغلغل في جسد الأمة. وتسهل له القبول لدى العامة. فلم تعد الإمبراطوريات القديمة قادرة على فرض هيمنتها العسكرية المباشرة. بعد أن وجدت أن مثل هذا الفعل بات مستهجناً ومكلفاً وغير مقبول من الرأي العام. فكان أن استعانت بأحصنة بشرية، تقوم بذات المهمة عن طيب خاطر حيناً، أو بثمن بخس حيناً آخر.

هذه النخبة تشبعت بالفكر الغربي، الذي حولها إلى أدوات غربية صرفة. وجعلها تقدم خدماتها السخية إلى الغير، باندفاع عجيب، دون أن تدرك أن دورها الحقيقي هو خلاف ذلك تماماً. حتى أن الصراع القديم بين الشرق والغرب، تحول إلى صراع داخلي محض، لا علاقة للأجنبي فيه من قريب أو بعيد.

إن ما نشهده اليوم من انقسامات داخل هذه البلدان إنما يحدث في الواقع بين وكلاء الأجنبي، وبين المجتمعات الشرقية. أما نسبة نجاح هذه العملية فهي عالية جداً. وتتم دون خسائر تذكر. ومع ذلك فمن الصعب إقناع بعض النخب، ومريديهم، أنهم يسيرون ببلادهم نحو الهاوية. ويشجعون البعض على الاحتجاج أو التظاهر ضد رغبة شعبه.

ربما سنجد بعد عقدين أو ثلاثة من يضع النقاط على الحروف، ويكشف هذه الحقيقة، من أبناء البلاد أنفسهم، أو من الغربيين الأحرار، بعد أن تكون حدة الصراع قد خفت أو تراجعت بشكل ملموس.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *