لنتحاور حول الموقف من الانتخابات المبكرة في العراق
آخر تحديث:
بقلم:كاظم حبيب
لنتحاور حول الموقف من الانتخابات المبكرة في العراق
طرحت الانتفاضة التشرينية 2019 على مدى الفترة المنصرمة أهدافاً ومهمات محددة اقترنت بوضع مجموعة من الشروط والمستلزمات لضمان السير المعجل لتحقيق عملية التغيير المنشودة للواقع العراقي القائم ونظامه السياسي–الاقتصادي-الاجتماعي الطائفي والفاسد والمتخلف. وكان في مقدمة تلك الشروط إجراء انتخابات مبكرة بهدف وأمل انتخاب مجلس نيابي جديد خالٍ من القوى الطائفية السياسية والفاسدة التي كرست الحكم الطائفي السياسي الفاسد في البلاد، وبالتالي تشكيل حكومة عراقية وطنية ديمقراطية تأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات وكذلك الفصل بين الدين والدولة والسياسة وتلتزم بمبادئ حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية في توزيع واستخدام الثروة الوطنية. وكانت شروط ومستلزمات الوصول إلى هذه النتيجة جلية لكل ذي عينين وبصيرة نافذة. لكي تتوفر الأجواء والأرضية المناسبتين لانتخابات حرة، ديمقراطية، نزيهة وعادلة حقاً لا بد من تأمين ما يلي:
الكشف عن قتلة المتظاهرين والمصابين بجروح وإعاقات وتقديم ملفتاهم الموجودة في دوائر المخابرات العراقية وأجهزة الأمن الوطني ومجلس الوزراء إلى القضاء العراقي ليحاكموا ويتلقوا الجزاء العادل.
نزع السلاح المنفلت الذي تحمله الميليشيات الطائفية المسلحة التي تعلن يومياً عن نفسها وتهدد بالحلول محل الدولة الرسمية، وهي كذلك، لتشيع الفوضى والخراب وإطلاق الصواريخ والاختطاف وابتزاز الناس والقتل المستمر.
تقديم ملفات كبار الفاسدين في الدولة العراقية بسلطاتها الثلاث إلى المحاكمة لينالوا العقاب الذي يستحقونه مع استرداد كل الأموال المنقولة وغير المنقولة (العقارات والشركات والمصانع.. إلخ) التي نهبت بشتى الطرق وإعادتها إلى خزينة الدولة والقطاع الحكومي.
تقديم ملفات كبار المتهمين في الدولة العراقية الذين تسببوا بأحداث غرب العراق واجتياح الموصل وعموم نينوى إلى القضاء العراقي ليحاكموا ويتلقوا الجزاء العادل.
حرمان كل الطائفيين الفاسدين والمفسدين الذين ساهموا بتخريب العراق وتدميره والعصف بوحدته من حق المشاركة في الترشيح والانتخاب لعشر سنوات قادمة.
وضع قانون انتخابات جديد أو تعديل قانون الانتخابات الحالي بما يتناغم مع مطلب الشعب الأساسي في أن يكون قانون الانتخابات ديمقراطي وعادل يجد الدعم والمساندة من الهيئات الحقوقية الدولية.
إجراء تغيير كامل في بنية وأسس وقواعد عمل “المفوضية المستقلة للانتخابات” بما يمنع حصول ما حصل في جميع الانتخابات العامة والمحلية السابقة التي تميزت بالحزبية الضيقة والمنسوبية والمحسوبية والمشاركة الفاعلة في عمليات التزييف والتزوير والارتشاء.
استكمال قوام المحكمة الاتحادية وإعادة النظر بقانونها ومنع وجود فقهاء دين في هذه المحكمة، فالنظام السياسي العراقي يفترض أن يكون حراً وديمقراطياً يفصل الدين عن الدولة والسياسة بسلطاتها الثلاث ومؤسساتها كافة.
إنجاز قانون الأحزاب بموجب الدستور الذي يحرم إقامة أحزاب سياسية على أسس دينية أو مذهبية تقود إلى شق وحدة الصف الوطني وإشاعة الفتنة في المجتمع.
اتخاذ الخطوات الكفيلة بمنع أي تدخل خارجي في شؤون العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية، ومنها الانتخابات، وعلاقاته الدولية.
تأمين لجنة دولية متخصصة للرقابة والإشراف على عملية الانتخابات في جميع أرجاء العراق دون استثناء، إضافة إلى مشاركة هيئات حقوقية من الأمم المتحدة وأخرى دولية وإقليمية ومحلية.
والأسئلة المشروعة والعادلة التي تفرض نفسها على قوى الانتفاضة والقوى والأحزاب الوطنية والديمقراطية وعموم الشعب العراقي والتي تتطلب من الجميع الإجابة عنها كثيرة، أخص بالذكر منها:
** هل حققت حكومة مصطفى الكاظمي أياً من هذه المهمات والأهداف خلال الأشهر الخمسة المنصرمة منذ توليها الحكم؟
** لماذا لم تتحقق؟ وهل تولى الكاظمي مسؤولية تبيان الأسباب الكامنة وراء عدم توفير المستلزمات أو حتى بعضها الأهم؟
** وهل في مقدور حكومة مصطفى الكاظمي توفير المستلزمات المطروحة والضرورية خلال الفترة المتبقية قبل الموعد الذي حددته حكومته يوم 6 حزيران/يونيو 2021 لإجراء انتخابات عامة ديمقراطية نزيهة وعادلة، أم أن دوره تخدير وعي الشعب وتنويمه؟
تشير المعطيات المتوفرة على الساحة السياسية العراقية، حتى بعد مرور ما يقرب من نصف الفترة المحددة لحكومة الكاظمي على توفير المستلزمات وإجراء الانتخابات، أن حكومته لم تحقق أياً من المستلزمات الضرورية الواجب توفيرها لضمان إجراء انتخابات حرة، ديمقراطية، نزيهة وعادلة، فيما عدا تحديد موعد إجرائها. كما لم يطرح حتى الآن أي سبب معقول ومقبول عن أسباب عجزه عن تنفيذ ما أقسم عليه وما التزم به ووعد الشعب بتنفيذه. لقد اتخذ بعض الإجراءات المحدودة والثانوية، على أهميتها، مثل فرض الرقابة على بعض منافذ الحدود، أو محاولة المصالحة الجزئية مع حكومة الإقليم، أو القيام بزيارات إلى إيران وبعض الدول العربية والأوروبية والولايات المتحدة، دون الحصول على ما يسهم في تحقيق مستلزمات المرحلة التي تمهد للخلاصة من الطائفية والفساد والتدخل الخارجي في شؤون البلاد.
إن المعطيات المتوفرة والوقائع الجارية والمؤشرات التي يمكن التعرف عليها تؤكد ما يلي:
1) إن الكاظمي إما غير قادر أو غير مستعد، بغض النظر عن رغباته الشخصية التي لا نريد الغوص في دواخله المشتتة، لخوض معركة البدء الفعلي بتنفيذ وتوفير المستلزمات الضرورية والملحة لكي يمكن إجراء انتخابات عامة منشودة باعتباره الطريق السوي والعقلاني والوحيد للخلاص من الطائفية ومحاصصاتها المذلة والفساد السائد والتدخل الخارجي المذل لاستقلال وسيادة العراق.
2) يبدو أن الكاظمي يلعب دوراً في تشتيت وتفتيت قوى الانتفاضة لضمان عجزها عن القيام بفعاليات مشتركة أو استمرار زخمها لتحقيق ما تسعى إليه. وهو بهذا يشارك قوى الإسلام السياسي الفاسدة والحاكمة في إشاعة الفوضى السياسية وعدم الثقة من خلال تشكيل عدد كبير من الأحزاب والتنظيمات التي تدعي أنها ضمن قوى الانتفاضة، في حين أنها جزء من القوى الفاسدة والحاكمة، أو تسريب الشكوك في صفوف قوى الانتفاضة لوأدها.
3) إن عدم تنفيذ تلك الشروط والمستلزمات يعني، دون أدنى ريب، بأن قوى الإسلام السياسية الشيعية والسنية وبقية القوى الحاكمة حالياً والماسكة بزمام الأمور الأساسية في العراق، ستحقق الأكثرية في مجلس النواب، كما هو عليه الوضع حالياً تقريباً، وستعمل على تشكيل حكومة طائفية-أثنية فاسدة، وستسعى بكل ما تملك من قوة ونفوذ على مواصلة النهج الفكري والسياسي الراهنين بدعم من قوى ومؤسسات الدولة العميقة المالكة للمال والمهيمنة على أجهزة الدولة، والمليشيات الطائفية وأجزاء أساسية من الحشد الشعبي الحاملة للسلاح المنفلت، وقانون انتخابات غير ديمقراطي ومفوضية انتخابات مزورِة، كما ستبقى إيران موجهة ومشرفة على مسار وسياسات الدولة العراقية الهامشية ونظامها السياسي التابع لإيران.
والسؤال الجديد الذي سيطرح نفسه هنا هو: هل ستسمح قوى الانتفاضة الباسلة والغالبية العظمى من الشعب العراقي المستباح بوطنه وحقوقه لمثل هذه المحاولات الخبيثة بالمرور، أم ستكون الانتفاضة الشبابية السلمية، رغم كل المصاعب والمشكلات والنواقص التي تعتري عملها وطريقها، السد الأمين الذي يمنع حصول المرفوض منها بتجديد انتفاضتها ومواجهتها بصيغ وأدوات جديدة في صراعات ومعارك لا تحدد طبيعتها قوى الانتفاضة وحدها، بل الطرف الآخر، العدو، الذي اغتصب سلطة الشعب وفقد شرعيته بطائفيته ومحاصصاته وفساده وتجويعه للشعب، والذي بمواقفه سيفرض طبيعة المعركة ومداها والأساليب والأدوات التي سوف تستخدم فيها.
إن الانتخابات أداة ووسيلة للوصول إلى هدف واضح ومحدد، وحين تكون هذه الوسيلة غير مؤهلة حالياً لتحقيق هدف انتخاب مجلس نيابي عقلاني وأمين للوطن والشعب، فلا بد من السعي وبذل أقصى الجهود بغض النظر عن الوقت الذي سوف يستغرقه توفير مستلزمات أجواء وأرضية صالحة لانتخابات حرة وديمقراطية ونزيه وعادلة، تأتي بمجلس نيابي نظيف، غير طائفي وغير فاسد وغير تابع. وأخيراُ أرى ضرورة بدء الحوارات والمناقشات الجادة من جانب قوى الانتفاضة وكل القوى والأحزاب الوطنية والديمقراطية المهتمة بانتصار انتفاضة الشعب المقدامة لكيلا يتم تفكيكها ولا تذهب دماء شهداء الانتفاضة، شهداء الشعب والجرحى والمعوقين هدرا. إن طريق نصر قوى الانتفاضة صعب وربما طويل، لكنه اليقين بعينه، لأن عوامل انفجار الانتفاضة ومسبباتها ما تزال قائمة وفاعلة ومدمرة.