عديدة هي أوجه التشابه والاختلاف ما بين القصة والمسرحية في الجوانب الفنية، وذلك لأن المسرحية تتقارب بجوانب كثيرة مع القصة، فـ “القصة” الممثلة أو الممسرحة، تتضمن عناوين مغايرة، مثل: الشخصية والحادثة والفكرة. وهناك جوانب فنية تختلف فيها المسرحية عن القصة، خاصة من ناحية البناء الفني والصياغة التعبيرية، والحوار، وهذا أهم ما يميّز الصياغة التعبيرية للمسرحية، وأيضاً ما يحدد أداة المسرحية، وما يقع عليها من أعباء فنية مختلفة. لذا من الشرائط الفنية التي يجب توافرها في القصة، هي ضرورة وجود عناصر تمهد للأحداث، ايضا وجود عقدة تتأزم عبرها الأحداث، وأخيراً الخاتمة التي تتضمن الحل.
هذا ما تجسد في حكاية “خطبة الاميرة نازدار”، والتي هي واحدة من الباقة السردية (السمفونية المكوّرة) للقاص “سالم بخشي المندلاوي”، تتحدث حكائية القصة وباختزال عن أميرة بغدادية متميزة بالجمال، كانت تدير شؤون الحكم، لما تمتلكه من دراية ووعي، مستلهمة العزم من الملكة شهرزاد في سالف العصر والزمان، أرسلت في طلب وصيفتها، وأومأت للحاجب بالقدوم، قالت: هل أعلنتم بما أمرتكم به، بشأن خطبة وصيفتي؟ قال: نعم، وقد تقدم بعض الخطاب، وعلينا استجوابهم، لأنه لا يعرف كوامن الرجال إلا باستنطاقهم، ولا تعرف أخلاقهم إلا باستفزازهم، ولا يمكن لرجلين في الأرض، أن يتطابقا خَلقاً، وخُلقاً. وبعد مجموعة الاسئلة، اقترح الحاجب أن تدخل وصيفة الملكة على خطابها، ليروا كيف يتصرف الخطاب معها، فأصرت الأميرة أن تدخل بنفسها، منتحلة صفة جاريتها، لتعرف هؤلاء الخطاب عن كثب!
وبعد أن خرجت، سألت الحاجب ماذا رأيت، قال الاول: رأيته لا يستعمل جوارحه، ولا ينتفع بها، الثاني: وجدت فيه الحليم الناصح، والكريم الباذخ، أما الثالث: لا حلم له، ولا حياء، قالت الأميرة: صدقت يا حاجبي الحكيم، فالعيش مع أولهم، عيشة الكهرمانة، والعيش مع ثانيهم، عيشة الكريمة العزيزة، والعيش مع ثالثهم، عيشة الذليلة الكسيرة.ليعلم الجميع أخيراً، أن الأميرة تريد أن تخطب لنفسها، وليس للوصيفة، لتقول لو فعلت وأعلنت عن نفسي للخطاب، لاتخذوا سلوكاً مغايراً، ولم نكن نعرف حينها، معادنهم، واخلاقهم، ولتزاحم الخطاب من الأغنياء، والأمراء الطامعين في عرش الملك المريض الذي يوشك على الموت، فاستعملت الوصيفة المخلصة لتكون جسراً لمعرفة أفضل الرجال، وأكثرهم خُلقاً، وحكمة.أهم ما يميز هذه الحكاية الممسرحة، هو الصياغة التعبيرية عبر الحوار، وذلك لأنه أي الحوار هو في الواقع أداة المسرحية، وعليه تقع أعباء فنية كثيرة، فليست مهمته أن يروى المؤلف ما حدث لأشخاص، ولكن مهمته أن يجعلهم يعيشون حوادثهم أمامنا مباشرة دون وسيط أو مترجم للأحداث.
حاول الكاتب أن يؤكد في هذه القصة الممسرحة، وجود أفعال دالة على نمو الذكاء المكاني لصالح التحولات التي تعود إلى المعالجة التجريبية وليس إلى متغيرات البيئة التي دعت إلى مسرحة القصة، لأنها تخدم المسرح من منطلق ثراء النص القصصي بالمعطى الدرامي، الذي يسهل على كاتب النص المسرحي عملية الإعداد، فتصبح مسرحة القصة عملية اختزال للأحداث وتقديمها من قبل الممثلين وحركاتهم، كما تضيف عملية مسرحة القصة القصيرة لشعبية كتاب القصة وتساعدهم على انتشار أعمالهم بين الجماهير والقراء، ولهذا التوظيف أهمية لفن القصة ومسرحتها عبر تحديث عمل الفنين ومشاركتهم في التوعية الثقافية، التي تلامس وعي المتلقي.
وجدير بالذكر أن العقدة الموجودة في القصة يجب أن تظهر بشكل منطقي ومتدرج وبأسباب يقبلها العقل، حتى يستطيع القارئ أن يتقبلها وأن يقتنع بها فلا يمكن أن ينشأ الصراع من لا شيء أو بسبب غير معقول، لأن القصة بطبيعة الحال هي محاكاة للواقع الخارجي، وبطبيعة الواقع لا يمكن أن نجد هناك أحداثا أو وجود اشكاليات بين الأشخاص، من بدون وجود سبب منطقي. وهذا ما يدور داخل مساحة الأحداث والوقائع عبر حكائية “خطبة الاميرة نازدار”، والتي اتقنت الاشتغال داخل منظومة العناصر وتكويناتها، والحوار الدائر بين هذه الشخصيات والحبكة، وهذا ما معمول به داخل الدراما المسرحية، والتي تبدأ بمشهد استهلالي، ومن ثم الذروة لنصل إلى الأزمة، ويكون هناك حديث بين الأشخاص في القصة ومجموعة من الأحداث، التي قد تبدو هادئة وغير مؤثرة، تترتب عليها أحداث مختلفة، فضلا عن الأزمة أو العقدة التي تصب بوساطتها الأحداث إلى ذروتها، فتتعقد وتتشابك المصائر، وهنا تظهر المشكلة الأساسية التي تسعى القصة إلى حلها أو مناقشتها وطرحها، بعد ذلك فإن الأحداث تتابع حتى نصل إلى النهاية.
تأتي هذا القراءة في إطار إبراز الأهمية الكبرى التي جسدها (المندلاوي) في مجموعته “السمفونية المكورة” ومنها حكاية “خطبة الاميرة نازدار”، والتي اعطاها مساحة لها خصوصية للنصوص المغايرة، والمعتمدة للسرد في تحليل الخطابات، عبر إطار صناعة المفاهيم المتعلقة بمجموعة من الموضوعات، وذلك في إطار الدقة، معتبر بذلك أن النسبية هي المبدأ الشامل في مختلف الدراسات، وهذا ما وجد عند البنيويين، الذين سعت دراساتهم إلى تعميق المعرفة بهذا الجانب بالنظريات والمناهج.