كان إلقاء اللائمة على إسرائيل في كل ما يحدث لنا من كوارث ومآس عملا دعائيا يسيرا لا يحتاج إلى براهين أو قرائن. كل ما نفعله بأنفسنا هو من عمل إسرائيل. كلام تقبله العامة وإن كانت هي الأخرى لا ترغب في المزيد من النقاش بسبب خضوعها لمبدأ الأقدار التي لا يمكن ردها. إن كانت إسرائيل أو سواها من يقف وراء أزماتنا المستمرة فالأمر سواء. ذلك لأن المكتوب من وجهة نظر الكثيرين لا بد أن يحدث. تلك ثغرة لم تستطع المؤسسات الثقافية أن تسدها. ليس من المستبعد أن بعض تلك المؤسسات حين تحول إلى جوقة مغنين وعازفين في قوافل الأنظمة العربية المهزومة قد ساهم في الإبقاء على أسطوانة إسرائيل وهي تدور ولتذهب المصداقية إلى الجحيم. كانوا يكذبون حتى في أحوال الطقس فلمَ لا يكذبون في أحوال السياسة. هم أقوى من أن يُقال لهم أنتم تكذبون. ولو قيل ذلك فإنه لا يؤثر على “شرعية” النظام التي تستند إلى أجهزة أمنية يمكنها أن تنتزع اعترافات الارتباط بإسرائيل حتى من أشد الناس عداء لدولة الاحتلال.
ما يقوله حسن نصرالله زعيم حزب الله (اللبناني) ينتمي إلى ذلك المجال الذي مغنط العرب في أكثر لحظاتهم خزيا وجعلهم أسرى لبداهة زائفة هي مسؤولية إسرائيل عن كل هزائمهم وليس فقط العسكرية. لو لم تمطر السماء وعمّ الجفاف فإن إسرائيل هي السبب لأنها تملك القدرة على طرد الغيوم من سماء العرب أو عدم تكونها من الأساس. لقد كذبنا على أنفسنا وصدقنا أكاذيبنا. من شروط الكذب أن يصدقه قائله لكي يصدقه الآخرون. وحين يكذب نصرالله يبدو كما لو أنه يقول حقائق لا يرقى إليها الشك. قال في آخر خطاب له إن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) هو الذي يقف وراء عملية حرق صفحات من المصحف أمام جامع ستوكهولم الكبير، من أجل خلق فتنة بين المسلمين والمسيحيين العرب.
اعتمد نصرالله في استنتاجه، الذي طرحه على أساس كونه حقيقة مفروغا منها، على أن الشخص الأبله والتافه الذي قام بعملية الإحراق هو مسيحي عراقي. لذلك حذر سيد المقاومة من الانجرار وراء تلك الفتنة. هنا يحار المرء. هل يكذب نصرالله على نفسه ويسعى لتضليلها أم أنه يستخف بعقول الآخرين بحيث يحذرهم من فتنة هو وأشباهه من عملاء إيران قد أتموا صناعتها وجعلوها قاعدة للعيش في لبنان واليمن والعراق؟
يتذاكى نصرالله ولا يُخفي عن مشاهده أنه يتذاكى. فهو لا يواجه جمهورا واقعيا. إنه يوجه خطاباته من خلال شاشة يراه الجمهور من خلالها فيما ينظر هو إلى جمهور أبله اقتيد إلى قاعة، يعرف جيدا أنه لن يرى الخطيب فيها إلا من خلال شاشة وهو ما يمكن أن يقوم به المرء في بيته. من المؤسف أن لا أحد صرح بأنه ندم لأنه اقتيد إلى تلك الحفلة التي كان سيدها رجلا يقول كلاما ينتمي إلى سنوات الغفلة والفقر المعرفي وسوء الفهم الذي وقعنا فيه حين اعتقدنا أن إسرائيل مهتمة بتفاهاتنا وبذاءتنا وسوء تصريفنا لأمورنا وجهلنا وانحطاط أخلاقنا وتمزقنا وهشاشتنا ورغبتنا في الانتحار الذاتي. ولكن لماذا تنفق إسرائيل أموالا وتهدر جهودا على ما نقوم به ذاتيا دون الاستعانة بأحد؟
“اعرف عدوك” نصيحة لا يحترمها نصرالله بالرغم من أنه على تماس مباشر مع عدوه منذ أكثر من ثلاثين سنة. فليس من المنطقي ألّا تكتشف أجهزة الدولة السويدية ما اكتشفه. كما أن السويد مسؤولة عما يجري على أراضيها وليس من مصلحتها أن تقوم فتنة تستفز جزءا من رعاياها في ما لا ينفعها في شيء. الأهم من كل ذلك أن جهاز الموساد نفسه لا يورط نفسه في عملية تافهة، سبق لدنماركي أن قام بها ولم تشعر الدولة السويدية بالإحراج لأن أراضيها احتضنتها. كل ذلك لا يخفى على نصرالله. غير أنه بسبب جهله بعدوه وبالمستمعين لخطابه أدار الأسطوانة نفسها. إسرائيل المسؤولة عن مصائبنا وكوارثنا.
لن يقول له أحد “إن إسرائيل بريئة” فتلك جملة من المحرمات ولكن سيُقال له “أنت تكذب”. فالموساد، شئنا أم أبينا هو واحد من أكثر أجهزة المخابرات في العالم حنكة وبراعة وقدرة عل تصميم عملياته التي نجح المصريون يوما ما في اختراقها. لذلك فإن زعماءه سيضحكون حين ينصتون إلى نصرالله وهو يلقي عليهم تبعة فتنة هو واحد من أهم صناعها.