الحكومة تُبشّر العراقيين بالمزيد من الضرائب

الحكومة تُبشّر العراقيين بالمزيد من الضرائب
آخر تحديث:

بقلم: سمير داود حنوش

لم تجد الحكومة العراقية في هبة “كرمها الحاتمي” التي وهبتها إلى الشقيقة لبنان غير فئة الموظفين والمتقاعدين لتستحصل من أقواتهم ضرائب تُستقطع من رواتبهم لتقدّم هبات إلى الحكومة اللبنانية. ذلك الكرم الحكومي الذي بات يُفرض باستقطاعات من رواتب الموظفين والمتقاعدين العراقيين ليُجمع في صندوق إغاثة للشعب اللبناني حسب تعبير الحكومة العراقية.ويبدو أن الحكومة العراقية لا تفرّق بين معنى “التبرع” الذي يُعطى تطوعا وهبة، وبين الذي يُؤخذ إجبارا وبالقوة. لم تجد الحكومة العراقية في قرار لا يمكن وصفه ضمن القرارات المعقولة في فرض نسبة استقطاع من رواتب الموظفين والمتقاعدين لتقديمها هبة وعطايا إلى الجانب اللبناني، وكأن مشاكل العراق الاقتصادية انتهت بما فيها البطالة وتأخر رواتب موظفي إقليم كردستان وارتفاع سعر الدولار الذي أثقل راتب الموظف والمتقاعد حين قضم أجزاء من رواتبهم جراء ذلك التضخم ولم يعد بالإمكان تحمّل أضرار الغلاء التي تعصف بالعراقيين.

مصيبة السلطة في العراق أنها تأخذ ولا تُعطي، ورحم الله ابن خلدون حين قال “إذا كثُرت الجباية، أشرفت الدولة على النهاية” فهل باتت النهاية قريبة؟ لم يبق شيء إلا وفُرِضت عليه الضريبة، حتى وصلت إلى الزائرين الذين يرومون زيارة مرضاهم الراقدين في المستشفيات الحكومية حين فرضت الحكومة مبالغ مالية لقاء دخولهم عنابر المرضى. تخيّلوا أن الحكومة وضعت جباية على استخدام الكراسي المتحركة للعاجزين الذين يدخلون مطار بغداد الدولي لغرض السفر، حيث وصل سعر إيجار الكرسي المتحرك مبلغ 60 ألف دينار أي ما يعادل 50 دولارا تُفرض على العاجز عن الحركة دفعها لغرض إيصاله إلى باب الطائرة.

تحاول الحكومة تبرير عجزها في تعظيم الإيرادات بإلقاء العبء على الحلقة الأضعف، وذلك من خلال فرض ضرائب إضافية على المواطنين، مما قد يزيد من ضنك المعيشة في ظل استمرار ارتفاع معدلات التضخم والبطالة. وبدلا من تعزيز الحكومة لسيطرتها على المنافذ الحدودية التي يُقدّر الفاقد من إيراداتها بحوالي 15 تريليون دينار أي ما يعادل 12 مليار دولار، كان بالإمكان للسلطة أن تفرض سطوتها في الحدّ من الفساد الذي بات ينهش أجساد العراقيين وأن توقف عمليات هدر المال من خلال تهريب الدولار، حيث وصل التهريب إلى سبائك الذهب التي تقوم بها شخصيات نافذة.

تتوجه الأنظار إلى فرض ضرائب على العيادات الخاصة للأطباء وأخرى يجري التفكير بها على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المصادر التي قد ترفع من إيراداتها بهدف سد العجز في الموازنة، ليأتي قرارها المثير للغرابة باستقطاع نسبة من رواتب الموظفين والمتقاعدين لصالح لبنان. عن أيّ جباية نتحدث وعن أيّ ضرائب؟ ما تفعله الحكومة العراقية هي أنها تريد استرداد الأموال المنهوبة بصفقات وليس بصفقة قرن واحدة من جيوب العراقيين. تُرى لو عاش ابن خلدون في حاضرنا ماذا كان سيقول؟

نقف في الكثير من الأحيان عاجزين عن تفسير ما يحدث في العراق من صور وحكايات، ففي حين نشاهد منظرا لعائلة تبحث عن بقايا فضلات طعام بين أكوام النفايات، نسمع ونرى أحاديث عن أرصدة لمسؤولين وزعامات تجاوزت ثرواتهم المليارات من الدولارات حين لم تعد تكفيهم الملايين. لم يبق شيء في العراق ليس بعيدا عن الضرائب، حيث لم يبق سوى الهواء الذي نتنفسه وبالمناسبة حتى ذلك الهواء أصبح ملوثا برائحة الكبريت، وكأنه موت مجاني للعراقيين.هل قاربت الدولة على الانهيار في ظل ازدياد الضرائب كما تحدّث عنها ابن خلدون؟ ربما بدأنا نشعر بذلك.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *