بتلخيص شديد لمجمل السياسات الامريكية (في هذه المرحلة ) اتجاه احزاب الاسلام السياسي في الدول الاسلامية نقول : ان السياسية الامريكية( المعلنة) لم تتوقف عند حدود ( عدم الاعتراض ) على وصول احزاب الاسلام السياسي الى سدة الحكم بل تعداه الى مرحلة( الدعم والتاييد) ،فكيف يُقرأ هذا الموقف؟هناك قراءتان :الاولى تتلخص في ان الموقف الامريكي الحالي (المعلن) هو موقف تكتيكي ينطلق من اعتبارات عدة منها:1- ان وقوفها العلني ضد وصول الاحزاب الاسلاموية الى السلطة سيفسّر من قبل ( الاسلامويين ) بانه موقف معادي للاسلام وسيشكل خطورة على الامن القومي الامريكي لاحتمالات قيام هذه الاحزاب بعمليات انتقامية ضد امريكا ومصالحها وهي (اي احزاب وحركات الاسلام السياسي ) تملك امكانيات التنفيذ كما اثبتت تجربة 11 سبتمبر وغيرها من العمليات التي قامت بها الاذرع العسكرية لاحزاب الاسلام السياسي ضد المصالح الامريكية في مختلف انحاء العالم.2- ان حرمان هذه الاحزاب من الوصول للسلطة قد يؤدي الى لجوء هذه الاحزاب الى اسلوب العنف الذي قد يطال المصالح الامريكية في النهاية 3 – التخوف من نشوء حالة عدم الاستقرار التي قد تنتشر في مناطق اخرى مجاورة وتضر بمصالح امريكا 4 – تعارض حرمان الاسلاميين من الوصول الى السلطة مع مباديء الديمقراطية التي تدعو اليها امريكا في سياساتها المعلنة .5- ان هذه الاحزاب ( في حقيقتها ) لاتؤمن بالديمقراطية وتعتبر الديمقراطية وسيلة متاحة للوصول الى السلطة لذا فانها ( وبالضرورة ) ستلجأ الى التنكر لمباديء الديمقراطية بعد وصولها للسلطة مما يؤدي الى انقلاب الراي العام عليها ويعجل ليس فقط بسقوطها بل وبموتها …الدارسين للحركات الاسلامية يعرفون ان هذه الاحزاب مغرية للناس وهي خارج السلطة ولكنها تصير ممقوته ما ان تصل الى السلطة (لاسباب عدة قد نتطرق اليها في مقال اخر) ولهذا فان مساعدتها للوصول الى الحكم هو حكم عليها بالموت..اصحاب هذه القراءة يعتقدون بوجود موقفين لامريكا اتجاه احزاب وحركات الاسلام السياسي: الاول موقف ظاهري ( معلن ) يشير ليس فقط الى عدم اعتراض امريكا على استلام هذه الاحزاب مقاليد السلطة بل ويساند هذه الاحزاب في وصولها الى السلطة . اما الموقف الثاني فهو الموقف السري وهو معاد لهذه الاحزاب ويسعى الى القضاء عليها بمختلف الوسائل .اصحاب هذه القراءة يعتقدون ان مصلحة امريكا بعد كارثة 11 سبتمبر تقاطعت مع مصالح الشعوب في اقامة دول مدنية ديمقراطية لان هكذا انظمة تقضي على ظاهرتي التطرف والارهاب وتساهم في الاستقرار العالمي .القراءة الثانية وهي قراءة تمزج بين التحليل العلمي وبين ( نظرية المؤامرة ).تشير هذه القراءة الى الامور التالية :1- ان علاقة امريكا باحزاب وحركات الاسلام السياسي ليست وليدة اليوم بل انها بدات مع بدايات الحرب الباردة في القرن الماضي حين احتدم الصراع بين المعسكر الغربي الذي تقوده امريكا وبين المعسكر الشرقي الذي يقوده الاتحاد السوفييتي السابق .. ففي ذلك الصراع انشأت الولايات المتحدة ( او ساعدت على انشاء ) التنظيمات الاسلامية كسد واق ضد المد الشيوعي الذي اتسع في انحاء العالم الاسلامي وابرز مثال معروف هو قيام المخابرات الامريكية بتشكيل( فصائل المجاهدين ) في افغانستان الذي مهد لميلاد (القاعدة ) .2- رغم انتهاء مرحلة الحرب الباردة فان حاجة الستراتيجية الامريكية لاحزاب وحركات الاسلام السياسي لم تنتهي لان المصالح الامريكية ( المرتبطة عضويا بالوجود الاسرائيلي ) تقتضي اضعاف الدول العربية والاسلامية وعرقلة لحاقها بركب التقدم والتطور وان خير من يساعد على تنفيذ هذا الهدف هو احزاب وحركات الاسلام السياسي ، فوصول هذه الاحزاب والحركات الى السلطة في اي بلد سيقود بالضرورة الى اضعاف او انهيار ذلك البلد لعدة اسباب منها :اليف :انعدام الاستقرار السياسي والاجتماعي في اي بلد يحكمه الاسلامويون بفعل سياسات الاحزاب الدينية المعادية لحقوق الانسان وميلها لخنق الحريات العامة والخاصة ومضايقة النساء وحرمانهن من اغلب حقوقهن .. ومما لاشك فيه ان عدم الاستقرار في اي بلد سيقضي على فرص تطوره في كافة المجالات .
باء :توقف التطور الحضاري او شلله بسبب ميل الاحزاب الدينية الى محاربة الفنون والابداع وفرض سلوكيات محددة على المجتمع فيتحول البلد الى مقبرة للاحياء (يغرد ) فيها ( الدعاة ) وحدهم مما يدفع بالمبدعين والكفاءات الوطنية الى الهجرة بعيدا عن جحيم الحكم الاسلامي فتفرغ البلدان من كوادرها العلمية والفنية والادبية وتبقى اسرائيل (منارة) الشرق الوحيدة.جيم : تحول الدول التي يحكمها الاسلامويون الى دول فاشلة تستحق الشفقة لانها ستدار باساليب القرن الاول الهجري او باساليب دولة الخلافة العثمانية .دال : تزداد احتمالات التقسيم في البلدان التي يحكمها اسلامويون خاصة اذا كان البلد متعدد المذاهب او الاديان او الاعراقفمساعدة امريكا لاحزاب الاسلام السياسي (حسب هذه القراءة ) هي سياسة ستراتيجية تهدف الى تخلف وتمزيق الدول الاسلامية ( العربية خاصة ) فانت اذا اردت ان تتوقف الحياة ويتوقف التقدم وينعدم الاستقرار ويسود التخلف في بلد اسلامي فما عليك الا ان تسلم السلطة للاحزاب الدينية عندها ستذهلك سرعة تدمير ذلك البلد وتقهقره الى القرون السحيقة .النتائج الكارثية التي سببتها سياسات امريكا في العراق المتمثلة بترسيخ مبدا المحاصصة وتسليم مقاليد السلطة لاحزاب دينية تجعل من الصعوبة الايمان بالقراءة الاولى، وحتى لوصدقنا بان امريكا تسعى فعلا الى القضاء على الاحزاب الدينية من خلال ايصالها الى السلطة فان ثمن هذه السياسة ( حتى في حال نجاحها ) كارثي بكل المعايير فضلا عن ان ازاحة هذه الاحزاب عن كاهل الشعب بعد تسليمها مقاليد الحكم امر غير مضمون ،ففي العراق ورغم فشل الاحزاب الدينية في تحقيق اماني الناس ورغم الاستياء الشعبي الواسع وتدهور احوال الدولة العراقية وارجاع العراق قرونا الى الوراء فان هذه الاحزاب ستظل في السلطة لامد ليس بالقليل لانها استخدمت السلطة في تقوية نفوذها واطالة امد بقائها .الخلاصة : مهما كانت النوايا الامريكية اتجاه احزاب الاسلام السياسي فان التاييد المعلن الذي حضيت وتحضى به هذه الاحزاب من قبل الادارات الامريكية اضر بمصالح شعوبنا وجعل مستقبل بلداننا على كف عفريت متأسلم
امريكا واحزاب الاسلام السياسي……. بقلم عودة وهيب
آخر تحديث: