القوَّة الناعمة للمدن

القوَّة الناعمة للمدن
آخر تحديث:

نامق عبد ذيب
تظلّ المدينة مجرد عمارات وبيوت وشوارع وأسواق لا معنى لها, وتظل جسداً بلا روح إذا لم يوجد فيها الوجه الآخر للحياة, ذلك الوجه الذي يعكس روحها وتاريخها وفكرها وضميرها الحي. ومن وجوه المدن الحيّة وعلاماتها أن تتعدد فيها مظاهر الثقافة المختلفة من متاحف ودور للأدب والفن والتراث, لتعكس قوتها الناعمة واختلافها عن بقية المدن في البلد الواحد أو البلدان المختلفة, فباريس، مثلا، لم تصبح مدينة النور بمجموعة الأسواق والشوارع والعمارات التي فيها بل أصبحت كذلك بسبب الصروح الثقافية والحضارية التي تحتويها, وكذلك روما أو لندن أو غيرها من المدن في العالم التي بنت أسطورتها من خلال علامة ثقافية ما. ولا نريد أن نذهب بعيداً وننسى شارع المتنبي في بغداد الذي أصبح أيقونة ثقافية تعبر عن قوة بغداد الناعمة ولكنها مع الأسف قوة تكاد تكون وحيدة في عاصمة تعد أيقونة عالمية من خلال تاريخها الثر في بناء الحضارة الإنسانية. من هنا فلا بد للمدن العراقية, صغيرة كانت أو كبيرة, أن تنتبه لإيجاد وبناء علاماتها الثقافية التي ستشارك حتما في تحضرها وفي استقرارها وحماية أهلها وشبابها من كل ما يعكر ديمومة الحياة.لهذا فالمدينة التي تخلو من بناية لمتحف أو لمسرح أو دار سينما أو قاعة عرض للفنون التشكيلية أو تخلو ساحاتها من تماثيل أو نصب تعبّر عن روحها وتاريخها أو اتحاد للأدباء أو قاعة للندوات أو مكتبة عامة أو مكتبات خاصة لإيصال الصحف وآخر الإصدارات أو نقابات تهتم بالجانب الفكري لمنتسبيها أو شارع لبيع الكتب يجمع ناس المدينة ومثقفيها في موسم أسبوعي أو مقاه متنوعة يلتقي فيها من هم على شاكلة واحدة أو اهتمام حياتيّ واحد, أقول, إن المدن التي تخلو من هكذا علامات لا يمكن أن تسمى مدناً, بل تكون أقربَ إلى تجمعات سكانية عشوائية لا يمكن العيش فيها لأنها تفتقد ما يضيء الروح والعقل.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *