شعبا العراق وأوكرانيا مشتركات الضحية

شعبا العراق وأوكرانيا مشتركات الضحية
آخر تحديث:

بقلم: ماجد السامرائي

ما الذي دفع رئيس روسيا فلاديمير بوتين إلى غزو أوكرانيا البلد المجاور المهم، هل حقيقة إن غزوه لها محاولة لإعادة الزمن إلى الوراء، وإخضاع كل أوكرانيا إلى نفوذ القيصر الروسي بعد اقتطاعه لجزيرة القرم عام 2014؟

القيصر بوتين بعد اثنين وعشرين عاماً على حكمه الفردي في بلاد ما بعد الشيوعية، يسعى لتحويل حلمه الستاليني إلى حقيقة تتدرج في استحضار حلم القياصرة خطوة خطوة وتعميمه، وقد وضّح ذلك عبر بيانه الأيديولوجي والسياسي التاريخي بتاريخ الثالث والعشرين من فبراير 2022.

قدّم نقداً لاذعاً وإدانة تاريخية لمؤسس البلشفية فلاديمير لينين بكونه هو الذي صنع أوكرانيا، وأباح للدول الشيوعية حرية الاستقلال السياسي الطوعي. بوتين مفتون بمسيرة قائده التاريخي جوزيف ستالين صاحب جريمة “المجاعة الكبرى” في إجبار الشعب الأوكراني بالقوة على الانخراط بالمزارع الجماعية الشيوعية التي راح ضحيتها أربعة ملايين أوكراني أوائل ثلاثينات القرن العشرين.

هناك مشتركات بين حالتي الشعبين الأوكراني والعراقي، كضحايا حروب لم تكن بخيارهما، بل الأمر ناتج عن عجز الزعامات السياسية ذات العلاقة عن اتخاذ القرار السياسي السليم في لحظة انهيار العقل، فتصبح القوة العسكرية بديلاً مظلماً نتائجه مئات الألوف بل الملايين من الضحايا البشرية وتدمير المدن ومنشآت الحياة العامة.اشترك الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والعراقي صدام حسين في تسخيف واقع مشروعية الدولة المصطنعة، ففيما اعتبر بوتين الدولة الأوكرانية في خطابه التاريخي في الثالث والعشرين من فبراير “مجرد خيال أو وهم” لذلك غزاها في الرابع والعشرين من فبراير 2022، برر صدام حسين غزوه للكويت في الثاني من أغسطس عام 1990 حين قال “إعادة الفرع إلى الأصل”.

شعب أوكرانيا يقف اليوم وحده في مواجهة القاتل بوتين وسط ضجيج أميركي وأوروبي لا يقدم ردّا حقيقياً على الأرض بحجة محاذير الحرب العالمية الثالثة التي نفّذها بوتين فعلياً اليوم صدام وبوتين اشتركا في هاجس الزعامة للمحيط الأوسع ودفع الأضرار لتأمين الأمن الوطني الداخلي عبر غزو الجار. هاجس الزعامة القومية لدى صدام دفعه إلى المغامرة غير المحسوبة، وقد تكون كذلك في غزو بوتين لأوكرانيا. في العراق الدافع المباشر لتلك المغامرة الأضرار التي لحقت بالعراق بسبب سياسات حكام الكويت خلال نهاية الحرب مع إيران وبعدها.

في روسيا قلق بوتين من مخاطر تحوّل أوكرانيا إلى قاعدة متقدمة للناتو قد تطوّق وتقتل أحلامه في زعامة شرق أوروبا بعد وثوقه من تقهقر أميركا عن زعامتها الفردية للعالم وتراجعها، ولا شك أن بوتين قبل إقدامه على مغامرة الغزو قرأ صفحة المعطيات الاستراتيجية، وإمكانية إقامة نظام عالمي جديد مع الصين على أنقاض النظام العالمي الذي صنعته أميركا. حلم يعيد العالم الجديد إلى أجواء الحرب العالمية الثانية وبلورة النظام العالمي. لكن السؤال الخطير أمام هذا الحلم الإمبراطوري: هل سيستلم العالم الحرّ ببساطة؟ أخطأ صدام في توقعاته لردود الفعل العربية والدولية حين غزا الكويت، طعنه زعماء عرب لئام لم يتوقع أحد مدى رخصهم، بعضهم وجد في عقاب شعب العراق تشفياً كتعبير عن عقدة الصغر أمام بلد كبير وعميق كالعراق. بعضهم تحوّل من رئيس دولة عربية إلى مخبر صغير في سوق العمالة الذي تكشفت خباياه على منضدة اللئام في واشنطن الذين التقطوا الفرصة التاريخية بزعامتهم للعالم لتحويل ملفات تدمير العراق إلى برنامج تم تنفيذ منذ الثاني من أغسطس 1990.

المشكلة الكبيرة لبوتين ليست قدرته العسكرية على ضم أوكرانيا لإمبراطوريته الجديدة، ذلك أمر يسير عبارة عن وجبة إفطار سريعة في رحلة صيد شتوية.لكن هل سيرتكب بوتين الروسي خطأ حساباته في الركون على مظهرية ضعف العالم الأوروبي والأميركي وتفككه والاستمرار في مواجهة النظام الاقتصادي الذي اعتمدت عليه روسيا منذ عام 1991 وإلى حد اليوم، وبوادر القطيعة أخذت ملامحها تتصاعد منذ يوم الأحد السابع والعشرين من فبراير في الدخول في إجراءات العزل المالي والتجاري. أم إنه سيتوقف ثم يتراجع في منتصف الطريق، بعد ذلك يكتب سطور نهايته.

بوتين ليس غبياً، قراراته لا تعتمد على حسه القروي والشعبوي مثلما فعل صدام حسين، بل في الاستعانة بمجموعة من المستشارين والخبراء في الحروب في الدولة الروسية العريقة فيما يحتفظ بقراراته الأخيرة ذات النزعة الدكتاتورية، ثعلب ماكر، قرأ الدرس جيدا، يعلم هزال واجهات المنظومات الدولية في مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وبند الفيتو المُعطّل المعبّر عن هزال موازنات ما بعد الحرب العالمية الثانية. صفقات تحالفات الكبار تتم بمعزل عن واجهة ما سمّي بحامي الأمن والسلام. يقول جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي السابق “القانون الدولي في الأزمات بين الكبار هو خدعة أكاديمية”.صدام وبوتين اشتركا في هاجس الزعامة للمحيط الأوسع ودفع الأضرار لتأمين الأمن الوطني الداخلي عبر غزو الجار

كان متوقعاً استخدام تقنيات الحرب السبرانية الحديثة في اجتياح روسيا لأوكرانيا، لكن يبدو من خلال مظهرية الوقائع الحالية أن موسكو تعتمد على الموروث التقليدي في الغزوات رغم الكلف البشرية الباهظة، فوقائع الحرب إلى حد الآن تكشف عن بوادر حرب دفاع شعبية خاصة داخل العاصمة كييف في استحضار تاريخي لموروث حروب المقاومة إذا ما طالت أيام الاجتياح.في الحرب الإعلامية المرافقة، بوتين يواجه الماكنة الإعلامية المتطورة الهائلة للعالم الغربي وأميركا ورفض شعوب منطقة الشرق الوسط وبينها شعب العراق لجريمة الغزو ضد الشعب الأوكراني. عبثاً يحاول بوتين إظهار همجية العالم الغربي تجاه الشعوب، لكنه يخفي همجيته المتواصلة في قتل مئات الألوف من أبناء الشعب السوري وتدمير مدنهم الكبيرة مثل إدلب وحمص وغيرها بعد غزوه العسكري المباشر لسوريا عام 2015 لحماية نظام بشار الذي استخدم السلاح الكيمياوي ضد شعبه، ومنع الحلفاء غير المباشرين، واشنطن وموسكو وطهران وتل أبيب، سقوطه باحتلال روسي مباشر، خضع خلاله الرئيس الأميركي باراك أوباما للابتزاز الروسي والإيراني لقاء الوصول إلى الاتفاق النووي عام 2015.

يتذكر شعب العراق موقف موسكو المنافق لأميركا والعالم الغربي بعدم تعطيل قرارات مجلس الأمن الدولي الجائرة التي فتحت النار على العراقيين خلال ساعات من غزو نظام صدام للكويت وأبشعها قرارات فرض الحصار الظالم لأربعة عشر عاماً ثم تبعه الاحتلال. في الوقت الذي تدافع فيه موسكو عن نفسها اليوم من خلال تعطيل مشروع قرار مجلس الأمن الدولي الذي تضمن إدانة للغزو وقتل الشعب الأوكراني ليس أكثر.شعب أوكرانيا يقف اليوم وحده في مواجهة القاتل بوتين وسط ضجيج أميركي وأوروبي لا يقدم ردّا حقيقياً على الأرض بحجة محاذير الحرب العالمية الثالثة التي نفّذها بوتين فعلياً اليوم.

أبلغ تعبير عن هذه المفارقة هو تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه يصلي من أجل شعب أوكرانيا الذي يعاني “هجوما لم يسبقه استفزاز وغير مبرر”، وهو ما يظهر مدى العجز، فأميركا لم تعد اليوم أميركا جون كينيدي عام 1962 الذي عبّر عن شجاعة عالية في أزمة الصواريخ الكوبية. تخاذلت واشنطن اليوم أمام دعوات كييف المطالبة بتحييد الطيران الروسي.عزلة نظام بوتين العالمية كبيرة، فمناصروه في المنطقة أنظمة قمعية معادية للشعوب كالنظام الإيراني ونظام بشار، ومجموعة الميليشيات القتلة في العراق ولبنان والحوثيون في اليمن، كذلك بقايا الحالمين بعالم وطن حر وشعب سعيد من الشيوعيين في المنطقة، وبعض الديمقراطيين الذين يقعون في الخلط غير المقصود ما بين التشفي ببشاعة الولايات المتحدة التي احتلت العراق ودمرته وبين الموالاة للإمبراطور الروسي الجديد الذي يدمر شعباً مسالما بريئا كشعب العراق هو الشعب الأوكراني.عالم وسخ تسيطر عليه قوى تسيير المصالح مقابل دمار الشعوب.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *