ما نعوِّل عليه في القضاء

ما نعوِّل عليه في القضاء
آخر تحديث:

بقلم:عدنان حسين

ليس من مصلحة القضاء – ولا من المصلحة الوطنية بالضرورة – أن يُعطي الانطباع عن نفسه بأنه مناهض لحرية التعبير التي أقرّها الدستور وألزم الدولة بكفالتها، بما فيها القضاء بوصفه جزءاً أساساً من هذه الدولة وركناً ثابتاً من أركانها.

السلطة القضائية معوّل عليها أكثر من سائر سلطات الدولة في كفالة ممارسة حرية التعبير وسائر الحريات والحقوق العامة والخاصة، فهي الملجأ الأخير للناس، جماعاتٍ وأفراداً، إذا ما تكبّرت وتجبّرت السلطتان التنفيذية والتشريعية وتجاوزتا على الحقوق والحريات.

في مواقف عدة لعب القضاء العراقي مثل هذا الدور المشرّف، لكنه كما أي قضاء في العالم ليس مُشكّلاً من ملائكة وقدّيسين .. القضاة ومساعدوهم بشر، والبشر خطّاؤون بطبيعتهم، ويحفل تاريخ القضاء، الوطني والعالمي، بأخطاء أمكن الكشف عنها وإثباتها لاحقاً والتراجع عنها في نهاية المطاف. وعليه ليس من الحكمة حظر توجيه النقد الى القضاة والقضاء، فهذا سيعني خسارة القضاء لمن يساعده في التقييم والتقويم والكشف عن الأخطاء.

في الآونة الأخيرة صدرت عن مراجع قضائية مختلفة بيانات ومواقف انطوت على التحذير والوعيد، ما يمكن أن يُعطي الانطباع بأنّ قضاءنا بدأ يضيق ذرعاً بحرية التعبير. بالطبع، حرية التعبير لا تعني حرية التطاول والتجنّي والتسقيط والاتّهام الجزافي الباطل. كما لا يمكن نكران أنه تجري يومياً في وسائل الإعلام تجاوزات وانتهاكات لقواعد السلوك وأخلاقيات المهنة المتعارف عليها، وهذا ناجم في جانب كبير منه عن حداثة تجربة الإعلام الحرّ، وعن عدم وجود قانون ينظّم العمل الإعلامي، مثلما ينظّم قانون الأحزاب، مثلاً، العمل الحزبي والحياة السياسية. كلّ القواعد القانونية النافذة في هذا المجال ترجع الى حقبة الدكتاتورية التي لم تعد أحكامها مناسبة للعهد الجديد الموصوف بأنه ديمقراطي أو منسجمة مع مبادئ الديمقراطية والحرية والعدالة.

العراق يمرّ بمرحلة انتقالية، ومن سمات المرحلة الانتقالية الوقوع المتكرّر في الخطأ في المجالات المختلفة. تغليظ موقف القضاء حيال حرية التعبير لن يخدم قضية الانتقال السلس من المرحلة الانتقالية الى المرحلة المستدامة المتميزة بالاستقرار والسلام الاجتماعي والسياسي وسيادة القانون.

المعروف أنّ للقاضي قلباً تزيد سعته عن قلب الفرد العادي .. ومن باب أولى أن تتحلّى السلطة القضائية بهذه السمة العظيمة التي تجعل الناس يركنون الى الطمأنينة معوّلين على حكمة القضاء وعدالته وإنصافه.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *