عن حليمة وعادتها القديمة

عن حليمة وعادتها القديمة
آخر تحديث:

بقلم:عوني القلمجي

بعد اخفاق مجلس النواب العراقي ثلاث مرات على التوالي، في عقد جلسة لانتخاب رئيس جمهورية جديد، تفتق عقل مقتدى الصدر، رئيس التحالف الثلاثي، بمنح خصمه نوري المالكي، رئيس الإطار التنسيقي، مهلة اربعين يوماً لتشكيل الحكومة. ظنا منه بان الفشل الحتمي الذي سيواجه المالكي، سيؤدي الى انفضاض اصحابه من حوله، وانتقالهم الى معسكره. الامر الذي سيفتح الطريق امامه لتشكيل حكومته المتخيلة، الذي يسميها زورا وبهتانا حكومة اغلبية وطنية. ولكي يكون أكثر وضوحا امام تياره، بعث برسالة الى أعضاء تحالفه أكد فيها، بانه لن يتنازل عن حكومة الأغلبية كما يشاع، وانه لن يقبل في الوقت نفسه الذهاب الى موقع المعارضة. اما خصمه نوري المالكي، فلم يكن اقل سفاهة منه. حيث أجري ويجري حتى يومنا هذا، حوارات مع جميع الاطراف لتشكيل الحكومة، على الرغم من علمه بعدم قدرته على فعل ذلك، جراء امتلاك مقتدى عددا من النواب يفوق عدد الثلث المعطل بكثير.

ان تصرفات هؤلاء الأشرار بهذه الطريقة المخزية، تؤكد على ان الصراع الجاري بينهم ينحصر تماما في البقاء على سدة الحكم والحفاظ على مكاسبهم غير المشروعة. وهذا ما يفسر اصرارهم على تشكيل حكومة توافقية تضمن لهم المناصب والأموال الحرام. وقد أكد على هذه الحقيقة قيس الخزعلي، أحد قادة الإطار، حيث قال “بان الصراع بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري ليس صراعا شخصيا بين الصدر والمالكي، وانما صراع على التمثيل والمكاسب السياسية”. ولا يجد أي مواطن عراقي، مهما كان بسيطا، اية صعوبة في تفسير هذه العبارات. فالتمثيل يعني حصة في المناصب وان المكاسب السياسية تعني حصة في السرقات. اما الحديث عن الإصلاح او رفع المعاناة عن العراقيين او تصحيح العملية السياسية، فانه حديث أقرب الى النكات السمجة. فالعراقيون قد رموا هؤلاء الأشرار وأحاديثهم وادعاءاتهم بالجمرات السبعة، التي يرميها حجاج بيت الله الحرام على الشيطان الرجيم.

ضمن هذا السياق ظهر هؤلاء الأشرار بلباس الصالحين. واختاروا طرقا جديدة للخداع والتضليل. حيث تسابقوا في اعلان اخطائهم وأطلقوا الوعود بتصحيحها، على امل خداع الناس، وتشجيعهم على منحهم فرصة جديدة. فعلى سبيل المثال اعترفوا بان الانتخابات مزورة، وهم الذين تغنوا بها وتغزلوا بصناديقها الخضراء واصابعها البنفسجية، وان المحاصصة الطائفية كانت وراء عرقلة بناء نظام وطني، وهم الذين سموها شراكة وطنية تلبي طموحات كل مكونات الشعب العراقي وفئاته واديانه ومذاهبه. اما الدستور الذي قدموه على انه أكبر انجاز تاريخي حققه الشعب العراقي بعد الاحتلال، فقد اعترفوا بقصوره ومواطن الضعف فيه، بل ذهب بعضهم ابعد من ذلك وطالب بكتابة دستور جديد.

لكن سرعان ما عادت حليمة لعادتها القديمة. فبدلا من الوفاء بالوعود التي قد تطيل أعمارهم في السلطة، تنصلوا منها تماما. فعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر الدستور الذي اعتبروا المساس به من المحرمات، حيث خرقوا العديد من مواده في وضح النهار، وخاصة تلك التي تتعلق بتحديد مواعيد زمنية لتسمية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. حيث تم تجاوزوها عدة مرات تحت بصر المحكمة الاتحادية العليا. الامر الذي أدى الى تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي تعطيل تشكيل الحكومة، لينتهوا الى ادخال البلاد في فراغ دستوري، نتج عنه اضرار بالغة تتعلق بحياة المواطن ومستقبله. فالفراغ الدستوري يؤخر إقرار الموازنة التي تمثل عصب الحياة في العراق، ويعمق الأزمات الاقتصادية والمالية التي تهدد مصالح الدولة ويعطل نموها وقدرتها على توليد الوظائف وفرص العمل. ويوجه ضربةً موجعة للأسواق والتجارة وحتى أصحاب المهن الحرة، ويعطل اصدار القوانين والتشريعات التي تهم مصلحة المواطن. ويؤدي الى جملة نتائج سلبية أخرى منها زيادة الانفلات الأمني في عموم البلاد.

لقد عبر الكثير عن هذه الحقيقة. فعلى سبيل المثال قال، صاحب بسطة للخضروات في سوق بغداد الجديدة لأحدى الوكالات الصحفية، إن “رجال السياسية يتلاعبون بمصير الشعب دون مراعاة أوضاعه أو مشاعره كبشر، فالشعب بحاجة لحكومة تلبي رغباته في العيش الكريم” وأضاف باللهجة العامية: “خلص عمرنا بالحسرة واحنه ننتظر تجي حكومة تحقق أحلامنا”. فيما قال اخر وهو، عامل بالأجرة في محل للملابس ببغداد، أن “ترسيخ مفهوم حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة من قبل بعض النواب هو محاولة للضغط على الشارع للقبول بالفكرة”. اما الثالث الحاصل على شهادة بكالوريوس في العلوم السياسية، فقد قال، أن “حل البرلمان وإعادة الانتخابات يكشف جلياً غياب المشروع الوطني الحقيقي عن برامج القوى الفاعلة في المشهد، وأن ما يهمها هو مصالحها الحزبية ومنافعها الشخصية لا أكثر”. وأضاف “إذا ما تم بالفعل حل البرلمان واعادة الانتخابات، أعتقد أن أغلب العراقيين لن يذهبوا للاقتراع”. ومعلوم ان قرار حل البرلمان في العراق تجده واضحا في المادة 64 من الدستور العراقي، التي تنصّ على أن حل البرلمان يجري بإحدى طريقتين: إما بطلب من رئيس الحكومة وموافقة رئيس الجمهورية، أو بطلب من ثلث أعضاء البرلمان على أن يجري التصويت على حله بالأغلبية المطلقة.

كان من بين اهم العقبات التي واجهت المعارضين للعملية السياسية، وأخرت محاولات اسقاطها، تلك المسرحيات التي يعرضها هؤلاء الأشرار، كلما واجهوا ازمة او انتفاضة او ثورة. من خلال تسويق الصراعات بين الأحزاب والكتل، على انها صراعات من اجل الإصلاح ومحاربة الفساد وتحسين الظروف الاقتصادية والأمنية الخ. على امل امتصاص النقمة وتخفيف حدة الاستياء الشعبي ودفع الناس للدخول في خانة الانتظار أربع سنوات إضافية. لكن ثورة تشرين، على الرغم من تراجعها لأسباب لا مجال لشرحها، قد فوتت فرصة تمرير مثل هذه المسرحيات. فالثورة فضحتهم الى درجة شجعت الناس على رفض المشاركة في الانتخابات، كونها لم تعد مجدية، ولان نتائجها يحددها الاسياد لا صناديق الاقتراع. الى جانب فضح المشاركين فيها وتعريتهم، واتهامهم بسرقة أموال الشعب وتدمير البلاد والعباد. لينتهوا الى تأكيد حقيقة هؤلاء الأشرار المخزية وخاصة مقتدى الصدر وحلفه الثلاثي ونوري المالكي واطاره التنسيقي. حيث وصفوهما بانهما وجهان لعملة رديئة واحدة.

ليس الأشرار وحدهم أصبحوا منبوذين، وانما اسيادهم أيضا. فأمريكا راعية العملية السياسية والمتحكمة بها، قد حملها العراقيون مسؤولية ما حل بالعراق من دمار وخراب. وكشفوا حقيقة الصراع حول تشكيل الحكومة باعتباره صراعا هامشيا الى حد كبير، وأكدوا على ان تشكيل الحكومة سيتم ترتيبه من قبل أمريكا وإيران على وجه الخصوص. وبالتالي أسقطوا القناع عن المحتل وفضحوا اكاذيبه، عن العراق الجديد والديمقراطية الفريدة، حيث اثبتوا بانها ديمقراطية مشوهة لان أسسها تتعاكس مع مبادئ النظم الديمقراطية في كل انحاء العالم. لينتهوا الى خلاصة هامة مفادها، ان امريكا لم تأت الى العراق لبناء نظام ديمقراطي يخدم العراق وأهله، وانما جاءت لتدمير العراق دولة ومجتمعا.

على ارض الواقع، اثبت سنوات الاحتلال العجاف، ان عملية المحتل السياسية مثلت الأداة التي تخدم المحتل وتكرس مشروعه لعقود طويلة، وان متزعميها مهما اختلفوا فيما بينهم، فهم في نهاية المطاف اصدقاء وحبايب، وان صراعاتهم ليست من اجل المصلحة العامة، وانما للفوز بمكانة المحظية الاولى لدى المحتل، سواء كان أمريكيا او إيرانيا او لكليهما. هذه الظاهرة ليست استثناء عراقيا، وانما هي سمة العملاء في كل مكان وزمان. وبالتالي، فالحل الأمثل لإخراج العراق من محنته العودة الى خيار ثورة تشرين، مادامت هذه الثورة تعيش في عقل الشعب العراقي ووجدانه، ومادام أبناؤها يمتلكون الارادة الفولاذية والاصرار على استعادة الوطن المنهوب. والحديث عن الارادة والتصميم لا يندرج هنا في خانة الانشاء او التحريض، وانما هي حقيقة اقرها كبار الخبراء، من عسكريين وسياسيين وفلاسفة. فالمارشال البريطاني “برنارد مونتجومري قائد قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية قال” إن الحرب ليست دبابات تتصادم وليست مدافع تهدر وليست جنود مشاة يحتلون مواقع، وإنما هي إرادة تعلو فوق إرادة ” في حين قال الفيلسوف الإغريقي هرا قليط ” الارادة في الحرب هي أم جميع الأشياء، فهي تجعل من بعضهم آلهة، ومن آخرين عبيدا أو رجالا أحرارا”. اما الفيلسوف أرسطو فقد أكد في كتابه السياسة ” فن الحرب اساسه الارادة والمهارة والكفاءة، فهي التي تصنع المعارك الكبرى وتصنع التاريخ”.

ثورة تشرين تمتلك سلاح الإرادة الفتاك، وتتمتع إضافة الى ذلك بتأييد من قبل عموم الشعب العراقي. وبالتالي، فان نتائج هذه المعركة الوطنية، ستنتهي حتما لصالح الثورة. لان ارادتها تعلو على إرادة العملاء والحرامية وان مشروعيتها تترسخ يوما بعد اخر، مقابل مزيد من انكشاف عورات هؤلاء الأشرار امام الناس كافة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *