في الشرفة وما ينبغي

في الشرفة وما ينبغي
آخر تحديث:

طالب عبد العزيز

لكي نقرأ قصيدةً جميلة عن الحبِّ مثلاً، يستدعي الامرُ وجودَ امرأة جميلة. ولتحقيق ذلك، يقتضي إيجاد المكان اللائق والجميل، وهنا، نجد أنَّ شرفة الفندق أو البيت التي تطلُّ على البحر، أو التي تُشرفُ على حديقة ما، ستكون المكان المناسب لوقوفِ المرأة، ولمرور الشاعر، أو توقفه للحظات، ومن ثم لتأمل الحياة، وهي تكتسب معنى من معانيها، عبر أصيص ورد، أو فنجان قهوة، أو كأس نبيذ. وإلا ما معنى المال الذي أنفق، والجهد الذي بُذلَ في بناء شرفة مغلقة، يتدلى من سقفها فانوس تراثي مطفأ، لا تستخدمُ إلا لنشر الملابس الداكنة؟.  

لم تدخل الشرفةُ ابجدياتِ الهندسة المعمارية إلا متأخرة، ففكرة بناء البيوت كانت قائمة على اساس الحماية من الوحوش وعوامل الطبيعة (مطر ورياح وثلوج) أو من اللصوص والاعداء، لذا فهي طارئة، وبناؤها إضافة جمالية لا أكثر، وأيُّ استخدام سيئ لها هو إخراج لها من وظيفتها. في المنازل الصغيرة، أو في غرفات الفندق كثيرا ما يُختزل الاثاث الى طاولة صغيرة، وكرسيين أو ثلاثة، فالمكان ليس للإقامة الطويلة، وهو اقتطاعٌ من فضاء عام، ولحظةٌ عائمة في الهلام بين السماء والارض، لكنها تحتشدُ بالاكف، وهي تلوّح مستقبلةً، أو وهي تنفتحُ مودعة، ولا يزيدها الانتظار إلا دعةً وجمالا.

تجْهزُ ربّةُ البيت على روح الشرفةِ حين تنشر على دربزينها ثياب زوجها الداكنة، أو تركنُ زوج أحذيته خلف القضبان، أو تحرّف استخدامها، كأن تجعلها مخزناً لقناني غاز الطبخ، لكنها ستضيف أناقةً وجمالاً باذخاً لها إذا عرفت كيف توزّعُ ملابسها الداخلية في زواياها، ومارست مع عين الشاعر لعبة الظهور والتخفي، فوضع كلسون أبيض صغير قرب أصيص زهور الاوركيدا يمنح المشهد نضارةً، ويضفي على الشرفة معنى مضافاً لوجودها، ولعلها تكون المكان الانسب لتناول فنجان قهوة الزوج، قبل ذهابه الى عمله، هناك، حيث سيكون جاهزاً لقبلة بطعم الحليب والشيكولاته، وبما يربك المهندس، الذي لم يكن ليضع في حسبانه غايةً كهذه.

قد يكون النهارُ أكثرَ الاوقاتِ تحفّظاً باستخدام الشرفة، عند الاسر، ذات الانضباط الديني، أو الخاضعة، بحكم العادة، لمعايير السكن المتقارب، وكثير النوافذ الزجاجية، بافتراضات وجوب تقديم صورة تقليدية للجيران، مع استحالة وقوع ذلك، غير منقوص، بفعل الحاجة الدائمة، والترداد المتقطع على الشرفة، إلا أنَّ الليلَ سيكون نقطة تحوّل في وظيفة الشرفة، فهي المكان المستثنى في تدرج أهمية غرف البيت، واستعمالاتها، والذي تنتفي الحاجة فيه الى الحديث الجاد، مثل أولوية الديون، وعُطل الاجهزة الكهربائية، أو تربية الاولاد.. هذا مكان لانقضاء الوقت، وتبديد الشجون، فالرجل سعيد بأنه يستطعم قدح عصير البرتقال فيه، والمرأة تجد الحرية كاملةً في ما ترتدي هنا، بعد أنْ تعطّل فانوس الشرفة، بقالبه العثماني، وحجبت الثيابُ الملونة أكثر من فضاء فيها. هل تعطلت القصيدة؟ لا، فالعين الشاعرة تسترق لحظات كهذه، وإن لم يقدم أحدٌ على إبدال الفانوس بآخرَ جديد.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *