نزاهة النزاهة

نزاهة النزاهة
آخر تحديث:

 بقلم:ابراهيم الزبيدي

أصدرت هيئة النزاهة (العراقية) حكما قضائيا باستدعاء الرئيس السابق للجنة العليا لإغاثة النازحين وإيوائهم، نائب رئيس الوزراء السابق، الدكتور صالح المطلك للتحقيق معه  في قضية صرف مبلغ 16 مليون دولار خلافا للقانون.

وقالت الهيئة إنه، عندما كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون الإعمار والخدمات وافق على مقترح وكيل وزارة الهجرة والمدير العام للدائرة الإداريَّة والماليَّة في الوزارة على تحويل المبلغ إلى العوائل النازحة، عن طريق إحدى الشركات الأهليَّة، دون صدور قرار من اللجنة العليا لإغاثة وإيواء النازحين.

لكن هذا الحكم القضائي من هيئة النزاهة لم يمر على العراقيين دون أن يتخذوه موضع سخرية، على مواقع التواصل الاجتماعي، متسائلين، لماذا الآن؟، وهل إن صالح المطلق وحده الفاسد في دولة الفاسدين؟، ثم ما قيمة 16 مليون دولار قياسا بالمئات من الملايين، والمليارات التي اختفت من العراق ثم ظهرت عماراتٍ ومزارع ومصارف وشركات طيران في دبي وطهران وعمان ولندن والسيدة زينب وبيروت ؟.

والواضح أن العراقيين الساكنين في الفيس بوك وتويتر ويوتيوب لا يثقون بنزاهة قضائهم، وذلك لأن لهم تجارب عديدة سابقة أدان فيها هذا القضاء متهمين بجرائم اختلاس وإرهاب وجرائم قتل مختلفة، ثم أمر بإطلاق سراحهم، بحجة عدم كفاية الأدلة، حتى بعد اعترافهم بارتكاب الجرائم التي أحيلوا بسببها إلى العدالة.

وأصل الحكاية أن الحاكم الإيراني، منذ أن مكّنته أمريكا من احتلال العراق، تساهَل، بل شجع وكلاءه العراقيين الشيعة على عدم احترام القانون، وأحلَّ لهم القتل والاختلاس واغتصاب مباني الدولة وأراضيها وأنهارها ونفطها وغازها وجميع مواردها الأخرى، بلا حدود، ومنع عنهم أية مساءلة داخل العراق أو خارجه، وحماهم من كل حساب وعقاب. كما سمح لبعض السياسيين السنة والكرد القابلين بالانصياع لكل أوامره وتوجيهاته بالإثراء غير المشروع، ولكن فقط من أموال محافظاتهم، مقابل أن يظلوا في خدمته وطوع بنانه.

حتى تعوَّد العراقيون على السخرية من كل رئيس وزراء جديد، عند تنصيبه، حين يتعهد بمحاسبة الفاسدين وبفرض سلطة القانون، لأنهم متأكدون من أنه لن يجرؤ على فعل شيء حقيقي ضد أي واحدٍ من الفاسدين، خصوصا ضد واحدٍ من كبارهم المؤمَّنين ضد جميع الأخطار.

كما أصبحوا عارفين، في الوقت نفسه، أن هذا القضاء لابد أن يُصدر أحكاما بالإعدام أو بالسجن على كل سياسي يتجرأ فيمسّ العصب الحساس الذي يزعج الحاكم الإيراني أو أحد خدمِه العراقيين الكبار. ثم حين يندم ويعتذر ويجدد ولاءه الكامل لولاية الفقيه، يسارع قضاء مدحت المحمود، ثم قضاء فائق زيدان من بعده، إلى إلغاء أحكامه السابقة، ويغلق الدعاوى المقامة ضد من تُقبل توبته من المتهمين. والملاحظ أن أغلبهم من السياسيين السنة، وأن بعضاً منهم من الكورد المشاكسين.

فلم ينس العراقيون قضية مشعان الجبوري الذي كان مطلوبا للقضاء بتهم تتعلق بدعم الإرهاب والفساد المالي. فقد أصدر القضاء العراقي أحكاما بالسجن بحقه لمدة 15 سنة “لتورطه بالاستيلاء على مبالغ إطعام أفواج حماية المنشآت النفطية التابعة لوزارة الدفاع، منذ خلال عامي 2004 و2005، وتأسيسه شركة وهمية للأطعمة”. وفي شهر أوائل عام 2012 بدأ يعلن مواقف متشددة يؤيد فيه حكومة نوري المالكي التي كان يشتمها ويصفها بالصفوية، ويشتم كل من يعارضه من السنة العراقيين، ففاز بالرضا والغفران، واستقبله عزت الشابندر، وكان مستشارا لدى رئيس الوزراء، واصطحبه إلى المحكمة التي كانت قد حكمت عليه، فأغلقت جميع الملفات، ثم عاد إلى العمل السياسي بكامل الحرية والأمن والأمان.

وفي عام 2013 أعلنت هيئة النزاهة عن صدور حكم بحبس وزير المالية الأسبق، رافع العيساوي، سبع سنوات بقضايا تتعلق بفساد مالي وإداري وإرهاب.

وقبل أيام حضر العيساوي، شخصيا، مجلس عزاء (المجاهد) فالح الفياض بوفاة أخيه. وهذا يعني أنه لم يعد مختلسا ولا مخالفا إداريا ولا إرهابيا، وعفى الله عما سلف.  

ثم مثال آخر. لقد كان خميس الخنجر مطلوبا للعدالة بتهم تمويل داعش ومحاربة الدولة والجيش العراقي والحشد الشعبي، استنادا إلى أحاديثه التلفزيونية العديدة التي يعترف فيها بالثورة على الاحتلال الإيراني، ويدعو للزحف إلى بغداد لتحريرها من العصابات الصفوية الحاكمة.

وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول 2015 أصدر القضاء حكما قضائيا وفقا للمادة 4 إرهاب تضمَّن مذكرة بالقبض على الخنجر ومصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة، ومنعه من السفر”.

ثم فجأة ظهر في بغداد وحلَّ ضيفا على منزل هادي العامري، ليصوره التلفزيون مبتسما ومسترخيا، وعلى يساره نوري الماكي، وعلى يمينه المحارب مع الجيش الإيراني ضد الجيش العراقي، هادي العامري، وبحضور قائد الحشد الشعبي فالح الفياض. ثم أعلن انضمامه إلى تحالف البناء الذي يجمعه مع مليشيا بدر لصاحبها العامري، وائتلاف دولة القانون لنوري المالكي. 

وفي الشهر الماضي أصدر القضاء أمرا باعتقال قاسم مصلح قائد الحشد الشعبي في الأنبار لتوفر أدلة واعترافات وقرائن تؤيد ارتكابه جرائم قتل عمد، ثم أفرج عنه لعدم كفاية الأدلة؟.

وما زال قتلة المتظاهرين في 2019  و2020، و2021، لم يتمَّ كشفهم وعقابهم إلى اليوم.

ثم، ماذا عن جرائم خطيرة من وزن احتلال داعش للموصل وصلاح الدين والأنبار وديالى؟ أما زالت ممنوعة على المحقيين؟.

وأين التحقيقات في جريمة سبايكر؟، وماذا فعل القضاء بموضوع المغيبين الذين خطفتهم المليشيات في الرزازة والصقلاوية والحويجة وسامراء والدور وبيجي وديالى وتكريت وسامراء، وما زال الفاعل مجهولا رغم أنه معلوم؟.

وآخرها الحكم الذي أصدره القضاء بحق أحمد الجبوري، أبو مازن، بمنعه من الترشح في الانتخابات القادمة، بعد ثبوت ارتكابه جرائم غش وسرقة واحتيال، ثم عاد القضاء نفسه  فبرأه وألغى الحكم وأعاد إليه حقه في الترشح من جديد.

نصيحة مخلصة للدكتور صالح المطلق، سارع إلى الاعتذار، وتعهد للمندوب السامي الإيراني بعدم تكرار هذا الغلط، وستلغي هيئة النزاهة حكمها بطرفة عين، وسترى.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *