هل أنجز الناقد جميع مسؤولياته؟

هل أنجز الناقد جميع مسؤولياته؟
آخر تحديث:

صلاح حسن السيلاوي 

تساؤلات كثيرة عن الأنساق المعرفية السائدة أو المضمرة في النصوص الإبداعية، عن غرق النص في الأنساق الأسطورية أو الدينية أو المادية، عما يقدم الكاتب العراقي من جديد، عن رأي النقد بتنافس الأجناس الأدبية والأشكال، عن هم الريادة ومدى وجوده في ذات مشهدنا الثقافي، عن نقد النقد. أسئلة تحيلنا إلى عمل الناقد ومنجزاته. ما الذي رصده الناقد العراقي عن أهم الظواهر الثقافية في النصوص الجديدة؟، ما مستوى خطاب الحداثة او المُعاصَرة في الكتابات الإبداعية؟،  ماذا قال النقد عن خصائص السرد العراقي بأجناسه والشعر بأشكاله؟، وبِمَ تتميز الكتابة بعد عام 2003 مثلا؟، وما أثر التوجهات السياسية في النص؟. عن هذه التساؤلات وغيرها بحثنا مع نخبة متميزة من نقادنا عن إجابات وافية عبر هذا الاستطلاع. 

حداثة في أفق تلقي تالف 

الناقد جمال جاسم أمين يظن أن السؤال عن الظواهر الثقافية في النصوص الجديدة يشير الى جهة الناقد الثقافي وليس الادبي، كما انه يحرض على سؤال ضمني هو: هل هضمنا مناهج النقد الثقافي لدرجة القدرة على استخدامها بشكل جاد؟، ثم أجاب أمين عن ذلك السؤال بقوله: أظن أن الكثير من العثر على هذا الطريق، للاسف ان البعض يعبئ عقده ضد النص او الناص ويحقنها في شيء اسمه نقد ثقافي!، وهو الامر العجب الذي يحتاج الى أكثر من وقفة في الحياة الثقافية العراقية التي تعاني زحف أنساق المجتمع نحوها وغرقها في المنسوب العالي لأمواج (العقد) بأنواعها.. هذا شق، أما الشق الآخر نتحدث عن حداثة ونقصد (معاصرة).. أين حداثتنا؟، هل يمكن لاحد ان يتعلم الحداثة او ينقلها نقلا!، الحداثة تحتاج انبثاقا داخليا، عضويا وليس طلاءً خارجيا بلا بنى تحتية لهذه الحداثة المزعومة.. نص حديث في أفق تلقي تالف وتقليدي حد القرف!، كيف يستقيم الحال؟، كلنا تورطنا في اشتغالات حداثة لكننا نعاني في كل حين بؤس مقولاتنا التي ظلت عالقة في سماء غموضها أولا ولا جدواها ثانيا.كما تحدث أمين عما ميز الكتابة بعد 2003 قائلا: اظن اننا في مشروع البديل الثقافي الذي انطلق منذ 2005 طالبنا بمسار جديد وخريطة كتابة اخرى تستلهم التغيير السياسي والاجتماعي لصناعة متغيرات ثقافية، لكن للأسف بؤس المؤسسات وحاجتها لخطاب تالف تمت اعادة انتاج هذا التالف من دون جديد يذكر.

ندرة نقاد ونصوص

الروائي علي حسين عبيد أشار إلى ندرة النقاد العراقيين المتمكنين إلا أنه يرى أنها ندرة منسجمة مع ندرة النصوص الأدبية التي يتم فرزها من بين كم هائل من الأعمال التي جمعت بين الجيد والمتوسط والرديء، وأضاف عبيد موضحا: لعل الظاهرة الأهم التي أشَّرها النقد العراقي مؤخرا، هو الزخم الهائل للكتب المطبوعة بعيدا عن الضوابط الفنية للعمل الأدبي الشعري أو السردي، وكثيرا ما شكا (نقاد وأدباء وحتى قرّاء) من سهولة طبع الكتاب اليوم، كون دور النشر لم تضع تقييما فنيا لما تطبعه، باستثناء بعض الدور المرموقة.ومن الطبيعي أن تظهر توجهات سياسية عديدة في نصوص ما بعد 2003، فليس الأمر مستغربا بسبب الانفتاح السياسي، والحاجة لترويج الأفكار السياسية.يندر أن تجد ورقة نقدية أو دراسة تعمّقت في الخطاب الحديث للنصوص الجديدة، أنا باعتقادي أن أجيال ما بعد 2003 لما تزل في طور التجريب، وكثير من الكتابات غير الخاضعة للتقييم غابت عنها أطر الحداثة ولم تعنِها المعاصرة بشيء، ما يهم مؤلّفوها هو أن يخرج المطبوع في شكل كتاب، وقد يكمن السبب بكسر حواجز الرقابة، وقد قيل الكثير في السرد والشعر بعد 2003، هناك نقاد جادون وآخرون في بداية تجريب النقد، بعضهم قدّم بإخلاص خصائص واضحة للسرد العراقي، وأشار للتطور الفني وأسلوب الكتاب، ونبّه على مكامن التميّز، كما فعل النقاد فاضل ثامر، ياسين النصير، محمد يونس، د.سمير الخليل، والناقد محمد جبير.وكان لعبيد رأي بكتابة ما بعد 2003 هو: تتميز كتابة ما بعد 2003 بنوعين، الأول يشكل امتدادا لتجارب كتاب وشعراء ما قبل هذا التاريخ، لاسيما من امتلك منهم تجربة كتابية راسخة، هؤلاء واصلوا تجربتهم في عملية إبداعية تصاعدية والأمثلة معروفة في الوسط الأدبي العراقي، أما النوع الثاني فأقصد بهم من خرجوا بعد التاريخ أعلاه، وكتبوا في غياب الرقابة، هؤلاء بعضهم تمكن من تثبيت شخصيته الأدبية المختلفة، فيما فشل آخرون وهم الغالبية بسبب عدم نضج التجربة، فغياب الرقابة لا تعني حتمية ظهور كتاب مبدعين.

جهد واضح للنقديَّة العراقيَّة 

الناقد علي سعدون قال: لا يمكن لأي منا أن ينكر الجهد المضني الذي يبذله الناقد في رصد وتتبع الظواهر الشعرية وما يطرأ عليها من متغيرات. نحن بذلك نكون كمن يدير ظهره الى جهد ملحوظ ومهم في الادب العراقي. نعم هناك جهد واضح للنقدية العراقية في رصد وتتبع العديد من التجارب الشعرية، لكن الى اي مدى نجح ذلك النقد في تصويب مسارات ذلك الجهد في الكتابات الحديثة؟، وهل استطاع ان يميز بينها وما بين ما سبقها؟، هذه بتقديري هي الجزئية المهمة في هذا الاجراء. فضلا عن ذلك كله، فقد اشارت الدراسات النقدية الحديثة الى الاثر الكبير الذي خلّفته المتغيرات الاجتماعية والسياسية على منجز الشعرية العراقية، خاصة في فترات ما بعد الــ 2003 من حيث مضمون النص لا شكله، ذلك المضمون الذي أخذ نبرة الاحتجاج وتربّع على عرش مناهضة الواقع السياسي بموضوعية وبتطرف بالغ على حد سواء. وأضاف سعدون بقوله: أيضا أما في ما يخص خصائص السرد العراقي، فأعتقد جازما أن النقد كان منشغلا بتلك الخصائص الى الحد الذي اختزلها فيه بتجديد الخطاب والاهتمام ببنية النص القصصي والروائي وانشغاله بأعقد القضايا الخلافية التي انبثقت في الحياة العراقية منذ زوال الحقبة الديكتاتورية، على الرغم من ان تلك الخصائص هي من ثوابت بناء السرد كالراوي والشخصيات والعقدة والمعالجة إلخ.  ولا اعتقد بوجود متغيرات على خصائص الشعرية من حيث الشكل، ذلك ان الكتابة الشعرية في العراق ظلت متوهجة بقطع النظر عن أنماط كتابتها في العمود والتفعيلة وقصيدة النثر، وان المتغيرات كانت مضمونية وموضوعية وليست شكلية.. إن الكتابة الشعرية والسردية في العراق ما بعد العام 2003 تميزت بغزارة انتاجها ووفرة التنوع فيها الى الحد الذي يمكننا تأشيره كعافية ثقافية مزدانة بالسطوع كله، وان النقد بذل ويبذل جهودا واسعة في رصد وتحليل معظم تلك النتاجات الادبية.  

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *