سعد الكناني
زيارة نائب الرئيس الايراني اسحاق جهانغيري الى العراق والتي جرى خلالها التوقيع على (7) اتفاقيات في مختلف المجالات وفق الإستراتيجية الاقتصادية الايرانية ،قال جهانغيري عند التوقيع “طموحنا هو رفع علاقاتنا الاقتصادية مع العراق الى مستوى العلاقات السياسية”،وابرام هذه الاتفاقيات سترتفع الصادرات الايرانية للعراق الى 22 مليار دولار سنويا .
هذه الاتفاقيات وغيرها جعلت العراق شريكا تجاريا رئيسيا لايران، وفق علاقة مصلحية حيوية عرفت منذ 2003 ، حيث تضاعف حجم الصادرات الايرانية للعراق منذ ذلك الوقت إلى الآن عشرات المرات مستفيدة بالأساس من وجود حكومات قريبة منها، قرابة جعلت من إيران الطرف المستفيد من هذه المبادلات التجارية ،لكون العراق غارق في مستنقع الفوضى السياسية والأمنية .إن ايران نجحت في العراق ليس في تثبيت وجودها السياسي وانما في كل مجالات الحياة الى درجة “الابتلاع”،فبعد ان كان حجم الصادرات الايرانية للعراق مليار دولار في عام 2005 وصل الى 12 مليار دولار في 2014.
الجديد في الموضوع هو تصريح وزیر الاقتصاد والمالیة الايراني علي طیب ، يوم 17 شباط 2015،قال “ان حجم التبادل التجاري بین ایران والعراق سیرتفع من 12 الی 22 ملیار دولارسنويا” . كل ذلك يجري في ظل العقوبات الاقتصادية على ايران من قبل المجتمع الدولي بسبب ملفها النووي ، والظاهر ان هذه العقوبات تبدو وكأنها قد دبرت أمرها بعدد من الحلول لواقع ما بعد العقوبات، وللمفارقة فإن واشنطن عراب تلك العقوبات هي من هيأ لطهران أحد أهم هذه الحلول وهو (العراق) الذي تضاعف فيه حجم الصادرات الإيرانية عشرات المرات منذ حكومة الجعفري.
والاتفاقية التي استوقفت عندها هي الاتفاقية التي وقعت بين وزيري النقل العراقي ونظيره الايراني في “مد سكة حديد من الحدود الايرانية في الشلامجة الى محافظة البصرة بطول 32,5 كم وانشاء جسر متطور على شط العرب تكفل الجانب الايراني بإنشاءه وفق احدى التصاميم والذي يسمح بالملاحة في شط العرب بكلفة يتحملها الجانب الايراني تصل الى (40) مليون دولار بينما يقوم الجانب العراقي بتحمل تكاليف فتحه الجسر والبالغة (9) مليون دولار “.
السؤال ..ماذا وراء هذا (الجسر) وايران تعاني من ازمة اقتصادية حسب ما “معلن” وهناك 8 منافذ رسمية تربطها مع العراق عدا “الغير رسمية” وهناك الملاحة الجوية والنهرية ؟!.
واقع الحال أن العراق اليوم هو تحت النفوذ الايراني المتزايد ،وهذا النفوذ جاء من خلال اصدقائها في العراق ، ايران من خلال “اصدقائها” دمرت ركائزالاقتصاد العراقي، كل شيء اختفى من “صنع في العراق”،بل اصبح الميزان التجاري لصالح إيران،كل العقود لصالح إيران ، كل حكومات التحالف “الشيعي” منحت إيران أن تفتح بنوكا لها في العراق ،وجود هذه البنوك الإيرانية في العراق هي لاغراض التعويض في حالة فرض عقوبات جديدة على ايران وبالتالي العراق سيكون هو البديل المنطقي عن ذلك، اضافة الى العقود النفطية بين العراق وايران .
بمعنى آخر ان الاقتصاد العراقي تم استيعابه واحتواءه من إيران،وإن القوى الاقتصادية العراقية الفاعلة تجد اقتصادها وحياتها مرتبطة بالرأسمال الإيراني والرأسمال الإيراني في الواقع هو رأسمال حكومي وأكثر من ذلك إن مؤسسة الحرس الثوري هي ليست مؤسسة عسكرية فحسب وإنما أصبحت مؤسسة اقتصادية وتجارية ومالية، وهناك(36) واجهة مخابراتية ايرانية تعمل في العراق ،كتبت عنها عام2009 كلها تعمل من اجل مصالح ايران العليا في العراق ، هذه الحقيقة المؤلمة ..أنا لا ألوم إيران..لانها تعمل من اجل مصلحة شعبها.
كل السياسيين العراقيين بمختلف مشاربهم زاروا ايران وفق المثل “ومن الحب ما قتل” يعني الادعاء بالحرص على الشعب العراقي ، وهو نفس ادعاء الأميركان وبالنهاية نكب العراق، والآن نسمع أن المسؤولين الإيرانيين يتحدثون عن “حب العراق” ،اثناء توقيع الاتفاقيات وإذا بالعراق ينكب أكثر وأكثر. ليس من واقع التهويل ، لان الوضع العراقي اصبح هكذا بسبب الولاءات الخارجية والفساد، فعملت إيران بأن جعلت العراق مستنقعا وزادت من تهشيم البنى التحتية العراقية ” لا صناعة ولا كهرباء ولا زراعة ولا خدمات ولا ثروة حيوانية من خلال دعمها لاذرعها العسكرية بتنفيذ اعمال عنفية ” ،وأقولها بكل ألم، كل عراقي يتمنى علاقات سليمة وصحية مع إيران فهي الجارة التاريخية مع العراق ،ولكننا لا نريد من هذه الاتفاقيات ان تجعل العراق مجرد “اسم” ويتحول من خلالها إلى انتقام إيراني بطريقة ناعمة بأن يتحول العراق إلى النفوذ الايراني المطلق .
ولانعتقد ان يأتي رئيس وزراء في العراق مخاصم أو يختلف مع إيران، من يأتي للحكم سيكون “إيجابيا”مع إيران، إيران تعرف مدى نفوذها في العراق وتعرف مدى هيمنتها في كردستان، وتعرف مناطقها، والآن هي في مركز قرار التحالف “السني” ،هذا الواقع المأساوي للعراق ،والعراق بهذه الحالة أصبح صيدا غنيا لمن يستطيع أن يسيطر عليه بعدما انقسم اهله على أنفسهم وأضاعوا بلدهم بأنفسهم. فهنيئا لقادة الكتل السياسية من يحبون العراق بهذه الاتفاقيات وبهذا (الجسر) على شط العرب .. لان العراق اصبح مجرد اسم .