أقسم بالله أني بكيت، وأنا أقرأ مقالة الدكتور تحسين الشيخلي الأكاديمي العراقي المقيم في لندن.. , أقسم بالله أني شعرت بالقرف والغثيان.. أقسم بالله أني كفرت بالعمائم الطائفية في الإسلام كلها سوداء أو بيضاء، سنية أو شيعية، فكل عمامة أتخيلها وكأنها جالسة في دكان تبيع الدين السمح الذي تلقفته الإنسانية لعدالته ورقيّه، بعد أن تديفه بطائفية قذرة يرفضها الدين القويم.
كفرت بأئمة الكفر من الطائفيين.
وسأبصق في وجه كل من يرميني بالطائفية، أو يقول إن دوافعي من كتابة هذه السطور دوافع طائفية، فأنا شيعي عربي من مدينة الكاظمية تربيت في مجتمع يرى كل عراقي أخاه، ولم يجرح يوماً يهودياً أو مسيحياً أو صابئياً يزيدياً، فكيف بأخيه الحقيقي المسلم السني؟ وكان هذا المجتمع يلجم كل صوت طائفي أو تشم منه رائحة الطائفية؟
وعتبت على العمائم العربية التي لم يعل صوتها، إلى الآن، في مواجهة الموجة الطائفية المقيتة التي غزت مجتمعنا من وراء الحدودعلى يد ميليشيات قذرة حاربت العراق في الثمانينات، بعد أن غسلت يدي من المراجع الأربعة الكبار الذين وجهت إليهم النداء تلو النداء وكأني أصرخ في واد.
عتبت على عمائم الخالصيين المتنورة ورأيت أن ما بذلوه للثورة ومحاربة الطائفية لم يكن كافياً، وعتبت على عمائم الحسنيين البغداديين الذين اكتفوا بإصدار بيان واحد في بداية الثورة وصمتوا.. وعتبت على السيد الحسني الصرخي الذي رأينا منه جعجعة ولم نر طحناً، وربما أراد بهذه الجعجعة أن يرسخ مرجعيته فقط.. وعتبت على العمائم العربية كلها لأنها تفهم حقيقة التشيع وتحمله صافياً نقياً كما وضعه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام الذي حذر الشيعة من معاداة أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى أو الافتراق عنهم، وأوصاهم أن “عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم واشهدوا لهم وعليهم، وصلوا معهم في مساجدهم، ثم قال: أي شئ أشد على قوم يزعمون أنهم يأتمون بقوم فيأمرونهم وينهونهم فلا يقبلون منهم، ويذيعون حديثهم عند عدوهم، فيأتي عدوهم إلينا فيقولون لنا: إن قوماً يقولون ويروون عنكم كذا وكذا فنحن نقول: إنا براء ممن يقول هذا فيقع عليهم البراءة”.
ولابد لي أن أذكر، هنا، الإحصائية التي عمل عليها العلامة الدكتور حسين على محفوظ عن الاختلافات الموجودة بين المذاهب الإسلامية كلها فظهر له أنها 6% وأن جميع هذه المذاهب متفقة على 94%، وأن اختلافاتهم في الفروع لا بالأصول، وهكذا فإن المحتلين والمستعمرين ووكلاءهم والطائفيين جميعهم يلعبون في ساحة الـ6% فقط وهي في الفروع لا بالأصول، كما قلنا.
وعتبت على مثقفي الشيعة ومتنوريهم الذين لم نسمع أصواتهم في هذه المحنة الطائفية القذرة التي يجر مجتمعنا إليها جراً وكلاء الاحتلال.
نعم، أعرف أنكم تريدون معرفة ما كتبه الدكتور الشيخلي في صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي “الفيس بوك”.
حسناً..
يروي الدكتور أن أحد زملائه الأكاديميين اتصل به من العراق وأخبره بأنه محتاج إليه جداً لأنه تعرض لموقف سخيف ومذل، هو أنه كان عضو لجنة امتحانية لطالب ماجستير في جامعة الانبار، وبعد انتهاء المناقشة والعودة الى بغداد أوقفته سيطرة في ابو غريب تسأله لماذا يدخل بغداد، فأجابهم أن بيتي في بغداد في الأعظمية وكنت في مهمة في الأنبار. فطلب منه الجندي أن يركن سيارته جانباً ويترجل منها، وتم تفتيشها بالكامل، ولكن أحد الجنود طلب منه مرافقته الى إحدى الغرف في السيطرة لمقابلة الضابط.
يقول الأستاذ: وفعلا دخلت على الضابط الذي يحمل رتبة ملازم أول، فقال له الجندي: سيدي هذا سني من الاعظمية وجاء من الفلوجة يريد الدخول إلى بغداد (ويقسم الأستاذ يمينا أن هذه هي الكلمات التي نطق بها الجندي وهو صادق).
ويضيف الأستاذ: فوجئت بهذا الكلام وحاولت رده لكنه فاجأني بضربة على ظهري وكلمة نابية تحثني على السكوت، فضحك الضابط وقال ماذا تعمل قلت له أستاذ جامعة وهذه هويتي وكنت بواجب وشرحت له الأمر، فأجابني خوش تزورون هويات!!! شعرت بأنني امام موقف سخيف لا أعرف بماذا أرد. وقال لي الملازم: وهل تنقل رسالة لأميركم عن مظاهرات الجمعة، حلفت له أن لا دخل لي بهذه الأمور ولكنه صرخ علي وأسكتني، وفي هذه الاثناء دخل ضابط آخر برتبة مقدم، فانتفض الضابط والجندي، ونهضا وأدّيا له التحيّة، حينها شعرت بالفزع والخوف أنا أيضا، وأيقنت أنّ ثمة مشكلاً كبيراً، وأنني في مواجهة “شخصية مهمّة”.
ويواصل الأستاذ حديثه للدكتور الشيخلي قائلاً: ولم يمهلني المقدم بعدما قال له الملازم سيدي هذا إرهابي من الاعظمية، وأمضيت وقتاً طويلاً وأنا أحاول أن أوضح له الموقف حتى انهال عليّ بالسبّ والشتم، قبل أن تتطوّر الأمور إلى الصفع على الوجه، وبعد أن سبّني وشتمني، صفعني، ثم بصق عليّ.
هذا كله ليس مهماً، فمن الطبيعي أن يتعامل الجاهل عندما يمتلك السلطة مع العلماء بهذا النحو، لكن اللحظة الأكثر قسْوة على الاستاذ، كما وصفها، جاءت بعد أن شرح له أنه أستاذ جامعة ولا دخل له بالسياسة وأقسم على ذلك، فأجابه المقدم: إذا أردْت أن أسامحك أمامك حلّ واحد، وهو أن تقبّل رجليّ.
يقول الأستاذ: فكّرت في زوجتي، وابنتي الصغيرة التي لا يتجاوز عمرها عامين وشهرين، وفكرت في والدي المقعد، وأمّي المريضة بالسكري وارتفاع الضغط، فجثوْت على ركبتيّ وقبّلت إحدى رجليه، كي أعود إلى أسرتي التي أعيلها لوحدي، ثم قمت ووقفتُ، لكنه لم يقتنع بذلك، وأمرني بتقبيل الرجْل الأخرى، فما كان منّي، من شدّة الخوف إلا أن انصعت لأوامره، وجثوْت على ركبتيّ مرة أخرى وقبلت رجله الأخرى.
إن هذا الأستاذ الذي فقد الشعور بكرامته الإنسانية، يفكر، الآن، بالهجرة إلى خارج البلد.
يا أهلي العراقيين من الشيعة والسنة.. اطرحوا على أنفسكم هذا السؤال: إلى أين يذهب بمجتمعنا وكلاء الاحتلال الطائفيين؟
ويا أهلي الشيعة خصوصاً ارفعوا أصواتكم مع شعبكم فما عرفت عنكم السكوت على ظلم أو جور.. وما عرفت منكم إلا أن تفعلوا ما تقولون، وتقولوا ما تفعلون.. ألم ترددوا طوال تاريخكم مقولة إمامنا سيد الشهداء الحسين عليه السلام: هيهات منا الذلة؟ هل من ذلة أكثر من هذه الذلة؟
أنا نذير لكم يا أهلي فإن حزب الدعوة العميل إذا فرغ من أخوانكم السنة، ولن يستطيع، وأركعهم، حاشاهم، فإن الدور قادم عليكم لأن هذا الحزب اللعين عدو لكل ما هو عروبي، ولن يغنيكم عند ذلك قولكم: لقد أكلت يوم أكل الثور الأبيض..
فانظروا ما أنتم فاعلون..