بغداد/شبكة أخبار العراق- حذرت دراسة أعدها معهد (brookings) الأميركي، من فشل الإدارة الجديدة في العراق بقيادة برهم صالح وعادل عبد المهدي، كونه يعني انزلاق البلاد نحو المزيد من “الصراعات العنيفة”، بعد فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات الاجتماعية.وأوضحت الدراسة، أن “هناك آمالاً كبيرة بأن البلاد ستفتح صفحةً جديدةً بعد ثلاث سنوات دامية ومضنية من القتال ضد داعش، إذ يعاني العراق عدداً من المشكلات، لكن مع هذه الحكومة الائتلافية الجديدة، التي تضم الطوائف والفئات الرئيسية في العراق (عبد المهدي سياسي شيعي وصالح سياسي كردي)، يمكن أن تكون هناك فرصة هامة لاغتنام الزخم الشعبي ودفع البلاد إلى الأمام”.وبحسب الدراسة، “لا تزال التحدّيات كبيرة لمنع عودة داعش ومعالجة الانقسامات الطائفية ومظالم العرب السُنّة والمؤسسات الضعيفة، ولا يزال العراق يعاني بنىً تحتيةً متداعيةً، وفساداً مستشرياً، وضعفاً أمام التأثير الخارجي، ناهيك عن قطاع عام متضخّم ونمو سكّاني سريع جداً، بمعنى آخر، إصلاح العراق سيستغرق سنوات، إن لم يكن عقوداً”.
ولفتت إلى أن “الحكومة الجديدة تتشكل وسطَ مطالب عامة وصاخبة على نطاقٍ واسع من أجل تحقيق الإصلاح، فلم يفز رئيس الوزراء العراقي الأخير حيدر العبادي بولاية أخرى وسط استياءٍ عامٍ ومعارضة من رجال الدين الشيعة الذين وقفوا ضده بسبب سجلّه السيء في المنصب، ومع خروج العبادي، تكون هذه المرة الأولى منذ 13 سنة التي لم يعد فيها العراق بقيادة حزب الدعوة الإسلامي الذي فشل في العديد من النواحي في تلبية توقعات الناس”، ولا بد من الإشارة إلى أنّ “الموصل سقطت في يد داعش في حزيران 2014، وكان نوري المالكي رئيساً للوزراء في ذلك الوقت”.وبينت الدراسة، أن “رئيس الوزراء عبد المهدي، المرشح التوافقي، سيتوجب عليه أن يواجه في عمله نظاماً سياسياً مختلاً وشللاً مؤسساتياً، وهذه مشكلات قد تستغرق أجيالاً لمعالجتها، فهو يرث هيكلية قديمة قائمة على تقاسم السلطة على أساس العرق والطائفة منذ أكثر من عشر سنوات”.وتابعت، علاوة على ذلك، يواجه كل من عبد المهدي وصالح “ضغوطاً وقيوداً من مجتمعاتهما الخاصة، فعبد المهدي، وهو عضو قديم في الطبقة الحاكمة الشيعية، عليه أن يستكمل تشكيل حكومته، وسطَ ضغوطٍ من فصائل شيعية متنافسة قوية قد تنسف جهوده في الحكم أو التقدم في الإصلاحات، أما صالح، وهو عضو بارز منذ فترة طويلة في الاتحاد الوطني الكردستاني، ورئيس وزراء حكومة إقليم كردستان العراق السابق، وقد تم تعيينه بشكل مثير للجدل ضد إرادة أقوى حزب في كردستان، وهو الحزب الديمقراطي الكردستاني”.
على الرغم من هذه التحدّيات الحقيقية، وفقاً للدراسة، فإن “هناك مجالات يمكن أن تستفيد منها البلاد من الانفتاح من أجل السلام والاستقرار، خصوصاً بعد أن استؤنِفت صادرات النفط من كركوك، بعد توقفها في تشرين الأول 2017، بسبب الأزمة بين أربيل وبغداد حول استفتاء الاستقلال الكردي التاريخي”.وأكدت الدراسة، أنه “في حال تمكّنت العاصمتان بمساعدة وجود وجه جديد في بغداد، من البناء على هذا الزخم لمعالجة الخلافات الأخرى (المتعلقة بالأراضي والمحروقات وتقاسم العائدات)، قد يخلّف ذلك أصداءً إيجابيةً في جميع أنحاء البلاد، لن يكون الأمر سهلاً من الناحية السياسية، إلا أنّ الوقائع الاقتصادية يمكن أن تعزّز عملية بناء السلام”.وأوضح، أن “حلَّ التوتر من شأنه أن يرسل الإشارات الصحيحة إلى المجتمعات العراقية الساخطة والمحرومة، ويمكن أن يقلل الاستقطاب، وهذه تطوّرات قد تساعد في منع عودة داعش، وقد يكون هذا عاملاً يساعد على بدء مرحلة إعادة الإعمار التي أصبح العراق بأمسِّ الحاجة إليها”.في العام الماضي، تورَّط الكرد والعرب باشتباكات في مدينة كركوك المتنازع عليها، وكان السبب المباشر لهذه الاشتباكات هو استفتاء الاستقلال الكردي، الذي جرى على الرغم من المعارضة القوية من الولايات المتحدة وبغداد وجيران العراق، (94 في المئة من الناخبين الأكراد أيَّدوا الانفصال)، بموجب أوامر رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في ذلك الوقت، حيث شنَّت بغداد هجوماً في تشرين الأول 2017، شمل الجيش والفصائل الشيعية، ضد قوات البيشمركة في كركوك.
وبحسب الدراسة، “كان الخطاب القومي الكردي استفزازياً بلا شك، وفي نفس الوقت، تحمَّلت الدولة العراقية بصفتها السيادية، عبء الاستجابة بشكل مسؤول، الأمر الذي لم تفعله، لم يُعزّز هذا الإخفاق القوميةَ الكردية والشكوك تجاه بغداد فحسب، بل أدّى أيضاً إلى تدهور العلاقات بين العرب والكرد”.ونوهت إلى أن “الأمر لم ينبغِ أن يكون بهذه السهولة على مسؤولين منحازين للولايات المتحدة (كالعبادي)، إذ أن استخدام العنف من أجل الدفع بأجندة سياسية ضد جهات فاعلة أخرى منحازة للولايات المتحدة (كالكرد)”، مبينة أن “ذلك فيه تذكيرٌ مهمٌّ بأنه يمكن تدمير سنوات من الاستثمار في المصالحة وبناء السلام في غضون ساعات أو أيام”.وتابعت الدراسة: “كان من الممكن الوصول إلى تسوية سلمية بين أربيل وبغداد، بعد ثلاث سنوات من التضحيات من قبل البيشمركة والجيش العراقي، بعد الاستفتاء، وكان من الممكن أن يكون ذلك قد أرسى فصلاً جديداً من التعايش السلمي، وهو خروج ملحوظ عن ممارسات الإكراه والعقاب الماضية، وخاصة تجاه العرب السُنّة الساخطين في العراق، الذين عانوا قمع بغداد لأكثر من عقد من الزمان”.وأضافت، “في نهاية المطاف، أصبحت فترة ما بعد الاستفتاء اختباراً حاسماً لمعرفة ما إذا كان العراق والولايات المتحدة قد تعلما أهم درس على الإطلاق، وهو أنّ الحفاظ على السلام أكثر أهمية من كسب الحرب، وعليه هناك فرصةٌ جديدة في ظل الحكومة الحالية ودروسٌ هامة يجب أخذها بعين الاعتبار”.
ووفقاً للدراسة “لا يمكن للولايات المتحدة أبداً أن تكون جهة غير فاعلة أو سلبية في العراق، فالتزام الحياد يمكن في حد ذاته أن يُعتبر تشجيعاً لطرفٍ ضد آخر، وفي الأزمة بين بغداد وأربيل العام الماضي، عارضت واشنطن الاستفتاء الكردي، لكنها لم تتخذ إجراءً سياسياً في أعقابه، مما مكَّن بغداد من حشد قواتها ضد البيشمركة”.وأكدت، أن “الولايات المتحدة تظل إلى حدّ كبير في وضع احتواء تداعيات النزاعات في العراق والتوسط لتخفيف التوتر وإيجاد بيئة مواتية للتسويات السلمية، ينبغي على واشنطن أن تعتبر تغيير القيادة العراقية فرصةً للاستفادة من دروس الماضي، وذلك من خلال تثبيت مقاربات الرجل القوي وجعله من الصعب على الجهات العراقية الفاعلة اللجوء إلى القوة من أجل الدّفع بأجندات سياسية، وبالتالي فتح صفحة جديدة بالفعل”.وفي الوقت الراهن، ترى الدراسة، أن “أربيل وبغداد ليس أمامهما أي خيار سوى العيش المشترك، للضرورة الاقتصادية، لأن بغداد لا تستطيع إغلاق الباب في وجه الكرد من دون مزيد من الضغط على شرعية الدولة العراقية بعد أكثر من عقد من المقاومة العنيفة من العرب السُنّة، هذه نقطة انطلاق غير ملائمة، لكن من المحتمل أن تكون بنَّاءة لفتح صفحة جديدة، وبتشجيع من الولايات المتحدة، يمكن للطرفين الالتزام بحوار حقيقي يسعى إلى منع نشوب الصراع مرّة أخرى”.
والأهم من ذلك هو ألّا يكرّر العراق أخطاءَ الماضي ويشعر بالرضا عندما يبدو وضع ما بعد الصراع هادئاً بشكل خادع. فهذا الرضا هو الذي يعزّز عودة الصراع: فعلى سبيل المثال، ظهر داعش في العام 2014 بعد الفشل في الحفاظ على السلام، بعد سنوات من العنف الطائفي الدامي بين العرب السُنّة والشيعة. بعبارة أخرى، الفوز بالسلام لا يهم إلا إذا أمكن الحفاظ عليه.وبغضّ النظر عن تحدّيات الحكم التي تواجه العراق، فهو، وبحسب الدراسة، “لا يزال عرضة بشكل كبير لعودة الصراع، فقد شهد منذ العام 2003 صراعات طائفية لا حصر لها وإبادة جماعية واحدة معروفة، ومن بين 105 دولة شهدت حروباً أهلية بين عاميّ 1945 و2013، انزلق أكثر من النصف (59 دولة) إلى صراعٍ عنيف بعد إحلال السلام، وفي بعض الحالات أكثر من مرّة، فهل يتمتّع العراق بالقيادة المناسبة القادرة على تجنيب البلاد الانزلاق نحو المزيد من الصراعات العنيفة؟، السجّل ليس رائعاً”.وخلصت الدراسة، إلى أن “سياسيين عراقيين، من كل الأطياف الدينية والعرقية، قالوا كلاماً جميلاً، لكنهم فشلوا بالنهاية في الحفاظ على السلام، وبالتالي أمام الرئيس صالح ورئيس الوزراء عبد المهدي فرصة لتفادي هذا المصير ووضع معايير جديدة أمام القادة العراقيين في المستقبل”.