إن (الإيرانيين) العراقيين، على اختلاف مليشياتهم، وتعدد أنواعها وأحجامها، وبجميع مستويات مواقعهم في الحكومة العراقية والبرلمان، يضعون أنفسهم في مأزق هم في غنىًعنه. وأشرح لكم المسالة بالتفاصيل.
نقلت وكالة (إرنا) الإيرانية الرسمية عن قائد القوات البحرية الإيرانية، حسين خانزادي،قوله، إن قواته “في تمام الجهوزية لأداء المهام الموكلة لها، في أية لحظة، من حيث الكوادر البشرية والسلاح والمعدات والخطط اللازمة لحرب حقيقية“. وأضاف قائلا “إن إرسال حاملة الطائرات الأمريكية (أبراهام لينكولن) إلى المنطقة تضخيم يائس لشبح الحرب، واستعراض عقيم وخادع للقوة، وقد بلغ نهاية مطافه، وعليهم مغادرة المنطقة”. وختم تصريحه بالقول، إن “المرشد الأعلى قال الكلمة الأساسية، وهي أن الحرب لن تقع،وفيما لو وقعت فإننا جاهزون لها، ولن نتفاوض مع أحد“.
إذن، إذا كان الأمر كذلك، مثلما أفتى صاحب القضية الإيراني الحقيقي، وليس وكيله الخارجي الجاهل ببواطن الأمور، فما الذي جعل عادل عبد المهدي يكلف ثلاثةً من إخوته المجاهدين (الإيرانيين) العراقيين، محمد الحكيم وزير الخارجية، وفالح الفياض مستشار الأمن (القومي) رئيس الحشد الشعبي، ومصطفى الكاظمي رئيس المخابرات، بالقيام بجولة مكوكية في دول الخليج وتركيا طلبا للتوسط بين الرئيس الأمريكي ترمب وبين نظام الولي الفقيه، من أجل إيقاف التصعيد الأميركي ــ الإيراني، (هكذا)، لا تخفيفه؟.
فإذا كان رئيس الوزراء القابض على رقبة العراق بكماشةٍ إيرانية، ورفاقُه الفطاحل المتبحرون في علم السياسة وشؤون الحرب والسلام، لا يعلمون بأن الأمور ليست بهذه السهولة فتلك مصيبة، وإن كانوا يعلمون بأنها صعبة وعسيرة واشبه بالمستحيلة، وأكبر من حجم أي صديق أو حليف عربي أو تركي لأمريكا، فتلك مصيبة أعظم، لأنهم، في الحالتين، يبرهنون على ضحالة تفكيرهم، من جانب، وعلى تبعيتهم الكاملة لإيران، من جانب آخر، ويكشفون خوفهم من أن ترمب لا يلعب، وأن الحرب حقيقة واقعة، وأن القائد البحري الإيراني وسيده المرشد الأعلى يحلمان ويهذيان.
ومن غير المعقول أن يكون عادل عبد المهدي، وهو حاكم العراق والمؤتمن على مصالح شعبه، ساذجا إلى هذا الحد فيعجز عن تحليل الواقع السياسي الأمريكي، وفهمه، خصوصا في ظروف ما قبل الانتخابات الأمريكية الدامية القادمة.
فالحقيقة التي يعرفها أبسط المراقبين والمحللين السياسيين، في أمريكا وخارجها، هي أن ترمب حين خرج غازيا، ولأول مرة في رئاسته المحاصرة بالمتربصين، وبكل هذا الهيلمان المسلح الضخم المخيف الذي تكسر تكاليفه الباهظة ظهر أكبر جيوش الأرض، (رغم أن ثلاثة أرباعها مدفوعة من أطراف ثالثة)، لا يستطيع العودة إلى بلاده خالي الوفاض فيُغضبُ حلفاءه اليهود الأمريكيين والإسرائيليين، وحزبه الجمهوري، ويعطي خصومه الديمقراطيين الخنجر الذي يذبحونه به ويذبحون حزبه، بسهولة.
ومع ذلك فإن ترمب مخلص، فعلا، في طلب الجلوس مع الإيرانيين على طاولة المفاوضات لكي يتجنب حربا لا يعرف هو وغيرُه تبعاتها وتداعياتها وأخطارها على فرص انتخابه مجددا، وعلى مصالح دولته وحلفائها في المنطقة، وربما في العالم، ما دامت النتيجة واحدة في الحالتين.
فالحوار لن يكون إلا بعد رضوخ النظام الإيراني، بالكامل، ومقدَّما، لجميع شروط وزير الخارجية مايك بومبيو الإثني عشر، دفعة واحدة أو مقسطة على مراحل. وهذا معناه بداية مسلسل تركيع النظام المشاكس الشرير، ونزع أظافره وخلع أنيابه، وإعادته إلى داخل حدود بلاده ملوما محسورا. هذا إذا لم يعاقبه شعبه على ما أضاعه من دماء وثروات وكرامة واستقلال ولم يسقطه بثورة شعبية ساحقة ماحقة، وإذا ما بقيت إيران دولة واحدة موحدة.
ومن يدري فقد يكون المطلوب، أمريكيا وإسرائيليا وأوربيا، وحتى روسيّاً، هو تفكيكَ الدولة الإيرانية إلى مقاطعات قومية وطائفية ودينية ومناطقية متنافرة، كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن وليبيا.
سؤال مهم. ألهذه الدرجة يشتعل قلب عادل عبد المهدي نارا على سلامة رأس النظام الإيراني، ولا يخشى على أهله العراقيين من دمار جديد يضاف إلى ما حل به من دمار فيعلن عن فك ارتباطه بإيران، على الأقل حتى تمر العاصفة؟،
ثم من الذي داس على طرَفٍ لإخوته في حزب الدعوة والتيار الصدري ومليشيات هادي العامري وقيس الخزعلي، وشلة نوري المالكي، وسنة السفارة الإيرانية في بغداد، لينتفضوا غضبا على ترمب وعلى حشوده العسكرية، ويخرجوا ملوحين ببنادقهم وسيوفهم وخناجرهم، مهددين متوعدين، ومتعهدين بالتضحية بالغالي والنفيس، وبالقتال حتى آخر نفس، حتى لو أحرقوا العراق كله، وجوعوا أهله، وتسببوا بتهديم ما تبقى منبيوتهم على رؤوسهم، وعلى رؤوس آبائهم وأجدادهم، وهم أبرياء؟؟.
حسنا، ورب ضارة نافعة. فقد كشفوا أنفسهم أكثر مما كانوا مكشوفين، ونزعوا آخر ما بقي على وجوههم من أقنعة، وأعلنوا، بلا خوف ولا حياء، أنهم عملاء سفهاء وعبيد لأجانب، وخونة وطن أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، وجعلهم رؤساء ووزراء وزعماء، بعد أن كانوا شحاذين جوالين دوارين على العواصم المجزية يستعطون حفنةَ دولاراتٍ، أو ريالاتٍ، أو دراهم، أو تومانات، وجائعين ومفلسين.ألهذه الدرجة من العمالة والجهالة والضلالة أيها الإيرانيون المُرتَدُون ثيابَ عراقيين؟