الهجوم الاسرائيلي ضد منشأة نطنز النووية في ايران، رفع سقف التحدي والمواجهة عاليا بين ايران واسرائيل التي تصر على منع ايران من امتلاك السلاح النووي ، كما تشاركها امريكا هذا القرار الذي دفع بالادارة الامريكية الى العودة للتفاوض لغرض نزع مخالب ايران النووية على نحو سلمي، بعد سنوات طوال من الحصار وتفاقم الأزمات داخل الجمهورية الاسلامية .
ايران تحملت مالاطاقة للدول على تحمله من أجل الوصول الى العصر النووي والحفاظ على دولتها من خلال سلاح ردع نووي أنفقت من أجله مليارات الدولارات، رغم إدراكها لصعوبة تحقيق الهدف إن لم يكن مستحيلا، لكنها مستمرة في تحمل عقبات ذلك لكي لاتخسر الرهان والأموال في حال لم يتسنى لها ماهو حربي ، فأنها تحاول الاستثمار بإنجاح تجربتها النووية سلميا ً من خلال مفاوضات تنقل ساحة المواجهة من ” السيبراني ” الى كفاءة ومهارة المفاوض الايراني .
قرار إبعاد ايران عن امتلاك النووي أصبح هدفا استراتيجيا لأسرائيل وامريكا ودول اوربا التي عادة ماتتحمس لغرض إنجاح جولات التفاوض والحل السلمي للأزمة، والتزام الدول الكبار مثل روسيا والصين الصمت حيال حادثة الهجوم الاسرائيلي ضد نطنز ، يوضح الارتياح الضمني لهذا الإجراء الذي أشد مايقلقها ، رغم مصالحها المترابطة مع ايران ومواقفها السياسية المعارضة التقليدية لسياسة امريكا ازاء العديد من القضايا في الشرق الاوسط والعالم .
كانت الاستراتيجية الايرانية تعتمد مبدأ الضغط على امريكا من خلال بناء قواعد ميليشياوية وتابعية القرار السياسي لدول عربية تحظى بنفوذ واسع فيها، لكن حسابات الحقل تختلف عن حسابات البيدر، فهذه الدول ( سوريا والعراق واليمن ولبنان) تقف على أرض اسفنجية وتعاني هزالا اقتصاديا وحروبا داخلية بمعنى أنظمة هشه لاتقوى على حصار أو مواجهة، مايجعل المواجهة ضد امريكا أو اسرائيل محكومة بالخسارة والهزيمة، ناهيك عن التطور الحاصل في تحالف المصالح بين اسرائيل وجميع دول الخليج العربي وبرعاية امريكية، والذي ينطوي على تحالفات عسكرية أيضا .
الخطأ الاستراتيجي الابرز الذي ارتكبته ايران هو في توجهها المباشر نحو القوة وتحديدا ” النووي والصواريخ ” وهي بعض المخلفات المعنوية من حرب الثمان سنوات مع العراق دون قدرتها على تحقيق النصر عليه ، بينما كانت الفرصة الذهبية لايران في إعادة النظر بطرق نموها اقصاديا وصناعيا وتجاريا والانفتاح على الغرب وتطوير افاقها كدولة صناعية زراعية بترولية قادرة على محاكاة دول متقدمة مثل اليابان والمانيا وكوريا ، لكنها أهملت تلك المفردات التي تقوي بنيتها الاقتصادية _ الاجتماعية، وتمسكت بالاسلوب التقليدي القديم الذي اعتمدته الممالك والامبراطوريات القديمة في التوسع وبسط النفوذ في المحيط الاقليمي عبر تفوقها العسكري، ولم تسترشد بالتجربة السوفيتية أو بالجار الغربي العراق وكيف أنتهى مشروع الطموح القومي فيه الى احتلاله من قبل امريكا .
ماحدث في نطنز ينبغي أن لايغيب عن ذهن المفاوض الايراني في الجولة المقبلة من مفاوضات الملف النووي في اثينا وتستثمر انفتاح ادارة الديمقراطيين لامريكا، كذلك هي مدعوة لإعادة النظر في طبيعة علاقتها مع دول الجوار وخصوصا الدول ذات التابعية لها ، وتصحح العديد من مسارات العلاقة مع شعوب هذه الدول . أن الدول العشرين هي الاقوى اقتصاديا والاغنى في الثروات ، والدول التسع اعضاء النادي النووي تعد الاقوي عسكريا واقتصاديا، المشترك بين الأثنين هو الاقتصاد ، وإذا كان بالامكان التزاحم على العشرين ، لكن من الصعوبة أن لم يكن من المستحيل أن يتحول عدد اعضاء النادي النووي الى عشرة اعضاء لأن التوازن في الكرة الأرضية سوف يخرج عن السيطرة وفق رؤية الدول الكبرى