آخر تحديث:
بقلم:فاروق يوسف
ألا يزال ذلك الجندي الآشوري يحارب؟ تعرفت عليه في المتحف العراقي ولم أكن في حاجة إلى التعرف على عمره. فالمسافة بين ولادته وموته يغطيها الغبار نفسه الذي أثقل خطوات الملايين من رجال عصرنا والعصور التي سبقته الذين مشوا إلى أرض الموت مكللين بالأغاني التي لم يصدقوها. “احنه مشينا للحرب”. كان يضحك وهو يسمعها. لا يصدق كلمة واحدة منها. “لست أنا من مشى”، يقول لي وهو يشير إلى قدميه. كان الغبار يعلوه حتى بعد أن يغوص في مياه المحيطات كلها ويخرج. فغبار الحرب يقيم عميقا في روحه.
لا يصدق الآخرون أنه خرج حيا. غير أنه يعرف أن الحياة في مكان آخر. مكان لا تقع عليه أعين الآخرين الذين لم يعيشوا السنوات العمياء التي مرت به واخترقها مدفوعا بهواء الأناشيد الوطنية الثقيل. عاد حيا كما لو أنه لم يكن حيا من قبل. ذلك لغزه الذي لن يتمكن من شرح تفاصيل دروب متاهته. تلك متاهة لا تقع على الأرض. كانت الكوابيس جزءا من وجبته الليلية. لن يتمكن من وصف عشائه الأخير. وكل عشاء هو عشاؤه الأخير. “كلهم ميتون” سيكون متأكدا من أنه حين يعود لن يجد أحدا.
سيجلب معه شيئا من الغبار. ذلك ما سيهبه طابع الشبح الخارج من التاريخ. لا زمن له بعد أن كان غادر بقوة الغبار الزمان الذي صدق يوما ما أنه ابنه. لم يعد في إمكانه أن يقنع أحدا بأنه عاش زمن الآخرين. فليس لديه ما يقوله. لديه أخبار لا يفهم لغتها أحد. لقد لعبت الجغرافيا بذاكرته. فبين معارك شرق البصرة وحرب غزة مسافة تسكنها الألغام المشبوهة بقدرتها على خلق الأوهام. لا شيء يهم في ما يعتبره الآخرون طرفي المعادلة المجنونة. إما النصر أو الهزيمة. تلك معادلة كاذبة. فلا نصر في الحرب ولا هزيمة. دع المنتصرين والمهزومين يحتفلون بنجاتهم. ولكن الحرب لم تنته بعد.
إما النصر أو الهزيمة. تلك معادلة كاذبة. فلا نصر في الحرب ولا هزيمة. دع المنتصرين والمهزومين يحتفلون بنجاتهم. ولكن الحرب لم تنته بعد