البرلمان العراقي افسد برلمان في العالم بالأرقام والحقائق
امتيازات سنوية بـنصف مليار دولار تورط البرلمان العراقي في أوسع ظاهرة فساد شرق أوسطية (1-2)
بغداد/ شبكة أخبار العراق-التحقيق بدعم من شبكة الصحافة الاستقصائية العراقية(نيريج)….على الجدران الكونكريتية التي سوّرت مباني الحكومة ومجلس النواب وسط العاصمة بغداد، كتب ناشطون مجهولون بالخط الأحمر «نواب العراق هم أكبر مجموعة لصوص في العالم».تلخص هذه العبارة التي صارت عنواناً للتظاهرات المناوئة لامتيازات البرلمان غير المسبوقة خلال العامين الماضيين، أزمة الثقة التي تعصف بين أعلى سلطة تشريعية ورقابية في العراق، وبين باقي طبقات المجتمع العراقي.لا يتعلق الأمر هنا، وفق ما يرى الناشط المدني وعالم السومريات البروفيسور سالم العامري، «بالرواتب والمخصصات الفاحشة التي شرّعها البرلمان لنفسه، بنفسه»، بل يتعلق بأن حرص البرلمان على التمسك بمكاسبه، «ورّطه بالدخول في أوسع منظومة فساد شرق أوسطية جعلت من العراق في مقدمة بلدان العالم من حيث حجم الفساد والرشوة»، وفقاً لمنظمة الشفافية العالمية في تقريرها (تموز/ يوليو) الماضي.يكشف هذا التحقيق من خلال الوثائق والأرقام التي يحلّلها رجال مال مختصون، واعترافات برلمانيين ودفاعاتهم، أن كلفة وجود سلطة تشريعية ورقابية في العراق والبالغة نحو ملياري دولار لكل دورة برلمانية من اربع سنوات (وفق ما وثّقه الخبير المالي خليل الونداوي)، كانت السبب الرئيس في عجز البرلمان عن الحد من الفساد في البلاد، أو مساءلة حكومة تدير قرابة 400 مليار دولار هي مجموع موازنات الدولة العراقية كل اربع سنوات تقريباً.الامتيازات الكبيرة التي يحظى بها أعضاء البرلمان والمقدرة بـ 1.6 مليون دولار للنائب الواحد لدورة من اربع سنوات بضمنها الرواتب والمخصصات وأجور الحمايات الشخصية، شلّت قدرتهم على محاسبة المتورطين بملفات فساد كبرى أنهكت موارد البلاد، وتسببت بانخفاض مستوى الخدمات، وغياب الأمن، وفقدان الثقة بالاقتصاد، وعدم القدرة على توفير الطاقة الكهربائية لما يقارب الـ 12 ساعة في اليوم.البروفيسور العامري يعتقد أن برلمان الوركاء وهو البرلمان الأول في تاريخ البشرية (3000 قبل الميلاد كما يرى العلامة كريمر)، كان أكثر قدرة على محاسبة الحكام من بـــــرلمان العراق الحالي والذي لم يتمكن خلال ثلاث سنوات (بدأ عمله في 14 حزيران/ يونيو 2010)، من تجريم فاسد واحد، أو إيقاف هدر مالي في أي مفصل من مفاصل الدولة العراقية.الكاتب والإعلامي أحمد المهنا يؤيد ما ذهب إليه العامري، فهو يرى أن البرلمان الحالي ليس اكثر من «أكذوبة»، وأنه فقد قدرته على محاسبة الفاسدين، ليس فقط لأنه يطمح للحفاظ على مكتسباته الضخمة، بل أيضاً لأن قرارته كانت مرهونة منذ البداية برغبة زعماء الأحزاب الذين سلموا القرار السيادي للعراق إلى دول الجوار.
أرقام فلكية
تشير الأرقام التي وثّقتها كاتبة التحقيق بالتعاون مع الخبير الونداوي، إلى أن الرواتب السنوية الفعلية التي يحظى بها مجموع أعضاء البرلمان الحالي (325 نائباً)، تناهز الـ 180 مليون دولار، شاملة رواتب النواب مع الرئاسات (54.4 مليون دولار) وربع قيمة مبلغ تحسين المعيشة (6.2) مليون دولار، اضافة إلى (125 مليون دولار) لرواتب وإطعام حمايات البرلمانيين كما في موازنة العام 2013.المبلغ الذي تنقله موازنة عام 2013 (125 مليون دولار) لرواتب وطعام حمايات البرلمانيين، يعادل ثلاثة أضعاف المبالغ التي دفعت كتعويضات لعوائل 14 ألف ضحية من ضحايا الإرهاب عام 2012، ربعهم فقدوا حياتهم نتيجة التفجيرات والاغتيالات التي تضرب العراق منذ سنوات، كما يقول الإعلامي والناشط مصطفى سعدون.هذا الفارق الكبير في احتساب قيمة الفرد العراقي، كما يقول الناشط سعدون، تسبب في «أزمة ثقة مزمنة بين البرلماني العراقي وناخبيه، وأنتج فجوة طبقية لا يمكن ردمها بوجود برلمان يستقتل للحفاظ على امتيازاته».عبّر عن هذه الأزمة بجلاء، رد فعل قيادية في كتلة برلمانية نافذة شرحت لكاتبة التحقيق تفاصيل مستحقاتها الشهرية، لكنها عادت بعد دقائق لتهدّد كاتبة التحقيق بأنها ستلجأ للقضاء لإيداع كاتبة التحقيق السجن إذا تجرأت على نشر اسمها في التحقيق.
حلقة مفرغة
خاطبت كاتبة التحقيق رئاسة البرلمان للسماح لها بالاطلاع على سجل الإيفادات والمنح المالية وكلفة علاج البرلمانيين. طلب منها في البداية تقديم طلب للحصول على تخويل بدخول مبنى البرلمان، ثم لاحقاً أبلغوها باعتذارهم لنسيان وضع اسمها عند بوابة الدخول.
في المرة الأخيرة، تركت كاتبة التحقيق ثلاث ساعات خارج مبنى البرلمان، قبل أن يطلب منها الانصراف لتعذر استقبالها حتى من قبل الدائرة الإعلامية. وكيل وزارة المالية فاضل نبي، أبلغ الكاتبة أن الوزارة ليست طرفاً بتحديد الرواتب والمخصصات لأن كل جهة لها نظامها الخاص وهي التي تعرف موازناتها وصرفياتها، ومهمة الوزارة هي «التمويل فقط». الوكيل طلب من الكاتبة في ما بعد أن تسأل البرلمان نفسه عن صرفياته، لأن الإجابة «ليست من اختصاصه».
325 وزيراً تحت قبّة البرلمان
تتضمّن الامتيازات التي يتمتع بها البرلماني العراقي، وفق القيادية الشابة ونواب آخرين بينهم عضوة سابقة في اللجنة المالية، رواتب ومخصصات شهرية بمقدار 12.9 مليون دينار عراقي (11 ألف دولار)، اضافة إلى رواتب الحمايات الشخصية (20 ألف دولار شهرياً لكل نائب).احتسبت رواتب البرلمانيين في العراق قياساً على رواتب الوزراء. ينص قانون رقم 7 لسنة 2005 «يستحق عضو المجلس الوطني الموقت مكافأة لا يزيد مقدارها عما يتقاضاه الوزير من راتب ومخصصات».قبل عام 2003، كانت سلطة التشريع في العراق حكراً على رئيس النظام السابق صدام حسين، وفق الفقرة (أ) من المادة 42 في الدستور العراقي الموقت لعام 1972. ولم يكن المجلس الوطني (250 عضواً يختارهم حزب البعث الحاكم بنفسه) يمتلك أية سلطة تذكر مقابل رئيس النظام. رغم ذلك منحهم النظام السابق راتب مدير عام مع سيارة حديثة في كل دورة من أربع سنوات.بعد العام 2003، كما يقول الكاتب والإعلامي مشرق عباس، كان تحوّل البرلمان من مجلس شكلي إلى برلمان فاعل عليه البدء بتشريع مئات القوانين التي تتواءم مع انتقال العراق من الشمولية الديموقراطية، يبرّر منح البرلمانيين امتيازات خاصة، خصوصاً مع ارتفاع فاتورة العمل السياسي والبرلماني وخسارة العديد من ساسة الرعيل الأول حياتهم وحياة عوائلهم ثمناً لتصديهم للعمل التشريعي.لكن الآن، كما يرى عباس، يختلف الأمر تماماً، فالعمل السياسي صار امتيازاً وظيفياً واجتماعياً ومالياً، وهناك اكثر من ستة آلاف مرشح تقريباً يتنافسون في ما بينهم على مقاعد البرلمان في كل انتخابات. ولهذا كان من المفروض ان يتم إعادة احتساب هذه الامتيازات منذ سنوات وليس الآن فقط.
سعر العملة في مصلحة النائب دائماً
أضاف القرار 13 لسنة 2005، مبالغ أخرى يتقاضاها النائب لتحسين معيشته يبلغ مقدارها (50 ألف دولار أميركي أو ما يعادله بالدينار العراقي) وهذا القانون ساري المفعول حتى الآن.المفارقة هنا كما يرى الخبير الونداوي أن النواب رفضوا تسلم المبلغ بالدولار (50 ألف دولار) وأصرّوا على استلامه بالدينار العراقي، لكن بشرط أن يكون على سعر الصرف الذي كان سارياً عام 2005 (90 مليون دينار) وليس سعر الصرف الحالي (58 مليون دينار)، محققين ربحاً على حساب الدولة العراقية مقداره 32 مليون دينار (27 ألف دولار).يحصل أعضاء البرلمان أيضاً، مع زوجاتهم وأبنائهم وبناتهم، على جوازات سفر ديبلوماسية طوال الدورة البرلمانية ولغاية 8 سنوات من انتهائها، مع حق الاحتفاظ بعشرة من عناصر الحمايات الشخصية، مع رواتبهم.
أزمة التقاعد
وفقاً للقانون رقم 9 لسنة 2005، يحق لنواب البرلمان الحالي (325 نائباً) أن يلتحقوا بعد انتهاء دورتهم ربيع العام 2014 بجيش جرار يتكون من أكثر من 500 برلماني متقاعد والآلاف من أعضاء مجالس المحافظات وأصحاب الدرجات الخاصة المتقاعدين، والذين يحصلون على ما نسبته 80 في المئة من رواتبهم ومخصصاتهم التي كانوا يتقاضونها سابقاً. فيما يتمتع الرؤساء المتقاعدون، برواتب تقاعدية تناهز الـ 40 ألف دولار شهرياً لكل منهم، اضافة إلى 40 ألف دولار كمخصصات لـ 60 عنصراً من الحمايات الشخصية يبقون معهم بعد تقاعدهم.يفضل أغلب الرؤساء المتقاعدين، الحصول على رواتبهم كرؤساء متقاعدين بدلاً عن رواتبهم كبرلمانيين حاليين، مثل رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي ورئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري ورئيسي البرلمان السابقين أياد السامرائي وحاجم الحسني، فيما يكتفي الرئيس الأسبق عجيل الياور بإدارة شركاته في إحدى دول الخليج متمتعاً براتبه التقاعدي نظير عمله رئيساً للعراق لأقل من عام. وعلى العكس من الأخير، جمع رئيس البرلمان الأسبق محمود المشهداني بين راتبه التقاعدي البالغ 40 ألف دولار شهرياً ومثلها لحماياته الشخصية، وبين عمله الجديد كمقدم برامج في أحد التلفزيونات المحلية.يعتقد الكاتب والإعلامي حسن عبد الحميد، أن من أقرّ قانون التقاعد البرلماني «لا يفقه شيئاً في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع، على الإطلاق». فالقانون يعني في حقيقته كما يقول عبد الحميد أن هؤلاء سيكونون عبارة عن عاطلين من العمل وسيتحولون إلى عالة على المجتمع العراقي الذي يعاني أصلاً من ارتفاع معدل البطالة يصل الى20 في المئة.يستشهد عبد الحميد هنا، بما قاله مطشر السامرائي، وهو نائب عن الحزب الإسلامي العراقي (أحد فروع تنظيم الإخوان المسلمين). السامرائي قال صراحة إن إلغاء تقاعده البرلماني يعني أن زوجته وأطفاله «سيتحولون إلى دايحين (كلمة دارجة أكثر معانيها لطفاً هو التشرد والانفلات المجتمعي)، تماماً مثل الشعب العراقي البائس».يعتقد السامرائي الذي أثار تصريحه غضباً شعبياً وسياسياً عارماً، أن حرمانه من التقاعد سيفقده القدرة على مقاومة ابتزاز المفسدين الذي يسرقون المليارات. ويشترط السامرائي لتحصين نفسه من الإغراءات أن يحصل هو وعائلته على ما يكفيهم.لكن النائبة كريمة الجواري تضع أمام العراقيين سقفاً عالياً لما يمكن أن يكفي النائب العراقي لكي يحصّن نفسه ضد الإغراءات، كما يقول الإعلامي والناشط مصطفى سعدون، فالنائبة «أقسمت» أمام شاشات التلفزيون أن راتبها لا يكاد يسد حاجتها «حتى منتصف الشهر».
الايفادات سر من أسرار البرلمان
لا يتعلق الفساد فقط بـ «رواتب البرلمانيين وتقاعدهم المفرط في الغرابة»، كما يعتقد الباحث والأكاديمي الدكتور موسى العبيدي، بل يمتد ليشمل حتى قضية الإيفادات التي يحرص البرلمان على عدم الكشف عن أي من تفاصيلها حتى الآن.كمثال على هذا، أوفد رئيس البرلمان أسامة عبد العزيز النجيفي نفسه في 2011، إلى لندن ومنها إلى سويسرا، مع وفد يتألف من 11 شخصاً، بينهم أخواه (أحمد عبد العزيز النجيفي، ومحمد عبد العزيز النجيفي) بصفة مستشارين، وولده (سنان أسامة عبد العزيز النجيفي) بصفة سكرتير شخصي، مع اثنين من مرافقيه الشخصيين ومصوره الخاص وبرلماني وموظفين آخرين. على أن يلتحق بهم من بغداد وفد يتألف من ثمانية برلمانيين وموظفين (الأمر النيابي 438/ العدد 1/7/438 في 26/9/2011).قدرت رئيسة شؤون الأعضاء في البرلمان حنان الفتلاوي كلفة الإيفاد بثلاثة مليارات دينار عراقي (2.5 مليون دولار) وفقاً للوصولات المسلمة. فيما قدر عضو لجنة النزاهة النيابية كمال الساعدي كلفة إيفادات رئيس البرلمان المتكررة إلى تركيا والتي بلغت 11 إيفاداً بين تشرين الثاني(نوفمبر) 2010 وحتى تشرين الثاني2011، بثلاثة مليارات أخرى (2.5 مليون دولار).في نهاية العام الماضي، انتقد النائب حيدر الملا سفر رئيس البرلمان إلى الهند بصحبة 40 برلمانياً. الملا تساءل حينها عن حجم العلاقات بين العراق والهند والتي تستدعي سفر رئيس البرلمان بنفسه، مع هذا العدد من النواب.لم تقتصر قضية الإيفادات على رئيس البرلمان وحده، بل شملت كل أعضاء البرلمان تقريباً، كما يذكر موظف رفيع في البرلمان فضل عدم الكشف عن اسمه خوفاً من العقوبات التي طاولت بعض زملائه لأنهم تحدثوا إلى الإعلام. عدد كبير من هذه الإيفادات كما يشير المصدر تكون بهدف المشاركة في مؤتمرات تقام في نفس البلدان التي تقيم فيها عائلة البرلماني الموفد، ما يعني أن البرلماني سيحظى بفرصة رؤية عائلته، مشفوعة بمبالغ السفر ومخصصات الإقامة والمصاريف اليومية البالغة 600 دولار لليوم الواحد.أغلب الإيفادات، كما يقول الناشط والخبير القانوني طارق حرب، هي إيفادات غير ضرورية تشمل مؤتمرات تقيمها منظمات مجتمع مدني ولا يشارك فيها غالباً برلمانيون من بلدان أخرى غير العراق.لهذا السبب ربما، كما يقول الدكتور العبيدي، لم يكن صوت البرلمان عالياً حينما كشفت وثيقة مسرّبة من رئاسة الجمهورية القضّية التي عرفت باسم «طائرة الرئيس». وتشير هذه الوثيقة إلى صرف سلفة مقدارها مليونا دولار لتغطية نفقات مشاركة الرئيس جلال الطالباني في الدورة (66) للجمعية العامة للأمم المتحدة (كتاب رئاسة الجمهورية ذي العدد م.ر.د 708 في 11/9/2011)العبيدي يعتقد أن البرلمان «تجنب الخوض في القضية أو مساءلة الرئيس، كي لا يفتح على نفسه باب الرقابة على مصاريف الإيفادات والسفر الخاصة به، والتي تكلف هي الأخرى مبالغ طائلة لا يعرف حجمها بالتحديد، فالبرلمان ينفرد بعدم نشر الإيفادات في موقعه الإلكتروني أسوة بباقي مؤسسات الدولة العراقية».
«عمليات تجميل» برلمانية
تعتقد النائبة عالية نصيف، أن هناك بعض السلف والمنح التي حصل عليها عدد من النواب والنائبات، استخدمت لإجراء عمليات تجميل، وتشير الوثيقة المرفقة إلى أن النائب أحمد العلواني حصل على ما يناهز 8 آلاف دولار لتقويم أسنانه العلوية التي كانت غير متناسقة قبل دخوله إلى البرلمان (مكتب النائب العلواني/ العدد 30 في 3/2/2011).في المقابل، كما يقول المصدر البرلماني، تسلم حسن السنيد وهو قيادي في قائمة رئيس الوزراء نوري المالكي، 40 ألف دولار لعلاج مشكلة في مفصل ساقه كان يعاني منها قبل دخوله البرلمان.
مجرد «هدايا»
يقر النائب حيدر الملا صراحة، وفي برنامج تلفزيوني، أنه تسلم عام 2010 سيارة «لاندكروزر» مصفحة مكتوب عليها «صنعت خصيصاً للسيد حيدر الملا»، كهدية من التاجر الفاحش الثراء خميس الخنجر. الملا تساءل حينها مستغرباً، إن كان تلقيه الهدية التي يصل سعرها إلى عشرات الآلاف من الدولارات يمثل «تهمة» بحقه.
حصانة شبه أبدية
يتمتع النائب العراقي، بحصانة خاصة يصفها الإعلامي والكاتب أياد طارق بأنها «أبدية وأقوى من الفولاذ»، إذ نادراً ما يرفع البرلمان الحصانة عن البرلماني حتى لو كان متهماً في ملفات إرهاب، وتحريض على العنف، وملفات فساد وابتزاز مؤسسات الدولة (فشلت الحكومة في إقناع البرلمان برفع الحصانة عن 13 برلمانياً منذ أكثر من عامين بسبب الحماية التي توفرها لهم كتلهم داخل قبة البرلمان).يعيد طارق إلى الأذهان حادثة تهريب النائب محمد الدايني الذي اعترف مسؤول حمايته وابن شقيقته، بمسؤوليته عن تفجير كافيتريا البرلمان عام 2007، والتي راح ضحيتها اثنين من النواب ونحو ثمانية موظفين وجرح نحو عشرين آخرين (بعد هذا التفجير كما يقول المصدر البرلماني، أرسل النواب إلى العاصمة الأردنية عمان لتلقي العلاج وإجراء الفحوصات، وسمح لهم بالإقامة في فندق الرويال الذي يعد من أغلى الفنادق هناك، وكان من بينهم نواب لم يكونوا متواجدين أصلاً في يوم التفجير).في تلك الأيام، أمر رئيس الوزراء بعودة الطائرة التي تقل الدايني بعد عشرين دقيقة من توجهها إلى العاصمة الأردنية عمان، لكن الدايني أفلت من الاعتقال خلال عشر دقائق هي الفترة التي فصلت بين هبوط الطائرة وفرار الدايني إلى خارج المطار، وبين صدور قرار البرلمان برفع الحصانة عنه.
يوم عمل برلماني بـ (10) آلاف دولار
أحصى المرصد البرلماني العراقي، وهو منظمة حقوقية مدنية، (93) ساعة عمل للبرلمان منذ انعقاده في 14 حزيران 2010 وحتى نهاية العام نفسه، و(205) ساعة عمل خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2011، و(302) ساعة عمل في العام 2012، و(74) ساعة عمل خلال النصف الأول من عام 2013.المعادلة تشير إلى أن ساعات عمل البرلمان خلال 32 شهراً، لم تتجاوز (676) ساعة عمل، أي بمعدل (21) ساعة في الشهر الواحد. ما يعني أن كل برلماني عمل لمدة ثلاثة أيام عمل فعلية خلال كل شهر من عمر البرلمان.وباحتساب تكلفة حضور البرلماني ليوم العمل وفقاً لرواتبه ومخصصاته الشهرية (11 ألف دولار راتب شهري و20 ألف دولار للحمايات)، ستكون قيمة ما تقاضاه البرلماني في يوم العمل الواحد (10) آلاف دولار.الرقم أعلاه، يشير إلى كلفة يوم العمل في حال حضور البرلماني كل جلسات البرلمان منذ يوم انعقاده، لكن أعضاء البرلمان يحظون بامتياز خاص ينفردون به عن باقي المؤسسات العراقية، فبخلاف الموظف الحكومي الذي يخصم من راتبه في حال غيابه يوماً واحداً، تنص المادة 18 من النظام الداخلي للبرلمان على توجيه تنبيه للنائب تدعوه «للالتزام بالحضور»، في حال تكرر غيابه من دون عذر مشروع لخمس مرات متتالية أو عشر مرات غير متتالية.لكن عدم حضور عدد غير قليل من النواب لفترات طويلة تتجاوز العام الواحد أحياناً لم تكن أبداً سبباً في إقالة أيّ منهم بسبب الغياب. ففي نهاية العام الماضي، أورد تقرير للمرصد النيابي أن النائب فلح حسن النقيب (وزير الداخلية الأسبق) تغيب عن 108 جلسة من غير عذر منذ انطلاق الدورة البرلمانية صيف 2010 وحتى نهاية العام 2012.
لم يتخذ البرلمان أي إجراء بحق النقيب، ولا بحق النواب الآخرين الذين تجاوزت غيابات بعضهم 50 جلسة، مثل النائب أياد علاوي الذي تغيب 56 جلسة من 61 جلسة للبرلمان خلال العام الأول من عمله، فيما تغيّب النائب احمد الجلبي 46 مرة وتلاه النائب حاجم الحسني 43 مرة والنائب عجيل حميدي 43 حالة، وكـل الغيابات كانت «من دون عذر».خلال الأشهر الستة الماضية، رفضت رئاسة البرلمان إقالة النائب احمد العلواني الذي يتغيب عن البرلمان منذ نهاية العام الماضي. وفي مقطع فيديو أذيع مؤخراً رد رئيس البرلمان على مطالبة النائبة حنان الفتلاوي بمحاسبة العلواني، أن الأخير قد يكون «في إجازة مرضية». وحين تساءلت الفتلاوي «ستة اشهر كاملة؟» رد رئيس البرلمان إن هناك «خمسوين نائباً عندهم هذه الحالة يستغلون الإجازات المرضية والاعتيادية لأقصى درجة».النائب العلواني أجاب عن سؤال لقناة محلية عن سبب عدم حضوره لجلسات البرلمان، بعبارة مختصرة هي: «بمزاجي».
* أنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة الصحافة الاستقصائية العراقية (نيريج). وباشراف محمد الربيعي.
الجزء الثاني
امتيازات سنوية بـنصف مليار دولار تورط البرلمان العراقي في أوسع ظاهرة فساد شرق اوسطية (2-2)
على رغم كل المطالبات الشعبية والتهديد بالتظاهر احتجاجاً على تقاعد البرلمان وامتيازاته العالية، أقر البرلمان العراقي في تموز الماضي موازنته للعام 2014 وهو ما اعتبر في حينه، استهانة برغبات الشعب العراقي. فالبرلمان رفع موازنته من 387 بليون دينار (330 مليون دولار) عام 2013، الى 528 بليون دينار (450 مليون دولار) في موازنة 2014.الزيادة التي اقرها البرلمان بمقدار 38 في المئة، فاقت في شكل كبير مقدار الزيادة المتوقعة في عدد النواب خلال الدورة المقبلة (4 في المئة)، ومعدل التضخم في العراق (5 في المئة الى 6 في المئة). ولم يقدم البرلمان تبريرات كافية لهذه الزيادة واكتفى بالرد على منتقديه بأن الموازنة التي اقرها «هي أقل بكثير من موازنتي رئاستي الجمهورية والوزراء»، (تضم مؤسسة البرلمان قرابة 1400 موظف اضافة الى 325 نائباً فقط).تشرح النائب عالية نصيف تفاصيل الزيادات في الموازنة، وتقارنها بموازنة العام 2012، فقد ارتفعت كلف التنظيف بمقدار 636 مليون دينار (540 الف دولار) اضافة الى بدلات عمل بـ (318 الف دولار). وارتفعت كلفة الحواجز الامنية من (8500 دولار) الى (425 الف دولار)، وكلفة الأجهزة والمكائن من (580 الف دولار) الى (10 مليون دولار). و2.45 مليون دولار كمخصصات ملابس، و8.5 مليون دولار للصيانة و24 مليون دولار كمنح وإعانات، و19 مليون دولار نفقات استثنائية لا تعرف طبيعتها.تضمنت الموازنة ايضاً مبالغ «لشراء دراجات هوائية». وهذه الفقرة ذكّرت العراقيين بقضية إيفاد موظف برلماني الى مدينة اربيل لشراء دراجة هوائية ألمانية الصنع قالت الصحف في حينه ان ثمنها هو (10 آلاف دولار)، فيما رد البرلمان بأن سعرها الحقيقي لا يتعدى مليونين و318 ألف دينار عراقي (ألفي دولار) من دون ذكر كلفة الإيفاد نفسه.
الارض مقابل «السلام»
يعتقد الباحث والاكاديمي موسى العبيدي، ان محاولة اعضاء البرلمان الحفاظ على الامتيازات التي حصلوا عليها، «سهلت على الحكومة مهمة الإفلات من المساءلة». ويذكر العبيدي هنا كيف أن رئيس الوزراء وافق على منح النواب قطع اراض على نهر دجلة وبواقع 600 متر مربع لكل نائب، في الوقت ذاته الذي كان فيه البرلمان يخوض جدلاً حول امكانية إقالة الحكومة.العبيدي يعتقد ان الارض كانت بمثابة «رشوة»، قياساً الى ان الاراضي المرصودة تبلغ قيمة المتر المربع الواحد منها اكثر من 3 آلاف دولار (1.8 مليون دولار لقطعة الارض الواحدة).الامر ذاته كان حاضراً خلال بدء الدورة الحالية عملها، كما يقول الإعلامي أياد طارق، فوفقاً لكتاب مجلس الوزراء الرقم 29349 في 23/8/2010 (الفترة التي كان فيها رئيس الوزراء يخوض مفاوضات صعبة للبقاء في منصبه لدورة ثانية)، اعلنت رئاسة الوزراء عن تحويل «حي البساتين» في منطقة الأعظمية الراقية الواقعة على نهر دجلة، من ملكية وزارة المالية الى ملكية مجلس النواب.بعد تسلم رئيس الوزراء ولايته الثانية، بأقل من شهر واحد، وافقت وزارة المالية رسمياً على تحويل الارض الى مجلس النواب وفق كتابيها 85 في 2/1/2011 و779 في10/1/2011، وسجلت القطعة باسم مجلس النواب بالقيد (4/ك2/2011/701).لم تكن الارض المرصودة خالية من السكان، فهناك ما يقرب من 6 آلاف عائلة كانت تعيش بصفة غير قانونية على هذه الارض، لأنها لم تمتلك مأوى وسط ازمة سكن خانقة عجزت الحكومة عن حلّها على مدى سنوات.يتساءل الباحث العبيدي الذي يعيش في مدينة الكاظمية المطلة على نهر دجلة، كيف يمكن برلماناً يتعامل بطريقة الأخذ والعطاء أن يحاسب رئيس الوزراء نوري المالكي، ونائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي، ونائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني، على تملكهم قطعة أرض من اغلى اراضي الكاظمية، وبمساحة تناهز ألفي متر مربع كانت مخصصة اصلاً لإقامة متنزه لأهالي الكاظمية.
شلل برلماني
يستشهد الباحث اسعد الفاضلي، على ضعف الجهاز الرقابي للبرلمان المنصوص عليه في المادة 32 من الدستور، بأن الاخير «كان عاجزاً تماماً عن تجريم المتورطين في صفقة الاسلحة الروسية التي كان عرّابها المتحدث السابق باسم الحكومة علي الدباغ»، مذكراً بأن الصراع الاعلامي بين الحكومة وكتل نافذة في البرلمان «انتهى بالاتفاق على اغلاق ملف الاسلحة الروسية التي قيل ان المتورطين فيها من المقربين من رئيس الوزراء نفسه، مقابل إغلاق ملف تورط نواب نافذين في ابتزاز البنك المركزي للحصول على ارباح طائلة من طريق التلاعب بأسعار صرف العملة».ويضيف الفاضلي الى قائمة «العجز البرلماني» كما يسميه، «الفشل في محاسبة المتورطين بقضايا فساد تقدر قيمتها بـ25 بليون دولار، وفق هيئة النزاهة البرلمانية». ويذكّر الفاضلي هنا بفضيحة توقيع وزير الكهرباء السابق رعد شلال عقدين ضخمين في تموز 2011، مع شركتين، احداهما كندية (capgent) والأخرى ألمانية (mbh)، بما مجموعه (1.7) بليون دولار.الفضيحة لم يكشفها الجهاز الرقابي للبرلمان، بل وزير التخطيط العراقي السابق جواد هاشم الذي اثبت لرئيس الوزراء بالأدلة ان الشركة الكندية (عقدها ببليون دولار) كانت عبارة عن شركة وهمية وموجودة فقط، على الورق. فيما كانت الشركة الالمانية (عقدها بـ700 مليون دولار) قد اعلنت افلاسها قبل توقيعها العقد بستة اشهر.القضية انتهت بإقالة وزير الكهرباء من منصبه من جانب رئيس الوزراء نفسه، فيما تدارك البرلمان موقفه الحرج بإعلان القائمة التي ينتمي اليها وزير الكهرباء بأنها لن تسكت عن حق الشعب العراقي وستحاسب الوزير المتورط بنفسها. ثم اغلق ملف القضية حتى هذه اللحظة.يضيف الفاضلي الى القائمة، فشل البرلمان حتى في استجواب او استضافة المتسببين بالتردي الامني في العراق، خصوصاً مع تصاعد أعداد الضحايا عام 2013 الى اعلى مستوياته منذ عام 2008.حين ارتفعت مطالبات البرلمانين باستجواب رئيس الوزراء لمحاسبته على التردي الامني، كما يقول الفاضلي، توعد الاخير بكشف ملفات النواب المتورطين بدعم الارهاب اذا ما أُجبر على المثول أمام البرلمان.منذئذ، خفتت الاصوات المطالبة بالاستجواب سوى بعض المطالبات الخجولة التي كانت تنطلق عقب كل موجة من موجات السيارات المفخخة، والتي باتت تضرب العاصمة بغداد مرة كل اسبوع، وبمعدل 20 سيارة مفخخة يختار تنظيم «القاعدة» موعد تفجيرها ومكانه.لم يتمكن البرلمان ايضاً، كما يقول احمد الشمري وهو المتحدث باسم حركة تطالب باعتبار التفجيرات في العراق جرائم إبادة جماعية، من محاسبة الحكومة على استخدام الاجهزة الامنية على مدى سنوات أجهزة مغشوشة لكشف المتفجرات، على رغم اعتراف الحكومة لاحقاً بأن هذه الاجهزة «رديئة».لم يستطع البرلمان ايضاً، كما يعتقد الكاتب احمد المهنا، وقف هيمنة رئيس الوزراء على المؤسسات الامنية وتشكيله مؤسسات أمنية غير دستورية مرتبطة به حصراً. وأيضاً، استحواذه على وزارتي الدفاع والداخلية (يخلو الطاقم الحكومي من وزيري الدفاع والداخلية منذ تشكيل الحكومة قبل 3 سنوات)، فضلاً عن سيطرته على الجيش وقوى الامن الداخلي وجهاز المخابرات.
اسباب الإخفاق
يعتقد باحثون وإعلاميون، ان اسباب إخفاق البرلمان لا يمكن حصرها في اتجاه واحد، فعلى رغم انه «برلمان يمتلك حق انتاج ومراقبة واستبدال السلطة التنفيذية»، كما يقول الكاتب مشرق عباس، لكنه عجز حتى الآن عن السيطرة على الجهاز التنفيذي برمّته.
بخلاف النظم البرلمانية التي يكون فيها انتخاب الرئيس والبرلمان بعمليتي تصويت منفصلتين قد تفضيان الى صراع بين المؤسسة الرئاسية (المنتخبة) والبرلمانية (المنتخبة ايضاً)، بخلاف هذه النظم، يمتلك العراق نظاماً برلمانياً يقوم على انتخاب مباشر للبرلمان الذي يختار هو وحده، وبإرادته كما يفترض، كل اعضاء السلطة التنفيذية.هذا يعني كما يقول الكاتب احمد المهنا، ان فشل البرلمان في اختيار الحكومة يعود بالانتقاد على البرلمان نفسه. يعتقد المهنا ان العام 2010 الذي التأم فيه هذا البرلمان، كان «لحظة صعود» تحولت الى «لحظة سقوط»، لأنها أنتجت «برلماناً عاجزاً وحكومة فاسدة بقرار غير عراقي على الاطلاق». فيما يعتقد الكاتب هافال زاخويي أن الحكومة في النهاية هي نتاج البرلمان نفسه، وعجزه عن محاسبتها «يضاعف مسؤوليته عن الازمة التي تشهدها البلاد».الاكاديمي فراس الياسي يعترض على تحميل البرلمان وحده مسؤولية الفشل، فلو كانت الحكومة تسعى فعلاً لتثبيت اسس عمل سياسي صحيح، لما اتهم البرلمان بأنه سبب كل ما يحصل الآن. لكن يجادل بأن برلماناً لا يمتلك كتلة معارضة، من غير الممكن وصفه بأنه برلمان حقيقي، وهو متيقن بأن الازمة بدأت منذ استقلت القوائم المنافسة لرئيس الوزراء كي تأخذ حصتها من الكابينة الوزارية، ثم بدأت تلعب لعبة (رجل في الحكومة ورجل في المعارضة)».يفتقد البرلمان العراقي جبهة معارضة، فكل الكتل الفائزة تشارك في الحكومة الحالية، ويتم احتساب النصاب المطلوب لنيل وزارة سيادية او غير سيادية، وفقاً لعدد مقاعد كل كتلة. والكتلة التي لا تؤهلها مقاعدها لأخذ منصب وزاري، تتم غالباً ترضيتها بعدد من وكالات الوزارات، او المديريات العامة.الباحث الصميدعي يكشف ان الوزارات والمناصب الحكومية في العراق «تدر موارد مالية ضخمة للأحزاب تسمح لها بكسب مؤيدين جدد وتمويل دعاياتها الانتخابية، لهذا غالباً ما تتخلى الاحزاب والتيارات عن مقاعد المعارضة الحقيقية، لتشارك في غنائم السلطة وتلعب دور المعارضة أمام الإعلام فقط».لا يتفاءل الكاتب مشرق عباس بأن من الممكن ان يؤدي البرلمان دوره التشريعي والرقابي خلال الفترة القليلة المتبقية من عمر البرلمان، وهو يفسر فشل البرلمان في تشريع اهم القوانين التي تحتاجها البلاد مثل قانون النفط والغاز وقانون الاحزاب وعشرات من القوانين المجمدة حتى إشعار آخر، بانفراد مجموعة من الزعماء السياسيين باتخاذ القرارات في ما يتعلق بتشريعات البرلمان «على رغم ان اغلب هؤلاء الزعماء لم يخوضوا مناقشات برلمانية ولو مرة واحدة في حياتهم».هذا يعني، وفق ما يراه الكاتب عباس، ان آلية اتخاذ القرار بعد فحص القوانين ومناقشتها تفصيلياً وبمقدار عال من المرونة، وهو ما يجري في برلمانات العالم، غير متوافرة في الحالة العراقية. إذ إن لقاءات الزعماء النافذين مع بعضهم بعضاً نادرة، وأحياناً تشهد العلاقات قطيعة بينهم تمتد لسنوات يعيش خلالها البرلمان شللاً مزمناً.يذكّر الكاتب زاخويي هنا، بالقطيعة التي وقعت بين رئيس الوزراء ورئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني وتسببت في تأزيم الخلافات بين بغداد وأربيل، الى حد إقامة سواتر بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية حتى كادت الامور بينهما تصل الى المواجهة العسكرية.ايضاً، كما يضيف زاخويي، استغرقت القطيعة بين رئيس الوزراء وزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر ورئيس البرلمان اسامة النجيفي وزعماء آخرين، زمناً طويلاً وتطلب الامر تدخل اطراف متعددة للتخفيف من حدته.زاخويي يشير الى ان الغالبية العظمى من النواب وصلوا الى قبة البرلمان بفضل زعماء الاحزاب والتيارات (لم يحصل قرابة 300 نائب من اصل 325 وصلوا الى البرلمان، على اصوات العتبة الانتخابية)، وهو ما فرض عليهم ان يكونوا «مثل البيادق تماماً»، يخضعون بالكامل لإرادة الزعماء. يشير الكاتب الصميدعي هنا، الى ما قاله له رئيس كتلة نافذة حين سأله الصميدعي عن سر اختياره لأحد البرلمانيين من ذوي الخبرة المتواضعة، رئيس الكتلة ابلغه بأنه يحتاج الى نواب يتراكضون خلفه ولا يسألونه عن تفاصيل قراراته، وليس مجبراً على ترشيح اشخاص «يوجعون الرأس» بمناقشة كل قرار يريد اتخاذه.يعتقد الصميدعي ان طريقة اختيار البرلمان نفسها «فاشلة»، ولن يحدث اي تغيير اذا بقيت القوانين الانتخابية على حالها، فالقانون الحالي يسمح حتى لأنصاف المتعلمين وقليلي الخبرة بالوصول الى مجلس النواب، حتى اذا كانوا غير معروفين من جانب ناخبيهم. وهو ما يجعل البرلماني يدين بالولاء لصاحب الفضل عليه (زعيم الحزب)، وليس الناخب الذي يصوت للزعيم ولا علاقة له بباقي أسماء القائمة.في انتخابات آذار 2010 حصل رئيس الوزراء على (622) ألف صوت في العاصمة بغداد، فيما حصل ثلاثة من قادة القائمة العراقية على (881) ألف صوت.الغالبية العظمى من النواب كما يرى الصميدعي، لم يدخلوا في مرحلة العمل الحزبي والسياسي قبل وصولهم الى البرلمان، وأغلبهم كانوا يعملون في مهن لا علاقة لها بالسياسة مثل التدريس والتجارة والزراعة والمقاولات وحتى بيع وشراء العقارات. ويتساءل هنا عن الكيفية التي يمكن فيها هؤلاء دخول مناقشات عالية المستوى، غالبيتها ذات طابع قانوني وسياسي، تمهيداً لاتخاذ قرار يتوقف عليه مصير العراق الذي يعاني أصلاً من صراعات قد تحتاج الى اعتى ساسة العالم ومفكريه لإيجاد حلول تناسبها. يتحدث الكاتب حسن عبدالحميد، كيف انه التقى برلمانيين في ورشة في العاصمة اللبنانية بيروت، لم يكن بعضهم يجيد حتى مناقشة الامور السياسية بمعرفة وخبرة طالب في الدراسة المتوسطة.عبدالحميد لا يبدو متفاجئاً بأن البرلمان يقيم دورات متواصلة لتأهيل البرلمانيين، بما فيها كيفية التحدث وارتداء الملابس والوقوف امام الكاميرات، يعقّب عبدالحميد: «لنتخيل كم نائباً وصل الى قبة البرلمان من دون حتى ان يناقش فكرة داخل قاعة دراسة جامعية».يتطلب الدخول في عضوية البرلمان، وفقاً لقوانين الانتخابات العراقية، أن يكون المرشح حاصلاً على شهادة الثانوية العامة أو اكثر.فشل البرلمان تماماً، كما يعتقد الكاتب العبيدي، في التعامل مع مشاكل كبرى واجهت البلاد، وربما سيعجز عن مواجهة مشاكل في الطريق، ابرزها امكانية خلو منصب رئيس الجمهورية. وفراغ المؤسسة الرئاسية التي من المفروض ان توازن سلطة رئيس الوزراء. يشير العبيدي هنا الى ان البرلمان لم يتمكن حتى اللحظة من حل الازمة الرئاسية.في البداية، كما يقول العبيدي، كان لدينا رئيس جمهورية وثلاثة نواب للرئيس، لكن الآن ليس هناك سوى نائب رئيس في كل المؤسسة الرئاسية. بدأ الأمر باستقالة النائب الاول للرئيس، عادل عبد المهدي، والذي أثرت في مستقبله السياسي حادثة سرقة حراسه لثمانية بلايين دينار (6.5 مليون دولار) من مصرف الزوية وسط بغداد، بعد قتلهم ثمانية من حراس المصرف. لاحقاً، أصبح منصب النائب الثاني شاغراً بقرار إعدام نائب الرئيس طارق الهاشمي الذي فر الى الخارج. ومنذ نهاية العام الماضي يرقد الرئيس جلال الطالباني في مستشفى في المانيا وتفرض عليه عزلة تامة يعتقد ان سببها وفاة الرئيس سريرياً.لم يتبق، وفق العبيدي، إلا نائب الرئيس خضير الخزاعي الذي ينتمي الى حزب رئيس الوزراء. على رغم كل ذلك، لم يجرؤ البرلمان حتى الآن على كسر القواعد والاتفاق على بدلاء للرئيس ونائبيه.
بانتظار انتخابات 2014
حرمت تركيبة البرلمان، كما يرى الكاتب احمد المهنا، ومعه الصميدعي ومشرق عباس وهافال زاخويي والدكتور العبيدي والكاتب عبدالحميد والبروفيسور العامري، ومعهم مراقبون، مثقفون وساسة، حرمت العراق من سلطة تشريعية فاعلة يمكنها الحد من الفساد، او السيطرة على أداء السلطة التنفيذية.حرمت البلاد ايضاً، من تشريع قوانين يتوقف عليها مستقبل العراق كدولة، مثل قانون النفط والغاز، قانون الاحزاب، قانون متكامل وثابت للانتخابات، والعشرات من القوانين التي تقرر كيف يمكن تسيير الامور في البلاد وتقاسم السلطة والثروة تجنباً لدخول البلاد في نفق التقسيم، او الصراعات الاهلية.بانتظار انتخابات ربيع العام 2014، كما يعتقد هؤلاء، سيظل كل شيء معطلاً، ولن يتراجع العراق عن موقعه كواحد من اكثر البلدان فساداً في العالم.