الدولار والوجه الأكثر قبحا للعلقميّة

الدولار والوجه الأكثر قبحا للعلقميّة
آخر تحديث:

بقلم:زكي رضا

غالبا ما يُتّهم وزير الخليفة العبّاسي المستعصم بالله، أي محمد بن أحمد المعروف بابن العلقمي، بخيانة البلاد لصالح المغول ومساعدتهم في احتلال بغداد وانهيار الدولة العبّاسيّة. واستنادا إلى ما ورد في المصادر التاريخيّة حول هذه القضيّة واختلاف وجهات النظر حولها بين الفريقين المتخاصمين منذ قرون طويلة، فإنّ الخلافات بين الفريقين ستستمر إلى ما لا نهاية، استمرارا للخلافات التي بينهما منذ سقيفة بني ساعدة وإلى اليوم.لقد كتب العشرات من رجال الدين والمفكرّين الشيعة أبحاثا ومقالات مطوّلة لتبرئة ابن العلقمي، وقابلهم رجال دين ومفكرّون سنّة ليوصموا ابن العلقمي بالخيانة، علما أنّ هناك الكثير من رجالات الطائفتين وعلى مرّ التاريخ نستطيع أن نضعهم في خانة الخيانة والجريمة. فالسلاطين العثمانيون كانوا مجرمين أذاقوا شعوب مستعمراتهم العذاب وخانوا حتّى القيّم الإسلامية التي كانوا يدّعون الدفاع عنها، ولم يكن الملوك الصفويون أقل منهم باعا بالخيانة والجريمة، وهم يذيقون الشعوب الإيرانية العذاب ويحاربون العثمانيين بالعراق ليدفع شعبنا ثمن صراعهم السياسي المغلّف بالدين والطائفة.

إلى اليوم يعمل زعماء الشيعة على تبرئة ابن العلقمي، كما يعمل زعماء السنّة على تبرئة شخصيات سنيّة لم تكن أقل منه في خيانتها. لكنّ الأوضاع المزرية في العراق اليوم والأحزاب والمؤسسات الشيعية تهيمن على المشهد السياسي والاقتصادي بالبلاد، تدفعنا لاستعارة العلقميّة، إن جاز التعبير، لنوجه من خلالها تهم الخيانة لحكومة المحاصصة التي يهيمن عليها ويديرها رجال دين وسياسة واقتصاد من التنظيمات السياسة والميليشياوية الشيعية.العلقميّة اليوم ليست بالضرورة فتح أبواب البلاد لجيوش المحتلّين واستقبالهم كمحرّرين، بل هي نهج في السلطة وطريقة في إدارة الدولة، وخطط اقتصادية وتخطيط مالي. والأحزاب الشيعية اليوم وعلى الرغم من الخلاف التاريخي حول ابن العلقمي، فإنّها اتّخذت من العلقمية ممارسة إستراتيجية لخيانة العراق وشعبه وثرواته.

صعود أو هبوط سعر صرف الدولار الأميركي بالعراق كما بقيّة دول العالم يؤثّر على حياة الناس، وخصوصا الموظّفين وذوي الدخل المحدود والفقراء. والعراق الذي دخلت خزائنه ونتيجة ارتفاع أسعار النفط مئات المليارات من الدولارات، بدّدت سياسة المحاصصة نسبة كبيرة منها نتيجة النهب والفساد وسوء الإدارة. ولأننا نعيش حكومة محاصصة وتوزيع الوزارات والمناصب وفق نسب سكّانية، فإنّ الجرائم التي تقع على العلاقمة الشيعة، إن جاز التعبير ثانية، هي أكثر ممّا تقع على العلاقمة السنّة والكرد.أهدر النظام البعثي وغيره من الأنظمة العربية ثروات شعوبهم ليستجدوا الآن بضع مليارات من الدولارات بفوائد كبيرة وشروط قاسية من مصارف عالمية والبنك الدولي تحت شعار “كل شيء من أجل المعركة”، وخسروا المعركة وهي تحرير فلسطين! والأحزاب الشيعية وعمقها الطائفي أهدرت مئات المليارات من الدولارات من أجل شعار توسيع النفوذ الإيراني بالعراق والمنطقة تحت شعار “كل شيء من أجل إيران والمذهب”، لتزداد أعداد فقراء المذهب بشكل كبير.

الدولار الذي ارتفع سعر صرفه إلى مستويات قياسية على عكس تعهدات العلاقمة ببغداد، والذي تحاصر سلطات الاحتلال الأميركي سوقه وتنقلاته ليس لوقف نزيف الخزينة العراقية، بل من أجل عدم تغذية الخزينة الإيرانية التي تعيش كالطفيليات على أموالنا واقتصادنا وأسواقنا، وللحد قدر الإمكان من التدخلات الإيرانية في العديد من بلدان المنطقة.أن يستورد العراق الغاز من إيران ويحرق غازه هو شكل من أشكال العلقميّة. أن يستورد الكهرباء من إيران بأسعار أعلى من أسعار تعرضها بعض دول الجوار هو شكل من أشكال العلقميّة. أن يستورد العراق التمر من إيران بملايين من الدولارات هو شكل من أشكال العلقميّة. أن يدفع العراق رواتب الميليشيات الولائية وحزب الله اللبناني والميليشيات التي تقاتل في سوريا وغيرها هو شكل من أشكال العلقميّة. لكن أن تتلاعب الدولة نفسها بأسعار الصرف وتفتح أسواق بيع العملة لشركات وهمية أو شركات مرتبطة بميليشيات مسلحة على علاقات وثيقة بإيران، لتفرغ خزينة البلاد من العملة الصعبة خدمة لإيران ومشروعها الجيوسياسي، فإنّها الوجه الأكثر قبحا للعلقميّة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *