عرب أميركا بين الجمهوريين والديمقراطيين

عرب أميركا بين الجمهوريين والديمقراطيين
آخر تحديث:

بقلم:إبراهيم الزبيدي

حقيقة لا تقبل النفي تقول إن عرب أميركا شعوبٌ وقبائل تتعارف أحيانا، ولا تتعارف في أغلب الأحيان. فكل شريحة من الوافدين العرب إلى أميركا تحمل راية الدولة الوافدة منها، وتتعصب لثقافتها المتوارثة وعقيدتها وعاداتها ومقاييسها التي تقيس بها الخير والشر، والصالح والطالح، والنافع والضار.ولكل شريحة عربية في أميركا عاصمة أميركية تجعل الوافدين الجدد يسارعون إليها طلبا للألفة والمعاشرة مع أقربائهم وأصدقائهم الذين سبقوهم في الوصول.

يعني ليس هناك عرب في أميركا، بل هناك عراقيون مسلمون شيعة، وعراقيون مسلمون سنة، وعراقيون مسيحيون كلدان ومسيحيون أشوريون، ولبنانيون مسلمون شيعة، ولبنانيون مسلمون سنة، ولبنانيون مسيحيون، ومصريون مسلمون، وآخرون مسيحيون أقباط، وسوريون سنة، وسوريون علويون، ودروز، وأردنيون أردنيون، وأردنيون فلسطينيون، وأردنيون مسيحيون، وأردنيون مسلمون، وفلسطينيون مسلمون، وفلسطينيون مسيحيون، وكلٌ متحصن في مدينته الأميركية الخاصة به، وله فيها إمامه ومسجده أو حسينيته أو كنيسته وجريدته وإذاعته ونواديه ودكاكينه وملاعبه ومطاعمه. بل إن منهم فِرقا وشيَعا ترفع لواء المدينة أو القرية التي يتعصبون في حبها والمفاخرة باسمها، وليس اسم الدولة التي جاؤوا منها.

والكثيرون من هؤلاء لم يتمكنوا من أن ينزعوا من أرواحهم عصبياتهم القديمة، وأن ينسوا معارك أهلهم الدينية والطائفية والعنصرية والمناطقية المتوارثة، رغم أن الكثيرين منهم ولدوا هنا في أميركا، وتعلموا في جامعاتها، وعملوا في مؤسساتها، وذاقوا طعم علمانيتها وديمقراطيتها، ورأوا كيف صهر النظام الديمقراطي الأميركي الملايين من البشر الوافدين من أصقاع الدنيا الواسعة، وجعلهم ملة واحدة، وزرع فيهم ثقافة التسامح والاعتدال.

أما الذين يمكن استثناؤهم من ذلك فقليلون تمكنوا من الاندماج في المجتمع الأميركي، وجعلوا أنفسهم وأبناءهم وأحفادهم مواطنين أميركيين يحترمون أصولهم وأعراقهم والبلاد التي ينتمون إليها، ولكنهم معافون من أمراضها التي لا تتفق ومبادئ العصر الحديث وثقافته وقيمه الجديدة.وتأسيسا على ذلك فلا يمكن لمحايد منصف أن يدعي أن الأغلبية العربية الأميركية تؤيد هذا الحزب أو تناصر ذاك، خصوصا في مواسم الانتخابات.كما أن من غير السهل تصديق نتائج أيّ استطلاع للرأي يجريه عربي أميركي منتمٍ لحزب أميركي، لأن قدرته على الحياد صعبة إن لم تكن مستحيلة.

فيمكن، ببساطة، أن يتوجه إلى تجمع سكاني عربي معين ليجري استطلاعا للرأي بسؤال محدد، من تحب ومن تكره، حزب الرئيس الحالي جو بايدن، أم حزب الرئيس السابق دونالد ترامب، ثم يعلن في ضوء نتائج ذلك الاستطلاع أن أغلبية هذه الشريحة من عرب أميركا جمهورية أو ديمقراطية أو بين بين.فللفلسطيني موقف عام يكاد يكون موحدا تفرضه الحلاوة أو المرارة التي ذاقها على يد هذا الحزب أو ذاك. وللعراقي رأي خاص مختلف يكاد يكون موحدا لدى المسيحيين، وموحدا مغايرا لدى المسلمين الشيعة، وثالثا لدى المسلمين السنة.

والشيء نفسه يتكرر في سبر أغوار المواطن السوري واليمني والأردني والمصري واللبناني والمغربي، كذلك.وما يحبه الغني العربي لا يحبه الفقير. وما يحلم به الأميّ لا يريده المتعلم.وهموم الهارب من ظلم سلطة وطنه الأم تختلف تماما عن هموم أخيه الآخر المتراضي مع تلك السلطة، والمتعاون معها والمستفيد منها.وتبعا لكل ذلك حين يقوم المعهد العربي الأميركي بإجراء استطلاع رأي، من أجل فهم أفضل لكيفية تصويت العرب الأميركيين العام المقبل وما الذي سيحرك أصواتهم، ثم يعلن أن “الأميركيين العرب يؤيدون السياسات الليبرالية أكثر من تأييدهم للسياسات المحافظة” فهو يجانب الحق ويبتعد عن الواقع قاصدا أو غير قاصد، وعليه أن يوضح أين أجرى استطلاعه، وكيف، وما هي نوعية العرب الذين أشركهم فيه.

فمن غير المقبول منه أن يؤكد أن “غالبية العرب تفضل الديمقراطيين على الجمهوريين”.ويذكر جيمس زغبي أن الأميركيين العرب “بهامش يتراوح بين 53 و30 في المئة يفضلون سيطرة الديمقراطيين على الكونجرس”.ورغم أن الهجرة العربية إلى أميركا بدأت قبل أكثر من مئة عام، وكان اللبنانيون واليمنيون والفلسطينيون أسبق المهاجرين إليها، إلا أن دراسة موثقة تفصل أوضاع المغتربين العرب وأعدادهم وأماكن تواجدها ومجالات عملهم ومستويات تعليمهم غير متوفرة.حتى المؤسسات والجمعيات التي أنشأتها كل جالية من الجاليات العربية الأميركية لم تستطع، ولن تستطيع، حصر أعداد مواطنيها وأحوالهم، وذلك لأن الكثيرين منهم لا يتواصلون مع أشقائهم الوافدين من نفس الدولة العربية. بل إن هناك تناقضات غير مرئية بين مواطنين قادمين من دولة واحدة ولكن من مدن متنافسة ومتقاطعة لا يلتقي بعضهم ببعضهم الآخر.

ولكن المؤكد والمرئي والملموس هو أن الغالبية العظمى من عرب أميركا ترى أن الديمقراطيين والجمهوريين من طينة واحدة، لا فرق بين هؤلاء وأولئك. فتاريخ حكوماتهم الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة يخبرنا بأن العرب وقضاياهم وهمومهم وأحلامهم لا تساوي حبة خردل عند أيٍّ منهم، أجمعين.ومن يتابع صحف (القبائل) العربية، وخاصة العراقية واليمنية والمصرية واللبنانية والفلسطينية الصادرة في أميركا يرى أن بعضهم يصلي ويصوم لكي يفوز (الأخ الوفي) ترامب، وأن بعضهم الآخر مشتعلٌ حماسا وثورة ومقاومةً وصمودا، ومبتهلٌ إلى الله لكي يُسقط ترامب، وينصر عليه بايدن الصديق الديمقراطي الحبيب.*خلاف مع مقال “كيف سيصوت الأميركيون العرب في 2024؟” لجيمس زغبي – صحيفة الاتحاد الإماراتية في 28 مايو 2023.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *