قوة مقتدى وأوهام شعبه

قوة مقتدى وأوهام شعبه
آخر تحديث:

بقلم:فاروق يوسف

ليس هناك استطلاع للرأي العام في العراق لكي نعرف مستويات شعبية هذا الزعيم السياسي أو ذاك. ولكن هل هناك أهمية لذلك الرأي في ظل تمكن الأحزاب والميليشيات من السلطة؟ رغب الشعب أم لم يرغب فإن أحدا لن ينصت إليه. محبته وكراهيته لا تؤثران على الميزان الذي يعمل بمزاج لا علاقة له بالمنطق السياسي في أقل تقديراته. فمفهوم تداول السلطة ديمقراطيا قد اكتسب ومنذ بداياته طابعا مغلقا لا يسمح لغير أفراد الطبقة السياسية التي زكتها سلطة الاحتلال الأميركي بالوصول إلى مواقع القرار على الأصعدة كافة. فلا يسمح لاقتصادي نزيه على سبيل المثال بالإطلاع على عقود الاستيراد ولا لمهندس وطني بالإشراف على مناقصات البناء ولا لمعلم عفيف بالمشاركة في تأليف المناهج المدرسية ولا لصيدلي نظيف اليد بمراقبة الأدوية المستوردة التي يجهل العراقيون حقيقة فاعليتها وتأثيرها بعد أن حل الزيف محل الحقيقة.

كان هناك حديث سابق عن ترييف العاصمة بغداد. ذلك حديث صحيح. فالمدينة التي تسكنها اليوم عشرة ملايين نسمة هي في الحقيقة لا تستوعب إلا ثلاثة ملايين. ما الذي نفعله بالسبعة ملايين الأخرى؟ جماهير الأحزاب والميليشيات زحفت لتصنع مشهدا زائفا لمدينة لا تملك حلولا خدمية للثلاثة ملايين من سكانها على مستوى خدمات الماء والكهرباء والصحة والتعليم والصرف الصحي والمواصلات. تراجع الترييف ليتقدم التزييف. تزييف المظهر والجوهر على حد سواء. فمقتدى الصدر وهو واحدة من علامات القيامة العراقية يتبعه كما يُقال سبعة ملايين إنسان، أغلبهم من الجهلة والفقراء واليائسين من الحياة الدنيا ويتقدمهم المنافقون والفاسدون والمنتفعون. الصدر ظاهرة قُدر لها أن تكون سياسية بالرغم من أنها ليست كذلك. جزء كبير من تلك الظاهرة يقع في الخرافة.

لا أحد يزعم أنه رجل دين بالرغم من لباسه الديني التقليدي. كما أن وجود أتباعه في مجالس النواب والحكومات المتلاحقة يهبه هالة سياسية، حتى إن الإعلام الغربي في بعض لحظات إلهامه الزائف كان يصفه بالرقم الصعب في العملية السياسية. ما أهزلها تلك العملية السياسية التي يكون فيها الصدر رقما صعبا! هي أكثر هزالا مما نتوقع إذا عرفنا أن رجلا مثل نوري المالكي هو عرابها. فلو كان المالكي موجودا في أي دولة يحكمها القانون لكان السجن مكانه بعد أن قاد الجيش العراقي إلى هزيمة أدت إلى احتلال ثلثي أراضي العراق من قبل تنظيم إرهابي قدم مقاتلوه إلى العراق عام 2014 بسيارات مدنية لا تحمل إلا أسلحة خفيفة.

عبر سنوات تألقه ظل مقتدى الصدر متوجا بكراهية الطبقة السياسية الحاكمة التي هو جزء منها. هُزم مرات عديدة وفي اللحظة التي انتصر فيها تخلى عن أصوات من نصروه وباعها بثمن بخس. ولكن ظاهرته لم تخفت. هرب غير مرة إلى قم والنجف غير أن نجمه لم يأفل. ولكن من يؤكد ذلك؟ الفقراء ينسون من يخذلهم. جماهير مغيبة لا ترى من مقتدى سوى عمامته السوداء. لقد كُتب عليهم أن يخلطوا بين حياتهم الواقعية ووعود الآخرة الوردية. وهو ما يجعل التخلي عن الشاب اليتيم نوعا من الإثم الذي لا يغتفر بالنسبة إليهم. ولكن مقتدى عبث بحياتهم ومرغ كرامتهم بالتراب ونسف قدرتهم على أن يضعوا إرادتهم الوطنية موضع التنفيذ. ينافس مقتدى عدوه اللدود نوري المالكي بهزائمه.

خذل مقتدى الصدر أتباعه ولطالما وصفهم علنا بالجهلة. إنه جاهل يسخر من أتباعه الجهلة. لطالما اعترف بأنه يقود مجموعة من الفاسدين واللصوص والأفاقين والمحتالين، فهل أثرت اعترافاته على مستوى شعبيته؟ لا أحد يدري. فهو موجود وسيظل موجودا لأن وجوده ضروري للعملية السياسية التي يجب أن تستمر في سياق المعادلة التي وضعها الأميركان وكان مقتدى هو أحد أضلاعها.

سيُقال إنه كذبة. ولكن كل ما جرى في العراق بعد الاحتلال الأميركي هو نوع من الكذب. قبل ذلك تم تزييف العقل العراقي بحيث صار قادرا على القبول بالصدر والمالكي وهادي العامري وعمار الحكيم ومحمد الحلبوسي زعماء سياسيين وهم لا يصلحون للقيام بوظيفة موظف استعلامات، فهم كائنات لا تجيد من فن السياسة إلا الكذب. وهو ما جعل من العراق دولة وهمية قد يكون الفشل صفة ترقى بها إلى مستوى لا تستحقه. فالعراق الذي لا يزال يحتفظ بمقتدى باعتباره درة السياسة هو دولة على الورق. دولة افتراضية في حاجة إلى إرادة وطنية تصنع منها وطنا.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *